التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ ٱتَّقِ ٱللَّهَ وَلَا تُطِعِ ٱلۡكَٰفِرِينَ وَٱلۡمُنَٰفِقِينَۚ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمٗا} (1)

مقدمة السورة:

تفسير سورة الأحزاب

مقدمة

1- سورة الأحزاب هي السورة الثالثة والثلاثون في ترتيب المصحف وهي من السور المدنية ، وكان نزولها بعد سورة آل عمران ، أي : أنها من أوائل السور المدنية ، إذ لم يسبقها في النزول بعد الهجرة سوى سور : البقرة والأنفال وآل عمران .

ويبدو : أن نزولها كان في الفترة التي أعقبت غزوة بدر ، إلى ما قبل صلح الحديبية . وعدد آياتها ثلاث وسبعون آية .

2- وقد افتتحت سورة الأحزاب بنداء من الله –تعالى- لنبيه صلى الله عليه وسلم ، نهته فيه عن طاعة المنافقين والكافرين ، وأمرته بالمداومة على طاعة الله –تعالى- وحده ، وباتباع أمره ، وبالتوكل عليه –سبحانه- .

قال –تعالى- : [ يأيها النبي اتق الله ولا تطع الكافرين والمنافقين إن الله كان عليما حكيما . واتبع ما يوحى إليك من ربك إن الله كان بما تعملون خبيرا* وتوكل على الله وكفى بالله وكيلا ] .

3- ثم انتقلت السورة الكريمة إلى بيان حكم الله –تعالى- في بعض التقاليد والأوضاع الاجتماعية التي كانت سائدة في المجتمع في ذلك الوقت ، فأبطلت التبني ، كما أبطلت ما كان سائدا في المجتمع من عادة الظهار ، وهو أن يقول الرجل لزوجته : أنت علي كظهر أمي ، فتصير محرمة عليه حرمة مؤبدة .

قال –تعالى- : [ ما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه ، وما جعل أزواجكم اللائي تظاهرون منهن أمهاتكم ، وما جعل أدعياءكم أبناءكم ، ذلكم قولكم بأفواهكم ، والله يقول الحق ، وهو يهدي السبيل . ادعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله ] .

4- ثم بين –سبحانه- بعد ذلك بعض الأحكام التشريعية الأخرى ، كوجوب طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم طاعة تفوق طاعتهم لأنفسهم ، ولوجوب تعظيم المسلمين لزوجاته صلى الله عليه وسلم كتعظيم أمهاتهم ، وكوجوب التوارث بين الأقارب بالطريقة التي بينها سبحانه – في آيات أخرى ، وإبطال التوارث عن طريق المؤاخاة التي تمت بعد الهجرة بين المهاجرين والأنصار .

قال –تعالى- : [ النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم ، وأزواجه أمهاتهم ، وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله من المؤمنين والمهاجرين ، إلا أن تفعلوا إلى أوليائكم معروفا ، كان ذلك في الكتاب مسطورا ] .

5- ثم وجه –سبحانه- نداء إلى المؤمنين ، ذكرهم فيه بجانب من نعمه عليهم ، حيث دفع عنهم جيوش الأحزاب ، وأرسل على تلك الجيوش جنودا من عنده لم يروها ، وكشف عن رذائل المنافقين التي ارتكبوها في تلك الغزوة ، ومدح المؤمنين الصادقين على وفائهم بعهودهم وكافأهم على ذلك بأن أورثهم أرض أعدائهم وديارهم .

قال –تعالى- : [ ورد الله الذين كفروا بغيظهم لم ينالوا خيرا ، وكفى الله المؤمنين القتال . وكان الله قويا عزيزا . وأنزل الذين ظاهروهم من أهل الكتاب من صياصيهم . وقذف في قلوبهم الرعب ، فريقا تقتلون وتأسرون فريقا . وأورثكم أرضهم وديارهم وأموالهم وأرضا لم تطؤوها وكان الله على كل شيء قديرا ] .

وبعد هذا الحديث المفصل عن غزوة الأحزاب ، والذي استغرق ما يقرب من عشرين آية ، انتقلت السورة الكريمة إلى الحديث عن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم فأمرت النبي صلى الله عليه وسلم أن يخيرهن بين التسريح بإحسان ، وبين الصبر على شظف العيش ، ليظفرن برضا الله –تعالى- كما وجهت نداء إليهن أمرتهن فيه ، بالتزام الآداب الدينية التي تليق بهن . لأنهن في مكان القدوة لسائر النساء .

