معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تَسۡـَٔلُواْ عَنۡ أَشۡيَآءَ إِن تُبۡدَ لَكُمۡ تَسُؤۡكُمۡ وَإِن تَسۡـَٔلُواْ عَنۡهَا حِينَ يُنَزَّلُ ٱلۡقُرۡءَانُ تُبۡدَ لَكُمۡ عَفَا ٱللَّهُ عَنۡهَاۗ وَٱللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٞ} (101)

قوله تعالى : { يا أولي الألباب لعلكم تفلحون يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم } ، الآية .

أخبرنا عبد الواحد المليحي ، أنا محمد بن عبد الله النعيمي ، أنا محمد بن يوسف ، أنا محمد بن إسماعيل ، أنا حفص بن عمر ، أنا هشام ، عن قتادة ، عن أنس رضي الله عنه سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أحفوه بالمسألة ، فغضب ، فصعد المنبر فقال : ( لا تسألوني اليوم عن شيء إلا بينته لكم ) ، فجعلت أنظر يميناً وشمالاً فإذا كل رجل لاف رأسه في ثوبه يبكي ، فإذا رجل كان إذا لاحى الرجال يدعى لغير أبيه ، فقال : يا رسول الله من أبي ؟ قال : حذافة . ثم أنشأ عمر ، فقال : رضينا بالله رباً ، وبالإسلام ديناً ، وبمحمد صلى الله عليه وسلم رسولاً ، نعوذ بالله من الفتن ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( ما رأيت في الخير والشر كاليوم قط ، إن صورت لي الجنة والنار حتى رأيتهما وراء الحائط ) .

وكان قتادة يذكر عند هذا الحديث هذه الآية { يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم } . قال يونس عن ابن شهاب ، أخبرني عبيد الله بن عبد الله قال : قالت أم عبد الله بن حذافة لعبد الله بن حذافة : ما سمعت بابن قط أعق منك ، أأمنت أن تكون أمك قد قارفت بعض ما تقارف نساء أهل الجاهلية فتفضحها على أعين الناس ؟ قال عبد الله بن حذافة : والله لو ألحقني بعبد أسود للحقته . وروي عن عمر قال : يا رسول الله ، إنا حديثو عهد بجاهلية فاعف عنا يعف الله سبحانه وتعالى عنك ، فسكن غضبه .

أخبرنا عبد الواحد المليحي ، أنا أحمد بن عبد الله النعيمي ، أخبرنا محمد بن يوسف ، أنا محمد بن إسماعيل ، أنا الفضل بن سهل ، أخبرنا أبو النضر ، أنا أبو خيثمة ، أنا أبو جويرية ، عن ابن عباس قال : كان قوم يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم استهزاءً ، فيقول الرجل : من أبي ؟ ويقول الرجل ضلت ناقته : أين ناقتي ؟ فأنزل الله فيهم هذه الآية { يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم } حتى فرغ من الآية كلها .

وروي عن علي رضي الله عنه قال : لما نزلت { ولله على الناس حج البيت } قال رجل : يا رسول الله ، أفي كل عام ؟ فأعرض عنه ، فعاد مرتين أو ثلاثاً ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ما يؤمنك أن أقول نعم ؟ والله لو قلت نعم لوجبت ، ولو وجبت ما استطعتم ، فاتركوني ما تركتكم ، فإنما هلك من كان قبلكم بكثرة سؤالهم واختلافهم على أنبيائهم ، فإذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم ، وإذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه ) ، فأنزل الله تعالى : { يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم } أي : إن تظهر لكم تسؤكم ، أي : إن أمرتم بالعمل بها ، فإن من سأل عن الحج لم يأمن أن يؤمر به في كل عام فيسوءه ، ومن سأل عن نسبه لم يأمن من أن يلحقه بغيره فيفتضح . وقال مجاهد : نزلت حين سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن البحيرة ، والسائبة ، والوصيلة ، والحام ، ألا تراه ذكرها بعد ذلك .

قوله تعالى : { وإن تسألوا عنها حين ينزل القرآن تبد لكم } ، معناه إن صبرتم حتى ينزل القرآن بحكم من فرض ، أو نهي ، أو حكم ، وليس في ظاهره شرح ما بكم إليه حاجة ، ومست حاجاتكم إليه ، فإذا سألتم عنها حينئذ تبد لكم .

