النكت و العيون للماوردي - الماوردي  
{وَقَرۡنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجۡنَ تَبَرُّجَ ٱلۡجَٰهِلِيَّةِ ٱلۡأُولَىٰۖ وَأَقِمۡنَ ٱلصَّلَوٰةَ وَءَاتِينَ ٱلزَّكَوٰةَ وَأَطِعۡنَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥٓۚ إِنَّمَا يُرِيدُ ٱللَّهُ لِيُذۡهِبَ عَنكُمُ ٱلرِّجۡسَ أَهۡلَ ٱلۡبَيۡتِ وَيُطَهِّرَكُمۡ تَطۡهِيرٗا} (33)

قوله عز وجل : { وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ } قرئت على وجهين :

أحدهما : بفتح القاف ، قرأه نافع وعاصم . وتأويلها اقررن في بيوتكن ؛ من القرار في المكان .

الثاني : بكسر القاف ؛ قرأها الباقون . وتأويلها كن أهل وقار وسكينة .

{ وَلاَ تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى } وفيه خمسة أوجه :

أحدها : أنه التبختر ، قاله ابن أبي نجيح .

الثاني : كانت لهن مشية تكسرٍ وتغنّج ، فنهاهن عن ذلك ؛ قاله قتادة ، ومنه ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " المَائِلاَتُ المُمِيلاَتُ : اللاَّتِي يَسْتَمِلْنَ قُلُوبَ الرِّجَالِ إلَيهِنَّ " .

الثالث : أنه كانت المرأة تمشي بين يدي الرجال ، فذلك هو التبرج ؛ قاله مجاهد .

الرابع : هو أن تلقي الخمار على رأسها ولا تشده ليواري قلائدها وعنقها وقرطها ، ويبدو ذلك كله منها ؛ فذلك هو التبرج . قاله مقاتل بن حيان .

الخامس : أن تبدي من محاسنها ما أوجب الله تعالى عليها ستره ؛ حكاه النقاش . وأصله من برج العين وهو السعة فيها .

وفي { الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى } أربعة أقاويل :

أحدها : ما بين عيسى ومحمد عليهما السلام ؛ قاله الشعبي وابن أبي نجيح .

الثاني : زمان إبراهيم ؛ قاله مقاتل والكلبي ، وكانت المرأة في ذلك الزمان تلبس درعاً مفرجاً ليس عليها غيره وتمشي في الطريق ، وكان زمان نمرود .

الثالث : أنه ما بين آدم ونوح عليهما السلام ثمانمائة سنة ، وكان نساؤهم أقبح ما تكون النساء ، ورجالهم حسان ، وكانت المرأة تريد الرجل على نفسها ، فهو تبرج الجاهلية الأولى ؛ قاله الحسن .

الرابع : أنه ما بين نوح وإدريس . روى عكرمة عن ابن عباس أن الجاهلية الأولى كانت ألف سنة . وفيه قولان :

أحدهما : أنه كانت المرأة في زمانها تجمع زوجاً وخلما ، والخلم الصاحب ، فتجعل لزوجها النصف الأسفل ولخلمها نصفها الأعلى ، ولذلك يقول بعض الخلوم :

فهل لك في البدال أبا خبيب *** فأرضى بالأكارع والعجُوز{[2217]}

الثاني : وهو مبدأ الفاحشة ، وهو أن بطنين من بني آدم كان أحدهما يسكن السهل ، والآخر يسكن الجبل ، وكان رجال الجبل صباحاً وفي النساء دمامة ، وأن إبليس اتخذ لهم عيداً فاختلط أهل السهل بأهل الجبل فظهرت الفاحشة فيهم ، فهو تبرج الجاهلية .

قوله عز وجل : { إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمْ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ } وفي الرجس ها هنا ستة أقاويل :

أحدها : الإثم ؛ قاله السدي .

الثاني : الشرك ، قاله الحسن .

الثالث : الشيطان ، قاله ابن زيد .

الرابع : المعاصي .

الخامس : الشك .

السادس : الأقذار .

وفي قوله تعالى { أَهْلَ الْبَيْتِ } - ثلاثة أقاويل :

أحدها : أنه عنى علياً وفاطمة والحسن والحسين رضي الله عنهم ؛ قاله أبو سعيد الخدري وأنس ابن مالك وعائشة وأم سلمة رضي الله عنهم .

الثاني : أنه عنى أزواج النبي صلى الله عليه وسلم خاصة ؛ قاله ابن عباس وعكرمة .

الثالث : أنها في الأهل والأزواج ؛ قاله الضحاك .

{ وَيُطَهّرَكُمْ تطْهِيراً } فيه ثلاثة أوجه :

أحدها : من الإثم ، قاله السدي .

الثاني : من السوء ؛ قاله قتادة .

الثالث : من الذنوب ، قاله الكلبي . ومعانيها متقاربة .

وفي تأويل هذه الآية لأصحاب الخواطر ثلاثة أوجه :

أحدها : يذهب عنكم رجس الأهواء والتبرج ويطهركم من دنس الدنيا والميل إليها .

الثاني : يذهب عنكم رجس الغل والحسد ، ويطهركم بالتوفيق والهداية .

الثالث : يذهب عنكم رجس البخل والطمع ويطهركم بالسخاء والإيثار . روى أبو ليلى الكندي عن أم سلمة أن هذه الآية نزلت على النبي صلى الله عليه وسلم وهو في بيتها على منام له ، عليه كساء خيبري .


[2217]:إشارة إلى أن هذا الخلم يعرض على زوجها البدل فيجعل له النصف الأسفل من المرأة.