التفسير الشامل لأمير عبد العزيز - أمير عبد العزيز  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَيَبۡلُوَنَّكُمُ ٱللَّهُ بِشَيۡءٖ مِّنَ ٱلصَّيۡدِ تَنَالُهُۥٓ أَيۡدِيكُمۡ وَرِمَاحُكُمۡ لِيَعۡلَمَ ٱللَّهُ مَن يَخَافُهُۥ بِٱلۡغَيۡبِۚ فَمَنِ ٱعۡتَدَىٰ بَعۡدَ ذَٰلِكَ فَلَهُۥ عَذَابٌ أَلِيمٞ} (94)

قوله تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَيَبْلُوَنَّكُمُ اللَّهُ بِشَيْءٍ مِّنَ الصَّيْدِ تَنَالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِمَاحُكُمْ لِيَعْلَمَ اللَّهُ مَن يَخَافُهُ بِالغَيْبِ فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ ( 94 ) يَا أَيُّهَا الّذِينَ آمَنُوا لاَ تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُم مُّتَعَمِّداً فَجَزَاءٌ مِّثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِّنْكُمْ هَدْياً بَالِغَ الكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ أَوْ عَدْلٌ ذَلِكَ صِيَاماً لِّيَذُوقَ وَبَالَ أَمْرِهِ عَفَا اللَّهُ عَمَّا سَلَفَ وَمَنْ عَادَ فَيَنْتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ } يخاطب الله عباده المؤمنين جميعاً من ذكر وأنثى بقوله : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَيَبْلُوَنَّكُمُ اللَّهُ بِشَيْءٍ مِّنَ الصَّيْدِ } جواب لقسم محذوف . ويبلونكم من الابتلاء وهو الاختبار . أي والله ليعاملنكم معاملة المختبر { بِشَيْءٍ مِّنَ الصَّيْدِ } من للتبعيض . أي ببعض الصيد . والمراد به مصيد البر . فاللام في الصيد للعهد .

فقد نزلت الآية في عمرة الحديبية حيث ابتلاهم الله تعالى بالصيد وهم محرمون إذ كانت الوحوش والطيور تغشاهم في رحالهم بكثافة وكانوا متمكنين من صيدها بأيديهم وبرماحهم فنهاهم الله عن ذلك ابتلاء . ومن شأن الله جلت قدرته أن يمتحن عباده المؤمنين بوجوه من الابتلاء ليميز القوي الصابر من الضعيف الخائر . أو يمحص الأتقياء الصابرين ويكشف المتخاذلين والمنافقين . أو ليجزي المؤمنين الثابتين مغفرة منه ورضواناً .

قوله : { تَنَالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِمَاحُكُمْ } الذي تناله الأيدي يراد به فراخ الطير وصغار الوحش . والذي تناله الرماح الكبار من الصيد .

قوله : { لِيَعْلَمَ اللَّهُ مَن يَخَافُهُ بِالغَيْبِ } أي ليتميز من يخاف عقاب الله الأخروي الغائب فيتقي الصيد ، ممن لا يخاف الله فيصيد . ولا ينبغي أن يفهم قوله : { لِيَعْلَمَ اللَّهُ } على ظاهره . فإن الله عالم من الأزل ولا يزال عالماً .

قوله : { فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ } أي من تجاوز حد الله وتعرض للصيد بعد بيان أن هذا التشريع ابتلاء . وقيل : بعد ما بينه الله من التحريم والنهي عن الصيد { فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ } المراد عذاب الدارين . فعذاب الآخرة يعلمه الله ويعلم كيفيته ومداه . أما عذاب الدنيا فهو أن يضرب ظهره وبطنه جلداً . وقيل : المراد عذاب الجلد في الدنيا فقط . وهو قول ابن عباس .