تفسير مقاتل بن سليمان - مقاتل  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ ٱتَّقِ ٱللَّهَ وَلَا تُطِعِ ٱلۡكَٰفِرِينَ وَٱلۡمُنَٰفِقِينَۚ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمٗا} (1)

مقدمة السورة:

سورة الأحزاب

مدنية عدد آياتها ثلاث وسبعون آية كوفية

بسم الله الرحمن الرحيم

{ يا أيها النبي اتق الله ولا تطع الكافرين والمنافقين } وذلك أن عبد الله بن أبي ، وعبد الله بن سعيد بن أبي سرح ، وطعمة بن أبيرق ، وهم المنافقون كتبوا مع غلام لطعمة إلى مشركي مكة من قريش إلى أبي سفيان بن حرب ، وعكرمة بن أبي جهل ، وأبي الأعور رأس الأحزاب أن أقدموا علينا فسنكون لكم أعوانا فيما تريدون ، وإن شئتم مكرنا بمحمد صلى الله عليه وسلم حتى يتبع دينكم الذي أنتم عليه ، فكتبوا إليهم : إنا لن نأتيكم حتى تأخذوا العهد والميثاق من محمد ، فإنا نخشى أن يغدر بنا ، ثم نأتيكم فنقول وتقولون ، لعله يتبع ديننا فلما جاءهم الكتاب ، انطلق هؤلاء المنافقون حتى أتوا النبي صلى الله عليه وسلم ، فقالوا : أتيناك في أمر أبي سفيان بن حرب ، وأبي الأعور ، وعكرمة بن أبي جهل ، أن تعطيهم العهد والميثاق على دمائهم وأموالهم ، فيأتون وتكلمهم لعل إلهك يهد قلوبهم ، فلما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك وكان حريصا على أن يؤمنوا أعطاهم الأمان من نفسه فكتب المنافقون إلى الكافرين من قريش أنا قد استمكنا من محمد صلى الله عليه وسلم ، ولقد أعطانا وإياكم الذي تريدون ، فأقبلوا على اسم اللات والعزى لعلنا نزيله إلى ما نهواه ، ففرحوا بذلك .

ثم ركب كل رجل منهم راحلة حتى أتوا المدينة ، فلما دخلوا على عبد الله بن أبي ، أنزلهم وأكرمهم ورحب بهم ، وقال : أنا عند الذي يسركم محمد أذن ، ولو قد سمع كلامنا وكلامكم لعله لا يعصينا فيما نأمره ، فأبشروا واستعينوا آلهتكم عليه ، فإنها نعم العون لنا ولكم ، فلما رأوا ذلك منه قالوا : أرسل إلى أخواننا ، فأرسل عبد الله بن أبي إلى طعمة وسعد أن إخواننا من أهل مكة قدموا علينا ، فلما أتاهم الرسول جاءوا فرحبوا بهم ولزم بعضهم بعضا من الفرح وهم قيام ، ثم جلسوا يرون أن يستنزلوا محمدا صلى الله عليه وسلم عن دينه .

فقال عبد الله بن أبي : أما أنا فأقول له ما تسمعون لا أعدوا ذلك ولا أزيد ، أقول : إنا معشر الأنصار لم نزل وإلهنا محمود بخير ، ونحن اليوم أفضل منذ أرسل إلينا محمد ، ونحن كل يوم منه في مزيد ، ونحن نرجو بعد اليوم من إله محمد كل خير ، ولكن لو شاء محمد قبل أمرا كان يكون ما عاش لنا وله ذكر في الأولين الذين مضوا ، ويذهب ذكره في الآخرين على أن يقول : إن اللات والعزى لهما شفاعة يوم القيامة ، ولهما ذكر ومنفعة على طاعتهما ، هذا قولي له .

قال أبو سفيان : نخشى علينا وعليكم الغدر والقتل ، فإن محمدا زعموا أنه لن يبقى بها أحدا منا في شدة بغضه إيانا ، وإنا نخشى أن يكون يضمر لنا في نفسه ما كان لقي أصحابه يوم أحد . قال عبد الله بن أبي : إنه إذا أعطى الأمان فإنه لن يغدر ، هو أكرم من ذلك ، وأوفى بالعهد منا ، فلما أصبحوا أتوه فسلموا عليه ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم :"مرحبا بأبي سفيان اللهم اهد قلبه" ، فقال أبو سفيان : اللهم يسر الذي هو خير ، فجلسوا فتكلموا وعبد الله بن أبي ، فقالوا للنبي صلى الله عليه وسلم : ارفض ذكر اللات والعزة ومناة ، حجر يعبد بأرض هذيل ، وقل : إن لهما شفاعة ومنفعة في الآخرة لمن عبدهما ، فنظر إليه النبي صلى الله عليه وسلم وشق عليه قولهم ، فقال عمر بن الخطاب ، رضوان الله عليه : ائذن لي يا رسول الله في قتلهم ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم :" إني قد أعطيتهم العهد والميثاق" ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم :" لو شعرت أنكم تأتون هذا من الحديث لما أعطيتهم الأمان" . فقال أبو سفيان : ما بأس بهذا أن قوما استأنسوا إليك يا محمد ورجوا منك أمرا ، فأما إذا قطعت رجاءهم ، فإنه لا ينبغي أن تؤذيهم ، وعليك باللين والتؤدة لإخوانك وأصحابك ، فإن هذا من قوم أكرموك ونصروك وأعانوك ولولاهم لكنت مطلوبا مقتولا ، وكنت في الأرض خائفا لا يقبلك أحد ، فزجرهم عمر بن الخطاب ، رضي الله عنه ، فقال : اخرجوا في لعنة الله وغضبه فعليكم رجس الله وغضبه وعذابه ما أكثر شركم ، وأقل خيركم وأبعدكم من الخير ، وأقربكم من الشر ، فخرجوا من عنده ، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يخرجهم من المدينة ، فقال بعضهم لبعض : لا نخرج حتى يعطينا العهد إلى أن نرجع إلى بلادنا ، فأعطاهم النبي صلى الله عليه وسلم ذلك ، فنزلت فيهم { يا أيها النبي اتق الله ولا تطع الكافرين } يعني تبارك وتعالى أبا سفيان ، وعكرمة ، وأبا الأعور ، اسمه عمرو بن سفيان ، ثم قال : { والمنافقين } يعني عبد الله بن أبي ، وعبد الله بن سعد بن أبي سرح ، وطعمة بن أبيرق ، { إن الله كان عليما حكيما } .

فلما خرجوا من عنده قال النبي صلى الله عليه وسلم : ما لهؤلاء ؟ عليهم لعنة الله والملائكة والناس أجمعين