كما أمرتهن بالبقاء في بيوتهن ، فلا يخرجن لغير حاجة مشروعة . ومثلهن في ذلك مثل سائر نساء المسلمين . حتى يتفرغن لرعاية شئون بيوتهن التي هي من خصائصهن وليست من خصائص الرجال .

ثم ختم –سبحانه- تلك التوجيهات الحكيمة ببيان الثواب الجزيل الذي أعده للمؤمنين والمؤمنات ، فقال –تعالى- : [ إن المسلمين والمسلمات . والمؤمنين والمؤمنات . والقانتين والقانتات والصادقين والصادقات . والصابرين والصابرات والخاشعين والخاشعات . والمتصدقين والمتصدقات والصائمين والصائمات والحافظين والحافظات . والذاكرين الله كثيرا والذاكرات . أعد الله لهم مغفرة وأجرا عظيماً ] .

1- ثم أشارت السورة بعد ذلك إلى قصة زواج النبي صلى الله عليه وسلم بالسيدة زينب بنت جحش . وإلى الحكمة من ذلك . وإلى تطليق زيد بن حارثة لها . وإلى أن ما فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم بالنسبة لهذه الحادثة . كان بأمر الله –تعالى- وإذنه .

قال –تعالى- : [ ما كان على النبي من حرج فيما فرض الله له ، سنة الله في الذين خلوا من قبل . وكان أمر الله قدرا مقدورا* الذين يبلغون رسالات الله ويخشونه ولا يخشون أحدا إلا الله وكفى بالله حسيبا . ما كان محمد أبا أحد من رجالكم ، ولكن رسول الله وخاتم النبيين ، وكان الله بكل شيء عليما ] .

ثم وجهت السورة الكريمة نداء إلى المؤمنين أمرتهم فيه بالإكثار من ذكر الله –تعالى- ومن تسبيحه وتنزيهه . كما وجهت نداء إلى النبي صلى الله عليه وسلم بينت له فيه وظيفته ، قال –تعالى- : [ يأيها الذين آمنوا اذكروا الله ذكرا كثيرا . وسبحوه بكرة وأصيلا . هو الذي يصلي عليكم وملائكته ليخرجكم من الظلمات إلى النور وكان بالمؤمنين رحيما . تحيتهم يوم يلقونه سلام ، وأعد لهم أجرا كريما ، يأيها النبي إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا . وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا . وبشر المؤمنين بأن لهم من الله فضلا كبيرا ] .

2- ثم تحدثت السورة بعد ذلك بشيء من التفصيل عن بعض الأحكام التي تتعلق بأزواج النبي صلى الله عليه وسلم وبعلاقته صلى الله عليه وسلم بهن من حيث القسم وغيره ، ومن حيث الزواج بغيرهن .

كما تحدثت عن الآداب التي يجب على المؤمنين أن يلتزموها عند دخولهم بيوت النبي صلى الله عليه وسلم بدعوة منه . لأجل تناول طعام ، أو لأجل أمر من الأمور الأخرى التي تتعلق بدينهم أو دنياهم .

ثم ختمت هذه الآيات بقوله –تعالى- [ يأيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن ، ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين وكان الله غفورا رحيما ] .

3- وبعد هذا البيان المفصل لكثير من الأحكام والآداب ، أخذت السورة الكريمة في أواخرها ، في تهديد المنافقين الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا ، وفي بيان أن سنن الله في خلقه لا تتخلف ، وأن علم وقت قيام الساعة إلى الله –تعالى- وحده ، وأن الإصرار على الكفر يؤدي إلى سوء العاقبة ، وأن السير على طريق الحق . يؤدي إلى مغفرة الذنوب . وأن الإنسان قد ارتضى حمل الأمانة . التي عجزت عن حملها السموات والأرض والجبال .

قال –تعالى- : [ إنا عرضنا الأمانة على السموات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان إنه كان ظلوماً جهولا . ليعذب الله المنافقين والمنافقات ، والمشركين والمشركات ، ويتوب الله على المؤمنين والمؤمنات ، وكان الله غفورا رحيما ] .

4- ومن هذا العرض المجمل لآيات سورة الأحزاب ، نرى أنها قد اهتمت بموضوعات من أبرزها ما يلي :

( أ‌ ) كثرة التوجيهات والإرشادات ، من الله –تعالى- لنبيه صلى الله عليه وسلم إلى أفضل الأحكام ، وأقوم الآداب ، وأهدى السبل .

