{ يا أيها الذين آمنوا لَيَبْلُوَنَّكُمُ الله } جوابُ قسمٍ محذوفٍ أي والله ليُعامِلَّنكم معاملةَ مَنْ يختبركم ليتعرَّفَ أحوالَكم { بِشَيء منَ الصيد } أي من صيدِ البَرّ مأكولاً أو غيرَ مأكول ما عدا المستثنياتِ من الفواسق ، فاللام للعَهْد ، نزلت عام الحُدَيْبية . ابتلاهم الله تعالى بالصيد وهم مُحرِمون كانت الوحوش تغشاهم في رحالهم بحيث كانوا متمكنين من صيدِها أخذاً بأيديهم وطعناً برماحهم وذلك قوله تعالى : { تَنَالُهُ أَيْدِيكُمْ ورماحكم } فهمُّوا بأخذها فنزلت ، ورُوي أنه عَنَّ لهم حمارُ وحشٍ فحمل عليه أبو اليَسَر بنُ عمرو فطعنه برمحه وقتله ، فقيل له : قتلته وأنت مُحرم ، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم وسأله عن ذلك فأنزل الله تعالى الآية ، فالتأكيد القَسَميُّ في ( ليبلونكم ) إنما هو لتحقيق أن ما وقع من عدم توحُّش الصيد عنهم ليس إلا لابتلائهم لا لتحقيق وقوعِ المبتلى به كما لو كان النزول قبل الابتلاء ، وتنكير ( شيء ) للتحقير المُؤْذِن بأن ذلك ليس من الفِتن الهائلة التي تزِلُّ فيها أقدامُ الراسخين كالابتلاء بقتل الأنفس وإتلافِ الأموال ، وإنما هو من قبيل ما ابتُليَ به أهلُ أَيْلَةَ من صيد البحر ، وفائدته التنبيه على أن من لم يثبّتْ في مثل هذا كيف يثبتُ عند شدائد المحن ؟ ( فمن ) في قوله تعالى : { منَ الصيد } بيانية قطعاً أي بشيء حقير هو الصيد ، وجعلُها تبعيضيةً يقتضي اعتبارَ قِلَّته وحقارته بالنسبة إلى كل الصيد لا بالنسبة إلى عظائم البلايا فيَعْرَى الكلامُ عن التنبيه المذكور . { لِيَعْلَمَ الله مَن يَخَافُهُ بالغيب } أي ليتميز الخائفُ من عقابه الأخروي وهو غائبٌ مترقبٌ لقوة إيمانه ، فلا يتعرض للصيد ، ممن لا يخافه كذلك لضعف إيمانه فيُقدم عليه ، وإنما عبر عنْ ذلك بعلم الله تعالى اللازم له إيذاناً بمدار الجزاءِ ثواباً وعقاباً فإنه أدْخَلُ في حملهم على الخوف ، وقيل : المعنى ليتعلق علمه تعالى بمن يخافه بالفعل ، فإن علمه تعالى بأنه سيخافه وإن كان متعلقاً به قبل خوفه لكنّ تعلُّقَه بأنه خائف بالفعل وهو الذي يدور عليه أمرُ الجزاء إنما يكون عند تحقق الخوف بالفعل ، وقيل : هناك مضاف محذوف ، والتقدير ليعلم أولياءَ الله ، وقرئ ( ليُعلِمَ ) من الإعلام على حذف المفعول الأول أي ليُعْلِمَ الله عباده الخ ، والعلمُ على القراءتين متعدَ إلى واحد ، وإظهار الاسم الجليل في موقع الإضمار لتربية المهابة وإدخال الروعة { فَمَنِ اعتدى بَعْدَ ذلك } أي بعد بيان أنّ ما وقع ابتلاءٌ من جهته تعالى لِما ذُكر من الحِكمة لا بعد تحريمِه أو النهي عنه كما قاله بعضهم ، إذ النهي والتحريم ليس أمراً حادثاً يترتب عليه الشرطية ، بالفاء ، ولا بعد الابتلاء كما اختاره آخرون ، لأن نفس الابتلاء لا يصلح مداراً لتشديد العذاب ، بل ربما يتوهم كونُه عذراً مسوِّغاً لتخفيفه ، وإنما الموجب للتشديد بيانُ كونه ابتلاءً ، لأن الاعتداء بعد ذلك مكابرةٌ صريحة ، وعدمُ مبالاةٍ بتدبير الله تعالى ، وخروجٌ عن طاعته ، وانخلاع عن خوفه وخشيته بالكلية . أي : فمن تعرض للصيد بعد ما بينا أن ما وقع من كثرة الصيد وعدم توحُّشه منهم ابتلاءٌ مؤدٍّ إلى تمييز المطيع من العاصي { فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ } لما ذكر من أنه مكابرة محضة ولأن من لا يملك زمام نفسه ولا يراعي حكم الله تعالى في أمثال هذه البلايا الهيِّنة لا يكاد يُراعيه في عظائم المداحض . والمراد بالعذاب الأليم عذاب الدارين ، قال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما : يُوسَعُ ظهرُه وبطنه جَلداً وينزع ثيابه .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.