لباب التأويل في معاني التنزيل للخازن - الخازن  
{وَقَرۡنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجۡنَ تَبَرُّجَ ٱلۡجَٰهِلِيَّةِ ٱلۡأُولَىٰۖ وَأَقِمۡنَ ٱلصَّلَوٰةَ وَءَاتِينَ ٱلزَّكَوٰةَ وَأَطِعۡنَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥٓۚ إِنَّمَا يُرِيدُ ٱللَّهُ لِيُذۡهِبَ عَنكُمُ ٱلرِّجۡسَ أَهۡلَ ٱلۡبَيۡتِ وَيُطَهِّرَكُمۡ تَطۡهِيرٗا} (33)

قوله عز وجل : { وقرن في بيوتكن } أي الزمن بيوتكن ، وقيل هو أمر من الوقار أي كن أهل وقار وسكون { ولا تبرجن تبرج } قيل : هو التكسر والتغنّج والتبختر وقيل : هو إظهار الزينة وإبراز المحاسن للرجال { الجاهلية الأولى } قيل الجاهلية الأولى هو ما بين عيسى ومحمد صلى الله عليه وسلم ، وقيل : هو زمن داود وسليمان عليهما السلام كانت المرأة تلبس قميصاً من الدر غير مخيط الجانبين ، فيرى خلفها منه ، وقيل كان في زمن نمرود الجبار ، كانت المرأة تتخذ الدرع من اللؤلؤ فتلبسه وتمشي به وسط الطريق ليس عليها شيء غيره ، وتعرض نفسها على الرجال . وقال ابن عباس : الجاهلية الأولى ما بين نوح وإدريس ، وكانت ألف سنة وقيل : إن بطنين من ولد آدم عليه السلام كان أحدهما يسكن السهل والآخر يسكن الجبل ، وكانت رجال الجبل صباحاً وفي النساء دمامة ، ، وكان نساء السهل صباحاً وفي الرجال دمامة ، وإن إبليس أتى رجلاً من أهل السهل وأجره نفسه وكان يخدمه واتخذ شيئاً مثل الذي يزمر به الرعاة فجاء بصوت لم يسمع الناس مثله ، فبلغ ذلك من حولهم فأتوهم يستمعون إليه ، واتخذوا عيداً يجتمعون إليه في السنة فتتبرج النساء للرجال وتتزين الرجال لهن ، وإن رجلاً من أهل الجبل ، هجم عليهم في عيدهم ذلك فرأى النساء وصباحتهن ، فأتى أصحابه فأخبرهم بذلك فتحولوا إليهم فنزلوا معهم وظهرت الفاحشة فيهن فذلك قوله تعالى { ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى } وقيل الجاهلية الأولى ما قبل الإسلام ، والجاهلية الأخرى قوم يفعلون مثل فعلهم آخر الزمان ، وقيل قد تذكر الأولى وإن لم تكن لها أخرى { وأقمن الصلاة } أي الواجبة { وآتين الزكاة } أي المفروضة { وأطعن الله ورسوله } أي فيما أمر وفيما نهى { إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس } أي الإثم الذي نهى الله النساء عنه .

وقال ابن عباس : يعني عمل الشيطان وما ليس لله فيه رضا ، وقيل : الرجس الشك ، وقيل السوء { أهل البيت ويطهركم تطهيراً } هم نساء النبي صلى الله عليه وسلم ؛لأنهن في بيته وهو رواية سعيد بن جبير عن ابن عباس . وتلا قوله تعالى { واذكرن ما يتلى في بيوتكن من آيات الله والحكمة } وهو قول عكرمة ومقاتل وذهب أبو سعيد الخدري وجماعة من التابعين منهم مجاهد وقتادة وغيرهم إلى أنهم علي وفاطمة والحسن والحسين رضي الله عنهم ، يدل عليه ما روي من عائشة أم المؤمنين قالت « خرج النبي صلى الله عليه وسلم ذات غداة وعليه مرط مرجل من شعر أسود فجلس فأتت فاطمة فأدخلها فيه ثم جاء علي فأدخله فيه ثم جاء الحسن فأدخله فيه ، ثم جاء الحسين فأدخله فيه ثم قال : { إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيراً } أخرجه مسلم .

المرط الكساء والمرحل بالحاء المنقوش عليه صور الرحال ، وبالجيم المنقوش عليه صور الرجال ، عن أم سلمة قالت : « إن هذه الآية نزلت في بيتها ، { إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيراً } قالت وأنا جالسة عند الباب فقلت يا رسول الله ألست من أهل البيت فقال : إنك إلى خير أنت من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم قالت : وفي البيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلي وفاطمة وحسن وحسين فجللهم بكساء وقال : اللهم هؤلاء أهل بيتي فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً » أخرجه الترمذي . وقال حديث صحيح غريب . عن أنس بن مالك « أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يمر بباب فاطمة ستة أشهر ، إذا خرج إلى صلاة الفجر يقول الصلاة يا أهل البيت إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ، ويطهركم تطهيراً » أخرجه الترمذي . وقال حديث حسن غريب . وقال زيد بن أرقم أهل البيت من حرم الصدقة بعده آل علي وآل عقيل وآل جعفر وآل عباس .