وهذه التوجيهات والإرشادات . نراها في كثير من آيات سورة الأحزاب لاسيما التي نادت الرسول صلى الله عليه وسلم بوصف النبوة .

ومن ذلك قوله –تعالى- : [ يأيها النبي اتق الله ولا تطع الكافرين والمنافقين ] .

وقوله –سبحانه- [ يأيها النبي قل لأزواجك إن كنتن تردن الحياة الدنيا وزينتها ] .

وقوله –عز وجل- : [ يأيها النبي إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا ] .

وقوله –تعالى- : [ يأيها النبي إنا أحللنا لك أزواجك اللاتي آتيت أجورهن ] .

وقوله –سبحانه- : [ يأيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن .

( ب‌ ) أمر المؤمنين بطاعة الله –تعالى- ، وبطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم ، ونهيهم عن كل ما من شأنه أن يتعارض مع تشريعات الإسلام ومع آدابه .

وهذه الأوامر والنواهي ، نراها في كثير من آيات هذه السورة الكريمة .

ومن ذلك قوله –تعالى- : [ يأيها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم ، إذ جاءتكم جنود فأرسلنا عليهم ريحا وجنودا لم تروها ] .

وقوله –سبحانه- : [ يأيها الذين آمنوا إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن من قبل أن تمسوهن ، فما لكم عليهن من عدة تعتدونها . . . ] .

وقوله –تعالى- : [ يأيها الذين آمنوا لا تكونوا كالذين آذوا موسى ، فبرأه الله مما قالوا ] .

وقوله –سبحانه- : [ يأيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا ] .

( ج ) هذه السورة الكريمة تعتبر على رأس السور القرآنية التي اهتمت ببيان فضل نساء النبي صلى الله عليه وسلم وحقوقهن ، وواجباتهن وخصائصهن .

ومن الآيات التي وردت في هذا المعنى قوله –تعالى- : [ يا نساء النبي من يأت منكن بفاحشة مبينة يضاعف لها العذاب ضعفين . . . ] .

وقوله –سبحانه- : [ يا نساء النبي لستن كأحد من النساء إن اتقيتن ، فلا تخضعن بالقول . . . ] .

وقوله –تعالى- : [ وقرن في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى ، وأقمن الصلاة ، وآتين الزكاة وأطعمن الله ورسوله . . . ] .

وقوله –سبحانه- : [ لا يحل لك النساء من بعد ولا أن تبدل بهن من أزواج ، ولو أعجبك حسنهن إلا ما ملكت يمينك . . . ] .

وقوله –تعالى- : [ . . . وما كان لكم أن تؤذوا رسول الله ولا أن تنكحوا أزواجه من بعده أبدا . . . ] .

وقوله –عز وجل- : [ النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه أمهاتهم . . . ] .

( د ) هذه السورة تعتبر من أجمع السور القرآنية التي تعرضت لكثير من الأحكام الشرعية ، والآداب الاجتماعية ، التي لا تتغير بتغير الزمان أو المكان .

ومن ذلك حديثها عن الظهار ، وعن النبي . وعن التوارث بين الأقارب دو غيرهم ، وعن وجوب تقديم طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم على طاعة الإنسان لنفسه ، وعن وجوب التأسي به ، وعن وجوب الابتعاد عن كل ما يؤذيه أو يجرح شعوره ، وعن وجوب الخضوع لحكم الله –تعالى- ولحكم رسوله صلى الله عليه وسلم .

قال –تعالى- : [ وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ، ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالا مبينا ] .

( ه ) السورة الكريمة فصلت الحديث عن غزوة الأحزاب ، التي وقعت في السنة الخامسة من الهجرة بين المسلمين وأعدائهم .

فبدأت حديثها عن تلك الغزوة بتذكير المؤمنين بفضل الله –تعالى- عليهم في هذه الغزوة ، ثم صورت أحوالهم عند إحاطة جيوش الأحزاب بالمدينة المنورة .

قال –تعالى- : [ يأيها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم ، إذ جاءتكم جنود فأرسلنا عليهم ريحا وجنودا لم تروها ، وكان الله بما تعملون بصيرا . إذ جاءوكم من فوقكم ومن أسفل منكم ، وإذ زاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر ، وتظنون بالله الظنونا ] .

