مدارك التنزيل وحقائق التأويل للنسفي - النسفي  
{قُلۡ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ} (1)

مقدمة السورة:

سورة الإخلاص أربع آيات ، مكية عند الجمهور ، وقيل : مدنية عند أهل البصرة .

بسم الله الرحمن الرحيم

{ قُلْ هُوَ الله أَحَدٌ } هو ضمير الشأن ، و { الله أَحَدٌ } هو الشأن ، كقولك : هو زيد منطلق ، كأنه قيل : الشأن هذا ، وهو أن الله واحد لا ثاني له ، ومحل { هُوَ } الرفع على الابتداء ، والخبر هو الجملة ، ولا يحتاج إلى الراجح ؛ لأنه في حكم المفرد في قولك : زيد غلامك ، في أنه هو المبتدأ في المعنى ، وذلك أن قوله :{ الله أَحَدٌ } هو الشأن الذي عبارة عنه ، وليس كذلك : زيد أبوه منطلق ، فإن زيداً أو الجملة يدلان على معنيين مختلفين ، فلا بد مما يصل بينهما .

وعن ابن عباس رضي الله عنهما : قالت قريش : يا محمد ، صف لنا ربك الذي تدعونا إليه ، فنزلت . يعني الذي سألتموني وصفه هو الله تعالى . وعلى هذا { أَحَدٌ } خبر مبتدأ محذوف ، أي هو أحد ، وهو بمعنى واحد ، وأصله وحد ، فقلبت الواو همزة لوقوعها طرفاً .

والدليل على أنه واحد من جهة العقل أن الواحد إما أن يكون في تدبير العالم وتخليقه كافياً أولاً ، فإن كان كافياً كان الآخر ضائعاً غير محتاج إليه ، وذلك نقص ، والناقص لا يكون إلهاً ، وإن لم يكن كافياً فهو ناقص ، ولأن العقل يقتضي احتياج المفعول إلى فاعل ، والفاعل الواحد كافٍ ، وما وراء الواحد فليس عددا أوليا من عدد فيفضي ذلك إلى وجود أعداد لا نهاية لها ، وذا محال . فالقول بوجود إلهين محال ، ولأن أحدهما إما أن يقدر على أن يستر شيئاً من أفعاله عن الآخر أو لا يقدر ، فإن قدر لزم كون المستور عنه جاهلاً ، وإن لم يقدر لزم كونه عاجزاً . ولأنا لو فرضنا معدوماً ممكن الوجود فإن لم يقدر واحد منهما على إيجاده كان كل واحد منهما عاجزاً ، والعاجز لا يكون إلهاً ، وإن قدر أحدهما دون الآخر ، فالآخر لا يكون إلهاً ، وإن قدراً جميعاً فإما أن يوجداه بالتعاون ، فيكون كل واحد منهما محتاجاً إلى إعانة الآخر ، فيكون كل واحد منهما عاجزاً ، وإن قدر كل واحد منهما على إيجاده بالاستقلال ، فإذا أوجده أحدهما فإما أن يبقى الثاني قادراً عليه وهو محال ؛ لأن إيجاد الموجود محال ، وإن لم يبق فحينئذ يكون الأول مزيلاً قدرة الثاني فيكون عاجزاً ومقهوراً تحت تصرفه ، فلا يكون إلهاً . فإن قلت : الواحد إذا أوجد مقدور نفسه فقد زالت قدرته ، فيلزمكم أن يكون هذا الواحد قد جعل نفسه عاجزاً . قلنا : الواحد إذا أوجد مقدور نفسه فقد نفذت قدرته ، ومن نفذت قدرته لا يكون عاجزاً ، وأما الشريك فما نفذت قدرته ؛ بل زالت قدرته بسبب قدرة الآخر ، فكان ذلك تعجيزاً .