مفاتيح الغيب للرازي - الفخر الرازي  
{وَقَرۡنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجۡنَ تَبَرُّجَ ٱلۡجَٰهِلِيَّةِ ٱلۡأُولَىٰۖ وَأَقِمۡنَ ٱلصَّلَوٰةَ وَءَاتِينَ ٱلزَّكَوٰةَ وَأَطِعۡنَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥٓۚ إِنَّمَا يُرِيدُ ٱللَّهُ لِيُذۡهِبَ عَنكُمُ ٱلرِّجۡسَ أَهۡلَ ٱلۡبَيۡتِ وَيُطَهِّرَكُمۡ تَطۡهِيرٗا} (33)

قوله تعالى : { وقرن في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى وأقمن الصلاة وآتين الزكاة وأطعن الله ورسوله }

قوله تعالى : { وقرن في بيوتكن } من القرار وإسقاط أحد حرفي التضعيف كما قال تعالى : { فظلتم تفكهون } وقيل بأنه من الوقار كما يقال وعد يعد عد وقوله : { ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى } قيل معناه لا تتكسرن ولا تتغنجن ، ويحتمل أن يكون المراد لا تظهرن زينتكن وقوله تعالى : { الجاهلية الأولى } فيه وجهان أحدهما : أن المراد من كان في زمن نوح والجاهلية الأخرى من كان بعده وثانيهما : أن هذه ليست أولى تقتضي أخرى بل معناه تبرج الجاهلية القديمة كقول القائل : أين الأكاسرة الجبابرة الأولى .

ثم قال تعالى : { وأقمن الصلاة وآتين الزكاة وأطعن الله ورسوله } يعني ليس التكليف في النهي فقط حتى يحصل بقوله تعالى : { لا تخضعن ولا تبرجن } بل فيه وفي الأوامر { فأقمن الصلاة } التي هي ترك التشبه بالجبار المتكبر { وآتين الزكاة } التي هي تشبه بالكريم الرحيم { وأطعن الله } أي ليس التكليف منحصرا في المذكور بل كل ما أمر الله به فأتين به وكل ما نهى الله عنه فانتهين عنه .

ثم قال تعالى : { إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا } .

يعني ليس المنتفع بتكليفكن هو الله ولا تنفعن الله فيما تأتين به . وإنما نفعه لكن وأمره تعالى إياكن لمصلحتكن ، وقوله تعالى : { ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم } فيه لطيفة وهي أن الرجس قد يزول عينا ولا يطهر المحل فقوله تعالى : { ليذهب عنكم الرجس } أي يزيل عنكم الذنوب ويطهركم أي يلبسكم خلع الكرامة ، ثم إن الله تعالى ترك خطاب المؤنثات وخاطب بخطاب المذكرين بقوله : { ليذهب عنكم الرجس } ليدخل فيه نساء أهل بيته ورجالهم ، واختلفت الأقوال في أهل البيت ، والأولى أن يقال هم أولاده وأزواجه والحسن والحسين منهم وعلي منهم لأنه كان من أهل بيته بسبب معاشرته ببنت النبي عليه السلام وملازمته للنبي .