ثم حكت أقوال المنافقين القبيحة ، وأفعالهم الذميمة ، وردت عليهم بما يفضحهم ، وبما يكشف عن سوء أخلاقهم .

قال –تعالى- : [ أشحة عليكم فإذا جاء الخوف رأيتهم ينظرون إليك تدور أعينهم كالذي يغشى عليه من الموت ، فإذا ذهب الخوف سلقوكم بألسنة حداد أشحة على الخير أولئك لم يؤمنوا فأحبط الله أعمالهم ، وكان ذلك على الله يسيرا ] .

ثم مدحت المؤمنين الصادقين لوفائهم بعهودهم ، ولشجاعتهم في مواجهة أعدائهم .

قال –سبحانه- : [ ولما رأى المؤمنون الأحزاب قالوا : هذا ما وعدنا الله ورسوله ، وصدق الله ورسوله ، وما زادهم إلا إيمانا وتسليما . من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ، ومنهم من ينتظر ، وما بدلوا تبديلا ] .

وكما بدأت السورة حديثها عن غزوة الأحزاب بتذكير المؤمنين بنعم الله عليهم –ختتمته- أيضا – بهذا التذكير ، لكي يزدادوا شكرا له –عز وجل- .

قال –تعالى- : [ ورد الله الذين كفروا بغيظهم لم ينالوا خيرا ، وكفى الله المؤمنين القتال ، وكان الله قويا عزيزا . وأنزل الذين ظاهروهم من أهل الكتاب من صياصيهم ، وقذف في قلوبهم الرعب ، فريقا تقتلون وتأسرون فريقا . وأورثكم أرضهم وديارهم وأموالهم وأرضا لهم تطؤوها . وكان الله على كل شيء قديرا ] .

( و ) والخلاصة أن المتأمل في سورة الأحزاب ، يراها زاخرة بالأحكام الشرعية ، والآداب الاجتماعية ، وبالتوجيهات الربانية ، تارة من الله –تعالى- لرسوله صلى الله عليه وسلم وتارة لأزواجه صلى الله عليه وسلم ، وتارة للمؤمنين .

كما يراها تهتم اهتماما واضحا بتنظيم المجتمع الإسلامي تنظيما حكيما ، من شأنه أن يأخذ بيد المتبعين له إلى السعادة الدنيوية والأخروية .

وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .

افتتحت سورة الأحزاب بهذا النداء لسيد الخلق صلى الله عليه وسلم وبهذا الوصف الكريم ، وهو الوصف بالنبوة ، على سبيل التشريف والتعظيم .

قال صاحب الكشاف : جعل - سبحانه - نداءه بالنبى والرسول فى قوله : { ياأيها النبي } . { ياأيها الرسول } وترك نداءه باسمه ، كما قال : يا آدم ، يا موسى ، يا عيسى ، يا داودك كرامة له وتشريفا ، وتنويها بفضله .

فإن قلت : إن لم يوقع فى النداء . فقد أوقعه فى الإِخبار ، فى قوله : { مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ الله } قلت : ذلك لتعليم الناس بأنه رسول ، وتلقين لهم أن يسموه بذلك ويدعوه به .

والمراد بأمره بتقوى الله : المداومة على ذلك ، والازدياد من هذه التقوى .

أى : واظب - أيها النبى الكريم - على تقوى الله ، وعلى مراقبته ، وعلى الخوف منه ، وأكثر من ذلك ، فإن تقوى الله ، على رأس الفضائل التى يحبها - سبحانه - .

قال ابن كثير : هذا تنبيه بالأعلى على الأدنى ، فإنه - تعالى - إذا كان يأمر عبده ورسوله بهذا ، فلأن يأتمر من دونه بذلك بطريق الأولى والأحرى .

وقد قال خلف بن حبيب : التقوى أن تعمل بطاعة الله ، على نور من الله ، ترجوا ثواب الله .

وبعد الأمر بالتقوى ، جاء النهى عن طاعة غير المؤمنين ، فقال - تعالى - : { وَلاَ تُطِعِ الكافرين والمنافقين } . أى : واظب - أيها النبى الكريم - على تقوى الله ، واجتنب طاعة الكافرين الذين جحدوا نعم الله عليهم ، وعبدوا معه آلهة أخرى ، واجتنب كذلك طاعة المنافقين الذين يظهرون الإِسلام ويخفون الكفر .

وفى إيراد هذا النهى بعد الأمر بتقوى الله ، إشارة وإيحاء إلى ما كان يبذله هؤلاء الكافرون والمنافقون من جهود عنيفة ، لزحزحة النبى صلى الله عليه وسلم عما هو عليه من حق ، ولصرفه عن دعوتهم إلى الإِسلام .

وقد ذكروا فى سبب نزول هذه الآية روايات منها : أن جماعة من أهل مكة ، طلبوا من النبى صلى الله عليه وسلم أن يرجع عن قوله ، وأن يعطوه شطر أموالهم ، وأن المنافقين واليهود بالمدينة هدوده بالقتل إن لم يرجع عن دعوتهم إلى الإِسلام ، فنزلت .

وقوله - تعالى - { إِنَّ الله كَانَ عَلِيماً حَكِيماً } : تعليل الأمر والنهى ، أى : اتبع ما أمرناك به ، ومنا نهيناك عنه ، لأن الله - تعالى - عليم بكل شئ ، وحكيم فى كل أقواله وأفعاله .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ ٱتَّقِ ٱللَّهَ وَلَا تُطِعِ ٱلۡكَٰفِرِينَ وَٱلۡمُنَٰفِقِينَۚ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمٗا} (1)

بسم الله الرحمَن الرحيم

القول في تأويل قوله تعالى : { يَا أَيّهَا النّبِيّ اتّقِ اللّهَ وَلاَ تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ إِنّ اللّهَ كَانَ عَلِيماً حَكِيماً * وَاتّبِعْ مَا يُوحَىَ إِلَيْكَ مِن رَبّكَ إِنّ اللّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً } .

يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : يا أيّها النّبِيّ اتّق اللّهَ بطاعته ، وأداء فرائضه ، وواجب حقوقه عليك ، والانتهاء عن محارمه ، وانتهاك حدوده وَلا تُطِع الكافِرِينَ الذين يقولون لك : اطرد عنك أتباعك من ضعفاء المؤمنين بك حتى نجالسك وَالمُنافِقِينَ الذين يظهرون لك الإيمان بالله والنصيحة لك ، وهم لا يألونك وأصحابك ودينك خبالاً ، فلا تقبل منهم رأيا ، ولا تستشرهم مستنصحا بهم ، فإنهم لك أعداء إنّ اللّهَ كانَ عَلِيما حَكِيما يقول : إن الله ذو علم بما تضمره نفوسهم ، وما الذي يقصدون في إظهارهم لك النصيحة ، مع الذي ينطوون لك عليه ، حكيم في تدبير أمرك وأمر أصحابك ودينك ، وغير ذلك من تدبير جميع خلقه .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ ٱتَّقِ ٱللَّهَ وَلَا تُطِعِ ٱلۡكَٰفِرِينَ وَٱلۡمُنَٰفِقِينَۚ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمٗا} (1)

مقدمة السورة:

سورة الأحزاب

وآياتها ثلاث وسبعون

هذه السورة مدنية بإجماع فيما علمت ، وكذلك قال المهداوي وغيره{[1]}

قوله : { اتق } معناه : دم على التقوى ، ومتى أمر أحد بشيء هو به متلبس فإنما معناه الدوام في المستقبل على مثل الحالة الماضية ، وحذره تعالى من طاعة الكافرين وهم الُمَجِّلحون بالكفر ، {[9443]} والمنافقون ، وهم المظهرون للإيمان وهم لا يبطنونه ، وسبب الآية أنهم كانوا يتسخبون على رسول الله صلى الله عليه وسلم بالطلبات والإرادات ربما كان في إرادتهم سعي على الشرع وهم يدخلونها مدخل النصائح ، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم بخلقه العظيم وحرصه على استئلافهم ربما لاَيَنُهم{[9444]} في بعض الأمور ، فنزلت الآية بسبب ذلك تحذيراً له منهم وتنبيهاً على عداوتهم والنوازل في طلباتهم كثيرة محفوظة ، وقوله { إن الله كان عليماً حكيماً } تسلية لمحمد صلى الله عليه وسلم ، أي لا عليك منهم ولا من إيمانهم فالله عليم بما ينبغي لك حكيم في هدي من شاء وإضلال من شاء .


[1]:- أي فيمن نزلت، أفي المؤمنين جميعا أم في مؤمني أهل الكتاب؟
[9443]:جلح في الأمر: ركب رأسه فيه وأقدم ومضى.
[9444]:في بعض النسخ: ربما لا يتهمهم.