لباب التأويل في معاني التنزيل للخازن - الخازن  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَيَبۡلُوَنَّكُمُ ٱللَّهُ بِشَيۡءٖ مِّنَ ٱلصَّيۡدِ تَنَالُهُۥٓ أَيۡدِيكُمۡ وَرِمَاحُكُمۡ لِيَعۡلَمَ ٱللَّهُ مَن يَخَافُهُۥ بِٱلۡغَيۡبِۚ فَمَنِ ٱعۡتَدَىٰ بَعۡدَ ذَٰلِكَ فَلَهُۥ عَذَابٌ أَلِيمٞ} (94)

قوله تعالى : { يا أيها الذين آمنوا ليبلونكم الله بشيء من الصيد } نزلت هذه الآية عام الحديبية وكانوا محرمين ، فابتلاهم الله بالصيد ، فكانت الوحوش تغشى رحالهم من كثرتها فهمّوا بأخذها وصيدها فأنزل الله هذه الآية : { يا أيها الذين آمنوا ليبلونكم الله } الآية اللام في ليبلونكم لام القسم أي ليخبرن طاعتكم من معصيتكم والمعنى يعاملكم معاملة المختبر بشيء من الصيد يعني بصيد البر دون البحر . وقيل : أراد الصيد في حالة الإحرام دون الإحلال وإنما قال بشيء من الصيد ليعلم أنه ليس بفتنة من الفتن العظام التي نزل عندها أقدام الثابتين ويكون التكليف فيها صعباً شاقاً كالابتلاء ببذل الأموال والأرواح وإنما هو ابتلاء سهل كما ابتلي أصحاب السبت بصيد السمك فيه لكن الله عز وجل بفضله وكرمه عصم أمة محمد صلى الله عليه وسلم فلم يصطادوا شيئاً في حالة الابتلاء ولم يعصم أصحاب السبت فمسخوا قردة وخنازير .

وقوله تعالى : { تناله أيديكم } يعني الفرخ والبيض وما لا يقدر أن يفر من صغار الصيد { ورماحكم } يعني كبار الصيد مثل حمر الوحش ونحوها . وقال ابن عباس : في قوله تناله أيديكم ورماحكم هو الضعيف من الصيد وصغير يبتلي الله به عباده في إحرامهم حتى لو شاؤوا نالوه بأيديهم فنهاهم الله أن يقربوه { ليعلم الله } أي : ليرى الله فإنه قد علمه فهو مجاز لأنه تعالى عالم لم يزل والمعنى يعاملكم معاملة المختبر . وقيل : معناه ليظهر المعلوم وهو خوف الخائف وقيل هو من باب حذف المضاف والتقدير ليعلم أولياء الله { من يخافه بالغيب } يعني : من يخاف الله ولم يره فلا يصطاد في حالة الإحرام شيئاً بعد النهي { فمن اعتدى بعد ذلك } يعني فصاد في حالة الإحرام بعد النهي { فله عذاب أليم } يعني في الدنيا . قال ابن عباس : هو أن يوجع ظهره وبطنه جلداً وتسلب ثيابه وهذا قول أكثر المفسرين في معنى هذه الآية لأنه قد سمى الجلد عذاباً وهو قوله وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين .