التفسير الشامل لأمير عبد العزيز - أمير عبد العزيز  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ ٱتَّقِ ٱللَّهَ وَلَا تُطِعِ ٱلۡكَٰفِرِينَ وَٱلۡمُنَٰفِقِينَۚ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمٗا} (1)

مقدمة السورة:

بيان إجمالي للسورة

هذه السورة مدنية كلها . وقد كانت تعدل سورة البقرة ؛ إذ كان فيها قرآن ثم نسخ لفظه وحكمه ، أو نسخ لفظه دون حكمه ، كآية الرجم " الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة نكالا من الله والله عزيز حكيم " وقد استدل العلماء بذلك على أن الله تعالى رفع من سورة الأحزاب ما يزيد عل ما في أيدينا .

وقد روي عن عائشة قالت : كانت سورة الأحزاب تعدل على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم مائتي مرة . فلما كتب المصحف لم يقدر منها إلا على ما هي الآن . على أن سورة الأحزاب حافلة بالأحكام والمواعظ والعبر وغير ذلك من ألوان التذكير والتنبيه والتحذير والتنديد والوعيد . ويحتل الحديث عن المنافقين شطرا كبيرا من السورة . فقد آذى المنافقون رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانوا يلمزون المسلمين في سلوكهم وأخلاقهم فشدد الله عليهم النكير وتوعدهم ببالغ عذابه في الدنيا والآخرة .

وفي السورة تنديد بالظهار والذين يظاهرون من نسائهم . وخصلة الظهار ابتدعها الجاهليون نكاية بالمرأة وعدوانا عليها ، فمن تلبَّس بذلك فقد احتمل زورا وعليه بذلك التوبة والكفارة .

وفي السورة ترسيخ لأحقية أولي الأرحام بالصلة والبر والعطاء . وفيها بيان بحال المسلمين في غزوة الأحزاب وقد أحاط بهم المشركون بعد أن اجتمعوا عليهم من كل مكان ، فضلا عن ممالأة أهل الكتاب للمشركين ، ونقضهم العهد مع المسلمين . إلى غير ذلك من مختلف المعاني والأحكام .

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

قوله تعالى : { يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ وَلاَ تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا ( 1 ) وَاتَّبِعْ مَا يُوحَى إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا ( 2 ) وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلاً }

يأمر الله نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم بتقواه وهو الخوف من جلاله العظيم وما يقتضيه ذلك من طاعة الله والتزام شرعه وأوامره ومجانبة نواهيه . وقد نهاه الله أيضا عن طاعة الكافرين والمنافقين وحذره خداعهم ومكرهم ، وما يبتغونه له من تخذيل وتثبيط ومداهنة . وقد ذكر أن هذه الآيات نزلت في أبي سفيان بن حرب ، وعكرمة بن أبي جهل ، وأبي الأعور عمرو بن سفيان ، إذ نزلوا المدينة على عبد الله بن أُبيّ ابن سلول رأس المنافقين بعد أحد وقد أعطاهم النبي صلى الله عليه وسلم الأمان على أن يكلموه فقام معهم عبد الله بن سعد بن أبي سرح وطعمة بن أبيرق ، فقالوا للنبي صلى الله عليه وسلم وعنده عمر بن الخطاب : ارفض ذكر آلهتنا اللات والعُزّى ومناة ، وقل إن لها شفاعة ومنعة لمن عبدها وندعك وربك ، فشق على النبي صلى الله عليه وسلم ما قالوا : فقال عمر : يا رسول الله ائذن لي في قتلهم . فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " إني قد أعطيتهم الأمان " . فقال عمر : اخرجوا في لعنة الله وغضبه . فأمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يخرجوا من المدينة فنزلت الآية{[3687]} .

قوله : { إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا } إن الله لذو علم بما تكنه صدور هؤلاء الماكرين المخادعين ، وهو يعلم كذلك ما يبتغونه لك من إظهار النصيحة . وهو كذلك حكيم في تدبيره أمرك وأمر عبادك جميعا ، فاحذر هؤلاء المكذبين أن يفتنوك عن دين الله فتطريَ أصنامهم وآلهتهم المصطنعة ، وتطرد المؤمنين الضعفاء من عندك طمعا في مجالستهم لك .


[3687]:أسباب النزول للنيسابوري ص 236.