قوله تعالى :{ عفا الله عنها والله غفور حليم }

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تَسۡـَٔلُواْ عَنۡ أَشۡيَآءَ إِن تُبۡدَ لَكُمۡ تَسُؤۡكُمۡ وَإِن تَسۡـَٔلُواْ عَنۡهَا حِينَ يُنَزَّلُ ٱلۡقُرۡءَانُ تُبۡدَ لَكُمۡ عَفَا ٱللَّهُ عَنۡهَاۗ وَٱللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٞ} (101)

{ 101 - 102 } { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ وَإِنْ تَسْأَلُوا عَنْهَا حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ عَفَا اللَّهُ عَنْهَا وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ * قَدْ سَأَلَهَا قَوْمٌ مِنْ قَبْلِكُمْ ثُمَّ أَصْبَحُوا بِهَا كَافِرِينَ }

ينهى عباده المؤمنين عن سؤال الأشياء التي إذا بينت لهم ساءتهم وأحزنتهم ، وذلك كسؤال بعض المسلمين لرسول الله صلى الله عليه وسلم عن آبائهم ، وعن حالهم في الجنة أو النار ، فهذا ربما أنه لو بين للسائل لم يكن له فيه خير ، وكسؤالهم للأمور غير الواقعة .

وكالسؤال الذي يترتب عليه تشديدات في الشرع ربما أحرجت الأمة ، وكالسؤال عما لا يعني ، فهذه الأسئلة ، وما أشبهها هي المنهي عنها ، وأما السؤال الذي لا يترتب عليه شيء من ذلك فهذا{[280]}  مأمور به ، كما قال تعالى : { فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ }

{ وَإِنْ تَسْأَلُوا عَنْهَا حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ } أي : وإذا وافق سؤالكم محله فسألتم عنها حين ينزل عليكم القرآن ، فتسألون عن آية أشكلت ، أو حكم خفي وجهه عليكم ، في وقت يمكن فيه نزول الوحي من السماء ، تبد لكم ، أي : تبين لكم وتظهر ، وإلا فاسكتوا عمّا سكت الله عنه .

{ عَفَا اللَّهُ عَنْهَا } أي : سكت معافيا لعباده منها ، فكل ما سكت الله عنه فهو مما أباحه وعفا عنه . { وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ } أي : لم يزل بالمغفرة موصوفا ، وبالحلم والإحسان معروفا ، فتعرضوا لمغفرته وإحسانه ، واطلبوه من رحمته ورضوانه .


[280]:- في ب: فهو.
 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تَسۡـَٔلُواْ عَنۡ أَشۡيَآءَ إِن تُبۡدَ لَكُمۡ تَسُؤۡكُمۡ وَإِن تَسۡـَٔلُواْ عَنۡهَا حِينَ يُنَزَّلُ ٱلۡقُرۡءَانُ تُبۡدَ لَكُمۡ عَفَا ٱللَّهُ عَنۡهَاۗ وَٱللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٞ} (101)

{ يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم وإن تسألوا عنها حين ينزل القرآن تبدلكم } الشرطية وما عطف عليها صفتان لأشياء والمعنى : لا تسألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أشياء إن تظهر لكم تغمكم وإن تسألوا عنها في زمان الوحي تظهر لكم وهما كمقدمتين تنتجان ما يمنع السؤال وهو أنه مما يغمهم والعاقل لا يفعل ما يغمه ، وأشياء اسم جمع كطرفاء غير أنه قلبت لامه فجعلت لفعاء . وقيل أفعلاء حذفت لامه جمع لشيء على أن أصله شيء كهين ، أو شيء كصديق فخفف . وقيل أفعال جمع له من غير تغيير كبيت وأبيات ويرده منع صرفه . { عفا الله عنها } صفة أخرى أي عن أشياء عفا الله عنها ولم يكلف بها . إذ روي أنه لما نزلت { ولله على الناس حج البيت } قال سراقة بن مالك : أكل عام فأعرض عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أعاد ثلاثا فقال : " لا ولو قلت نعم لوجبت ، ولو وجبت لما استطعتم فاتركوني ما تركتكم " فنزلت أو استئناف أي عفا الله عما سلف من مسألتكم فلا تعودوا لمثلها . { والله غفور حليم } لا يعاجلكم بعقوبة ما يفرط منكم ، ويعفو عن كثير .