الجواهر الحسان في تفسير القرآن للثعالبي - الثعالبي  
{وَقَرۡنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجۡنَ تَبَرُّجَ ٱلۡجَٰهِلِيَّةِ ٱلۡأُولَىٰۖ وَأَقِمۡنَ ٱلصَّلَوٰةَ وَءَاتِينَ ٱلزَّكَوٰةَ وَأَطِعۡنَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥٓۚ إِنَّمَا يُرِيدُ ٱللَّهُ لِيُذۡهِبَ عَنكُمُ ٱلرِّجۡسَ أَهۡلَ ٱلۡبَيۡتِ وَيُطَهِّرَكُمۡ تَطۡهِيرٗا} (33)

وقرأ الجمهور : «وقِرْن » بكسر القَافِ ، وقرأ نافعُ وعاصِمُ :«وقَرْن » [ الأحزاب : 33 ] . بالفتح ، فأما الأولى فيصح أن تكونَ من الوَقار ، ويصحُّ أن تَكُونَ من القَرَارِ ، وأما قراءة الفتح فعلى لغة العرب قَرِرْتُ بِكَسْرِ الرَّاءِ ، أَقِرَ بفتح القاف في المكان ، وهي لغة ذكرها أبو عبيد في «الغريب » المصنف وذكرها الزَّجاجُ وغيره ، فأمرَ اللّه تعالى في هذه الآية نسَاءَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم بملازَمةِ بيُوتِهن ، ونَهاهُنَّ عن التبرجِ ، والتبرّجُ إظهَارُ الزينَةِ والتَّصَنُّعُ بِهَا ، ومنه البروجُ لظهُورها وانكشافِها للعيون ، واخْتَلَفَ الناسُ في { الجاهلية الأولى } فقالَ الشعبي : ما بين عيسى ومحمد عليهما السلام ، وقيل : غيرُ هذا .

قال ( ع ) : والذي يظهر عندي أنه أشار إلى الجاهلية التي لحقنها فَأَمِرْنَ بالنَّقْلَةِ عن سِيرَتِهنَّ فِيها ، وهي ما كانَ قَبْل الشَّرْعِ مِن سِيرةِ الكَفَرَةِ ، وجَعْلِها أولى بالإضافة إلى حالةِ الإسْلام ، وليس المعنى . أ ن ثم َّ جاهليةً آخِرَة ، و{ الرجس } اسم يقعُ على الإثم وعلى العذابِ وعلى النَجَاسَات والنقائِص ، فأذْهَبَ اللّه جميعَ ذلك عن أهْل البَيْتِ ، قالت أم سلمةَ ( نزلت هذه الآية في بَيْتي فدعا رسولُ اللّه صلى الله عليه وسلم عليّا وفاطِمَةَ وحَسَنَا وحُسَيْنا فَدَخَلَ مَعَهم تَحْت كساءِ خيبري ، وقال «هؤلاءِ أهل بيتي ، وقرأ الآية ، وقَال اللَّهمَّ أَذْهِبْ عَنْهُمُ الرِّجْسَ وَطَهِّرْهُمْ تَطْهِيراً . قَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ : فَقُلْتُ : وَأَنَا يَا رَسُولَ اللّهِ ، فَقَالَ : أَنْتِ مِنْ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَأَنْتِ إلى خَيْرَ » ) والجمهورُ على هذا . وقال ابن عباس وغيره : أهل البيتِ : أزواجه خاصة ، والجمهور على ما تقدم .

قال ( ع ) : والذي يظهر لي : أن أهل البيت أزواجه وبنتُه وبنوها وزوجُها أعنى عليّاً ، ولفظ الآية : يقتضي أن الزوجات من أهل البيت ؛لأن الآية فيهن والمخاطبة لهن .

قال ( ص ) : و { أَهْلَ البيت } : منصوبٌ على النداءِ أو على المدْحِ أو على الاخْتِصَاصِ وَهُوَ قَلِيلٌ في المخاطب ، وأكْثَرُ ما يكونُ في المتكلِّم ، كقوله [ الراجز ]

نَحْنُ بَنَاتِ طَارِقْ *** نَمْشِي عَلَى النَّمَارِقْ

انتهى ( ت ) .

واسْتَصْوَبَ ابنُ هشامٍ نصبَه على النداء ، قاله في «المغني » :