الآية 33 وقوله تعالى : { وقرن في بيوتكن } قد قرئ بكسر( {[16623]} ) القاف وفتحها . فمن قرأ بالكسر [ وقرن ]( {[16624]} ) فهو من الوقار ، ومن قرأ بالفتح { وقرن } جعله من القرار والسكون فيها .
وقوله تعالى : { ولا تبرّجن تبرّج الجاهلية الأولى } قال بعضهم : { تبرّج الجاهلية الأولى } قبل أن يبعث رسول الله ، كانت تخرج نساؤهم متبرجات بزينة مظهرات ، فأمر الله أزواج رسوله بالستر والحجاب عليهن ، وهو ما قال : { يدنين عليهن من جلابيبهن } [ الأحزاب : 59 ] .
وقال بعضهم : { ولا تبرّجن تبرج الجاهلية الأولى } قال : { الجاهلية الأولى } التي ولد فيها إبراهيم ، أعطين وفورا كثيرة ، وكن يتبرجن في ذلك الزمان تبرجا شديدا ، وأمر أزواجه بالعفة والترك لذلك . فلسنا ندري ما أراد بالجاهلية ؟ ومن أراد بذلك ؟ الذين كانوا بقرب خروج رسول الله وبعثه ، أم الذين كانوا من قبل الأمم السالفة ؟ والتبرج كأنه الخروج بالزينة على إظهار لها ؛ أعني إظهار الزينة .
قال القتبي : { فلا تخضعن بالقول } أي لا تلن به ، وقوله : { وقلن قولا معروفا } أي صحيحا ، وقوله : وقرن في بيوتكن بالكسر من الوقار . ويقال : وقر في منزله يقر وقرا( {[16625]} ) . وقرن في بيوتكن بفتح القاف من القرار ؛ وكأنه من قر يقر أراد اقررن في بيوتكن ، فحذف الراء الأولى ، وحول فتحها إلى القاف كما يقال : ظلن في موضع كذا من اظللن . قال الله تعالى : { فظلتم تفكهون } [ الواقعة : 65 ] ولم يسمع قر يقر إلا في موضع قرة العين . فأما في الاستقرار فإنما هو قر يقر .
وقوله تعالى : { وأقمن الصلاة وآتين الزكاة } يحتمل أن يكون الأمر لهن بإيتاء الزكاة من حليهن ؛ لأنهن لا يملكن شيئا سوى ذلك مما( {[16626]} ) تجب في مثله الزكاة .
ألا ترى أنه وعد لهن التمتيع والسراح الجميل إذا أردن الحياة الدنيا وزينتها ؟ فلو كان عندهن شيء من فضول الأموال كن ينفقن ، ويتمتعن ، وإن لم يكن عند رسول الله ما يمتعهن ، ولا يطلبن ذلك من عنده /427-ب/ فدل ذلك أنهن لا يملكن شيئا من ذلك . فيجوز أن يستدل بظاهر هذه الآية في إيجاب الزكاة في الحلي . وكذلك روي عن ابن عباس رضي الله عنه .
وقوله تعالى : { وأقمن الصلاة وآتين الزكاة وأطعن الله ورسوله } أمرهن بإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة والطاعة لله ورسوله ؛ لئلا يغتررن بما اخترن المقام مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وإيثارهن إياه على أن ذلك كاف لهن في الآخرة ، ولا شيء عليهن سوى ذلك من العبادات . بل إخبار [ لهن ]( {[16627]} ) : وإن اخترتن المقام معه ، وآثرتن إياه على الدنيا وزينتها فلا يغنيكن ذلك عما ذكر ، والله أعلم .
وقوله تعالى : { إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا } قال بعضهم : إن هذه الآية مقطوعة عن الأولى ، لأن الأولى في أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهذه في أهل بيته . وهو قول الروافض ، ويستدلون بقطعها عن الأولى بوجوه :
أحدها : ( ما روي عن أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم ، أنها قالت : عنى بذلك عليا وفاطمة والحسن والحسين ، وقالت لما نزلت هذه الآية ، أخذ النبي ثوبا ، فجعله على هؤلاء ، ثم تلا الآية { إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت } فقالت أم سلمة من جانب البيت : [ ألست ]( {[16628]} ) من أهل البيت ؟ قال : بلى إن شاء الله ) [ البيهقي في الكبرى 2/150 ] .
