اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{فَإِذَا جَآءَتِ ٱلصَّآخَّةُ} (33)

قوله تعالى : { فَإِذَا جَآءَتِ الصآخة } : وهي الصَّيحةُ التي تصخُّ الآذان ، أي : تصمها لشدة وقعتها .

وقيل : هي مأخوذة من صَخّهُ بالحجر أي : صَكَّهُ به .

وقال الزمخشري{[59401]} : «صخَّ لحديثه مثل أصاخ له ، فوصفت النفخة بالصاخَّة مجازاً ؛ لأن النَّاس يصخُّون لها » .

وقال ابن العربي : الصاخَّة : التي تورث الصَّممَ ، وإنَّها لمسمعة ، وهذا من بديع الفصاحة ؛ كقول الشاعر : [ البسيط ]

5114- أصمَّنِي سِرُّهُمْ أيَّام فُرقتِهِمْ *** فَهل سَمِعتُمْ بِسرِّ يُورِثُ الصَّمَمَا{[59402]}

وقال آخر : [ الطويل ]

5115- أصَمَّ بِكَ النَّاعِي وإنْ كَانَ أسْمَعَا*** . . . {[59403]}

وجواب «إذا » محذوف ، يدل عليه قوله : «لكُلِّ امرئٍ مِنهُمْ يومئذٍ شأنٌ يُغنِيهِ » . والتقدير : فإذا جاءت الصاخة اشتغل كل أحد بنفسه .

فصل في تعلق الآية

لما ذكر أمر المعاش ذكر أمر المعاد ليتزودوا له بالأعمال الصالحة ، والإنفاق مما امتن به عليهم .

وقال ابنُ الخطيب{[59404]} : لمَّا ذكر تعالى هذه الأشياء ، وكان المقصود منها أمور ثلاثة :

أولها : الدلائل الدالة على التوحيد .

وثانيها : الدلائل الدالة على القدرة والمعاد .

وثالثها : أن هذا الإله الذي أحسن إلى عبيده بهذه الأنواع العظيمة من الإحسان ، لا يليق بالعاقل أن يتمرَّد عن طاعته ، وأن يتكبَّر على عبيده أتبع ذلك بما يكون كالمؤكِّد لهذه الأغراض ، وهو شرح [ أهوالِ الآخرةِ ]{[59405]} ، فإن الإنسان إذا سمعها خاف ، فيدعوه ذلك الخوف إلى التأمل في الدلائل ، والإيمان بها ، والإعراض عن الكفر ، ويدعوه أيضاً إلى ترك التكبُّر على الناس ، وإلى إظهار التواضع فقال تعالى : { فَإِذَا جَآءَتِ الصآخة } يعني : صيحة القيامةِ ، وهي النفخة الأخيرةُ ، تصخُّ الأسماع أي : تصمُّها ، فلا تسمع إلا ما يدعى به الأحياء .

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «مَا مِنْ دَابَّةٍ إلا وهِيَ مُصِيخَةٌ يوْمَ الجُمعَةِ شفقاً مِنَ السَّاعَةِ إلاَّ الجنِّ والإنسَ »{[59406]} .


[59401]:ينظر الكشاف 4/705.
[59402]:ينظر القرطبي 19/146، والبحر 8/421، والدر المصون 6/482.
[59403]:صدر البيت لأبي تمام الطائي وعجزه: *** وأصبح مغنى الحسود بعدك بلقعا *** بنظر ديوانه 361، والبحر 8/421، والقرطبي 19/146، والدر المصون 6/482.
[59404]:ينظر الفخر الرازي 31/58.
[59405]:في أ: أحوال القيامة.
[59406]:أخرجه أحمد (2/486)، وأبو داود (1046)، والترمذي (491)، والنسائي (3/113 -115)، والحاكم (1/278 -279)، وابن خزيمة (3/120)، رقم (1738)، وابن حبان (1024 – موارد)، والبيهقي (3/250- 251)، من حديث أبي هريرة وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح.