تفسير العز بن عبد السلام - العز بن عبد السلام  
{وَإِذۡ قَالَ رَبُّكَ لِلۡمَلَـٰٓئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٞ فِي ٱلۡأَرۡضِ خَلِيفَةٗۖ قَالُوٓاْ أَتَجۡعَلُ فِيهَا مَن يُفۡسِدُ فِيهَا وَيَسۡفِكُ ٱلدِّمَآءَ وَنَحۡنُ نُسَبِّحُ بِحَمۡدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَۖ قَالَ إِنِّيٓ أَعۡلَمُ مَا لَا تَعۡلَمُونَ} (30)

{ وإذ قال } ' إذ ' صلة ، أو أصلية مقصودة ، لما ذكر نعمه لخلقه بما خلق لهم في الأرض ذكرهم نعمه على أبيهم آدم صلى الله عليه وسلم أو أنه ذكر ابتداء الخلق كأنه قال وابتدأ خلقكم إذ قال ربك . { للملائكة } الملك مأخوذ من ألك يألك إذا أرسل [ والألوك : الرسالة ] سميت بذلك ، لأنها تولك في الفم ، يقال : الفرس يألك اللجام ويعلكه ، ألكنى إليها : أرسلني إليها ، والملك : أفضل الحيوان ، وأعقل الخلق ، لا يأكل ، ولا يشرب ولا ينكح ، ولا ينسل ، وهو رسول لا يعصي الله -تعالى- في قليل ولا كثير ، له جسم لطيف لا يرى إلا إذا قوى الله -تعالى- أبصارنا . { جاعل } خالق ، أو فاعل . { في الأرض } قيل إنها مكة . { خليفة } الخليفة من قام مقام غيره ، خليفة : يخلفني في الحكم بين الخلق ، هو آدم صلى الله عليه وسلم ومن قام مقامه من ذريته ، أو بنو آدم يخلفون آدم ، ويخلف بعضهم بعضاً في العمل بالحق ، وعمارة الأرض ، أو آدم وذريته خلفاء من الذين كانوا فيها فأفسدوا ، وسفكوا الدماء . { أتجعل } استفهام لم يجبهم عنه ، أو إيجاب قالوه ظناً لما رأوا الجن قد أفسدوا في الأرض ألحقوا الإنس بهم في ذلك ، أو قالوه عن إخبار الله تعالى لهم بذلك ، فذكروا ذلك استعظاماً لفعلهم مع إنعامه عليهم ، أو قالوه تعجباً من استخلاقه لهم مع إفسادهم . { ويسفك } السفك : صب الدم خاصة ، والسفح : مثله إلا أنه يستعمل في كل مائع على وجه التضييع ولذلك قيل للزنا سفاح . { نسح } التسبيح : التنزيه من السوء على وجه التعظيم ، فلا يسبح غير الله -تعالى- ، لأنه قد صار مستعملاً في أعلى مراتب التعظيم التي لا يستحقها سواه ، نسبح لك نصلي لك ، أو نعظمك ، أو التسبيح المعروف ، أو هو رفع الصوت بالذكر . { ونقدس لك } التقديس : التطهير ، الأرض المقدسة : المطهرة . نقدس : نصلي لك ، أو نطهرك من الأدناس ، أو التقديس المعروف . { ما لا تعلمون } ما أضمره إبليس من المعصية ، أو من ذرية آدم صلى الله عليه وسلم من الأنبياء المصلحين ، أو ما اختص بعلمه من تدبير المصالح .