الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{قُلۡ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ} (1)

قوله : { قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ } : في " هو " وجهان : أحدهما : أنه ضميرٌ عائدٌ على ما يفْهَمُ من السياقِ ، فإنه يُرْوى في الأسباب : أنَّهم قالوا لرسولِ الله صلَّى الله عليه وسلم : صِفْ لنا ربَّك ، وانْسُبْه . وقيل : قالوا له : أمِنْ نُحاس هو أم مِنْ حديدٍ ؟ فنَزَلَتْ . وحينئذٍ يجوزُ أَنْ يكونَ " الله " مبتدأً ، و " أَحَدٌ " خبرُه ، والجملةُ خبرُ الأولُ . ويجوزُ أَنْ يكونَ " اللَّهُ " بدلاً ، و " أحدٌ " الخبرَ . ويجوزُ أَنْ يكونَ " اللَّهُ " خبراً أوَّلَ ، و " أحدٌ " خبراً ثانياً . ويجوزُ أَنْ يكونَ " أحدٌ " خبرَ مبتدأ محذوفٍ ، أي : هو أحدٌ . والثاني : أنَّه ضميرُ الشأنِ ؛ لأنه موضعُ تعظيمٍ ، والجلمةُ بعدَه خبرُه مفسِّرِةٌ .

وهمزةُ " أحد " بدلٌ من واوٍ ؛ لأنَّه من الوَحْدة ، وإبدالُ الهمزةِ من الواوِ المفتوحةِ . وقيل : منه " امرأةٌ أناة " من الوَنى ، وهو الفُتورُ . وتقدَّم الفرقُ بين " أحد " هذا و " أحد " المرادِ به العمومُ ، فإنَّ همزةُ ذاك أصلٌ بنفسِها . ونَقَل أبو البقاءِ أنَّ همزةَ " أحد " هذا غيرُ مقلوبةٍ ؛ بل أصلٌ بنفسِها كالمرادِ به العمومُ ، والمعروفُ الأولُ . وفَرَّق ثعلب بين " واحد " وبين " أحد " ، بأنَّ الواحدَ يدخُلُه العَدُّ والجمعُ والاثنان ، و " أحَد " لا يَدْخُلُه ذلك . ويقال : اللَّهُ أحدٌ ، ولا يقال : زيدٌ أحدٌ ؛ لأنَّ للَّهِ تعالى هذه الخصوصيةَ ، وزَيْدٌ له حالاتٌ شتى . ورَدَّ عليه الشيخُ بأنَّه يُقال : أحد وعشرونَ ونحوه ، فقد دخلَه العددُ " أنتهى . وقال مكي : " إنَّ أَحَداً أصلُه وَأَحَد ، فأُبْدِلَتِ الواوُ همزةً فاجتمع ألفان ؛ لأنَّ الهمزةَ تُشْبه الألفَ ، فحُذِفَتْ إحداهما تخفيفاً " .

وقرأ عبد الله وأُبَيُّ { اللَّهُ أحدٌ } دونَ " قُلْ " ، وقرأ النبي صلَّى الله عليه وسلَّم " أحدٌ " بغيرِ " قل هو " ، وقرأ الأعمش : " قل هو اللَّهُ الواحد " .

وقرأ العامَّةُ بتنوين " أحدٌ " وهو الأصلُ ، وزيد بن علي وأبان بن عثمان وابن أبي إسحاق والحسن وأبو السَّمَّال وأبو عمروٍ في روايةٍ في عددٍ كثيرٍ بحذف التنوين لالتقاء الساكنين كقولِه :

عمرُو الذي هَشَمَ الثَّريدَ لقومِه *** ورجالُ مكةَ مُسْنِتُون عِجافُ

وقال آخر :

فأَلْفَيْتُه غيرَ مُسْتَعْتِبٍ *** ولا ذاكرَ اللَّهَ إلاَّ قليلا