وعن الحسن بن علي أنه خطب الناس بالكوفة ، وهو يقول : يا أهل الكوفة اتقوا الله فينا ، فإنا أمراؤكم ، وإنا ضيفانكم ، ونحن أهل البيت الذي قال الله تعالى : { إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت } .
[ والثاني : ما ]( {[16629]} ) يقولون أيضا : إن الآية الأولى ذكرها بالتأنيث حين قال : { وأقمن الصلاة وآتين الزكاة وأطعن الله ورسوله } . وهذه ذكرها بالتذكير . دل أنها مقطوعة عن الأولى .
[ والثالث : ما ]( {[16630]} ) يقولون أيضا : إنه وعد أن يذهب عنهم الرجس ، ويطهرهم تطهيرا وعدا مطلقا غير مقيد .
وهذا الرجس الذي ذكر مما يحتمل أزواجه ، ممكن ذلك فيهن غير ممكن في أهل بيته ومن ذكره .
[ والرابع : ما ]( {[16631]} ) يقولون أيضا : ما روي عنه أنه قال : ( تركت فيكم بعدي الثقلين : كتاب الله وعترتي أهل بيتي ما إن تمسكتم بهما ليردان بكم الحوض ) [ الترمذي 3786 ] أو كلام نحو هذا ، ففسر العِتْرَةَ بأهل البيت ونحو ذلك من الوجوه .
وأما عندنا فهي غير مقطوعة من الأولى : إما أن يكون على الاشتراك بينهن ، وبين من ذكر من أولاده ؛ إذ اسم أهل البيت مما يجمع ذلك كله في العرف ، [ وإما أن ]( {[16632]} ) تكون الآية لهن على الانفراد .
فأما أن يخرج أزواجه عن أهل بيته ، والبيت يجمعهم ، فلا يحتمل ذلك .
وأما قولهم : إنه ذكر هذه الآية بالتذكير ، والأولى بالتأنيث فعند الاختلاط كذلك يذكر باسم التذكير .
وأما قولهم : إن وعده لهم منه خرج مطلقا غير مقيد ، فكذلك كن أزواج رسول الله ، لم يأت منهن ما يجوز أن ينسبن إلى الرجس أو القدر إلا في ما [ غولبن على رأيهن وتدبيرهن بالحيل ، فأخرجن في ما ]( {[16633]} ) أخرجن .
وأما [ قوله : " الثّقلين " فهما اللذان ]( {[16634]} ) تركهما فينا بعده : الكتاب والعترة . وعترته سنته على ما قيل .
وقوله : " أهل بيتي " كأنه قال : تركت الثقلين كتاب الله وسنتي بأهل بيتي ، وذلك جائز في اللغة .
وأما ما روي عن أم سلمة فإنه في الخبر بيان على أن أزواجه دخلن حين( {[16635]} ) قالت له أم سلمة : ألست من أهل البيت ؟ قال : بلى إن شاء الله .
وفي هذه الآية دلالة نقض المعتزلة من وجوه :
أحدها : ما يقولون : إن الله قد أراد أن يطهر الخلق كلهم الكافر والمسلم ، وأراد أن يذهب الرجس عنهم جميعا . لكن الكافر حين( {[16636]} ) أراد ألا تطهّر نفسه ، ولا يذهب عنه الرجس لم يطهّر . فلو كان على ما يقولون لم يكن لتخصيص هؤلاء بالتطهير ودفع الرجس عنهم فائدة ولا منة . دل [ أنه ]( {[16637]} ) إنما يطهر من علم منه اختيار الطهارة وترك الرجس .
وأما من علم منه اختيار الرجس فلا يحتمل أن يذهب عنه الرجس ، أو يريد منه غير ما يعلم أنه يختار . وإن التطهير ، لن يكون ، إنما يكون بالله لا بما تقوله المعتزلة حين( {[16638]} ) قال : { ويطهركم تطهيرا } إذ على قولهم : لا يملك هو تطهير من أراد ، إذ لم يبق عنده ما يطهرهم . فذلك كله ينقض عليهم أقوالهم ومذهبهم .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.