ثم قال : { وقرن في بيوتكن } أي : اثبتن في بيوتكن .
هذا على مذهب من قرأ بكسر القاف {[55473]} ، يكون عند الفراء وأبي عبيد من الوقار {[55474]} ، يقال وقر يقر وقورا إذا ثبت في منزله .
وقيل : هو من قر في المكان إذا ثبت أيضا فيكون الأصل : واقررن فحذفت الراء الثانية استثقالا للتضعيف ، وألقيت حركة الأولى الباقية على القاف فاستغني عن ألف الوصل ، فصار وقرن كما تقول ظلت أفعل بكسر الظاء {[55475]} .
فأما قراءة من فتح القاف ، وهي قراءة نافع {[55476]} وعاصم {[55477]} {[55478]} فهي لغة لأهل الحجاز يقولون : قررت بالمكان أقر ، بمنزلة قررت به عينا أقر ، حكاه أبو عبيد في " المصنف " {[55479]} عن الكسائي {[55480]} . فيكون التقدير : واقررن [ في بيوتكن ] {[55481]} ، ثم أعل الاولى فيصير : وقرن {[55482]} .
ويجوز أن يكون من قرة العين هذا على الحذف ، والاعتلال أيضا ، وشاهده قوله : { ذلك أدنى أن تقر أعينهم } {[55483]} فيكون التقدير : واقررن عينا في بيوتكن .
وروى أن عمارا {[55484]} قال لعائشة رضي الله عنها : إن الله قد أمرك أن تقري في منزلك ، فقالت : يا أبا اليقظان ، ما زلت قوالا بالحق ، فقال : الحمد لله الذي جعلني كذلك على لسانك .
ثم قال تعالى : { ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى } أي : إذا خرجتن من بيوتكن .
قال قتادة : التبرج في هذا الموضع التبختر والتكسر ، وكانت للجاهلية الأولى مشية {[55485]} فيها تكسير وتغنج {[55486]} فنهاهن الله عن ذلك {[55487]} . وقيل التبرج إظهار الزينة للرجال {[55488]} . وحقيقتها إظهار ما ستر الله وهو مأخوذ من السعة {[55489]} . يقال في أسنانه برج إذا كانت متفرقة .
والجاهلية الأولى ما بين عيسى ومحمد عليهما السلام {[55490]} .
وروي أن هذه الفاحشة كانت ظاهرة في هذا الوقت ، وكانت ثم بغايا {[55491]} يقصدن للفاحشة {[55492]} .
وقيل : ما بين نوح وآدم عليهما السلامكان بينهما ثمان مائة سنة ، وكان نساؤهم أقبح ما يكون ، ورجالهم أحسن ما يكون ، فكانت المرأة تريد الرجل على نفسه {[55493]} .
وقال ابن عباس هو ما بين إدريس ونوح عليهما السلام ، وكان ذلك ألف سنة ، وأن بطنين من ولد آدم أحدهما يسكن السهل والآخر يسكن الجبل ، وكان رجال الجبال صباحا {[55494]} والنساء قباحا ، وكان نساء السهل صباحا والرجال قباحا ، وأن إبليس أتى رجلا من أهل السهل في صورة غلام فأجر نفسه منه فكان يخدمه ، واتخذ إبليس شيئا من الذي يزمر فيه الرعاء {[55495]} فجاء فيه بصوت لم يسمع الناس مثله ، فبلغ ذلك من حولهم فانتابوهم يستمعون إليه ، واتخذوا عيدا يجتمعون له في السنة ، فتبرج الرجال حسنا ، وتبرج النساء للرجال وإن رجلا من أهل الجبل هجم عليهم ، وهم في عيدهم فرأ النساء وصباحتهن فأتى أصحابه فأخبرهم بذلك فتحولوا إليهن ، فنزلوا معهن ، فظهرت الفاحشة فيهم فهو قوله جل ذكره : { ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى } {[55496]} .
وقوله : { الجاهلية الأولى } يدل على أن ثم جاهلية أخرى في الإسلام ، دل على ذلك/ قول النبي صلى الله عليه وسلم {[55497]} " ثلاث من عمل أهل الجاهلية لا يدعهن الناس : الطعن بالأنساب ، والاستمطار بالكواكب والنياحة " {[55498]} .
وقال ابن عباس لعمر لما سأله عن الآية ، فقال له : وهل كانت الجاهلية إلا واحدة ؟ {[55499]} فقال ابن عباس {[55500]} : وهل كانت أولى إلا ولها آخرة ؟ فقال له عمر : لله درك يا ابن عباس/ كيف قلت ؟ فأعاد ابن عباس الجواب {[55501]} . وقال النبي صلى الله عليه وسلم {[55502]} لأبي الدرداء وقد عير رجلا فوعاه يا ابن فلانة فقال له : " يا أبا الدرداء إن فيك جاهلية ، فقال أجاهلية كفر أو إسلام ؟ قال : بل جاهلية كفر " قال أبو الدرداء : " فتمنيت لو كنت ابتدأت إسلامي يومئذ " {[55503]} .
ثم قال [ تعالى ] {[55504]} : { وأقمن الصلاة } أي : المفروضة .
{ وآتين الزكاة } يعني الواجبة في الأموال .
{ وأطعن الله ورسوله } أي : فيما أمركن به ونهاكن عنه .
ثم قال ( تعالى ) {[55505]} : { إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت } أي : الشر والفحشاء يا أهل بيت محمد .
{ ويطهركم } أي من الدنس والمعاصي تطهيرا .
قال ابن زيد : الرجس هنا الشيطان {[55506]} .
وقيل : عني بأهل البيت هنا النبي صلى الله عليه وسلم {[55507]} وعلي وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام ، رواه الخدري {[55508]} . عن النبي صلى الله عليه وسلم {[55509]} أنه قال " نزلت الآية في خمس : في وفي علي وحسن وحسين وفاطمة " {[55510]} . وهو قول جماعة من الصحابة .
وقال عكرمة : عني بذلك أزواج النبي صلى الله عليه وسلم {[55511]} {[55512]} .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.