تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تَسۡـَٔلُواْ عَنۡ أَشۡيَآءَ إِن تُبۡدَ لَكُمۡ تَسُؤۡكُمۡ وَإِن تَسۡـَٔلُواْ عَنۡهَا حِينَ يُنَزَّلُ ٱلۡقُرۡءَانُ تُبۡدَ لَكُمۡ عَفَا ٱللَّهُ عَنۡهَاۗ وَٱللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٞ} (101)

التفسير :

101- يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم . . . الآية .

سبب النزول :

روى البخاري – بسننه– عن أنس بن مالك قال : خطب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خطبة ما سمعت مثلها قط ، وقال فيها ( لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا ، ولبكيتم كثيرا ) ( 22 ) قال : فغطى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وجوههم – لهم حنين – فقال رجل : من أبي ؟ فقال فلان : فنزلت هذه الآية .

وروى مجاهد عن ابن عباس أنها نزلت في قوم سألوا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن البحيرة والسائية والوصيلة والحام .

وذكر المفسرون روايات متعددة في سبب نزول الآيتين ومنها ما رواه البخاري أيضا عن أنس عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم وفيه : ( فوالله لا تسألوني عن شيء إلا أخبرتكم به ما دمت في مقام هذا ، فقام إليه رجل فقال : أين مدخلي يا رسول الله ؟ قال : ( النار ) فقام عبد الله بن حذافة وكان إذ لا حى يدعى إلى غير أبيه ، فقال من أبي يا رسول الله ؟ فقال : أبوك حذافة . . ( 23 ) .

قال القرطبي : ويحتمل أن تكون الآية نزلت جوابا للجميع ، فيكون السؤال قريبا بعضه من بعض .

المعنى : يا أيها الذين آمنوا بالله حق الإيمان ، لا تسألوا نبيكم صلى الله عليه وآله وسلم أو غيره عن أشياء تتعلق بالعقيدة أو بالأحكام الشرعية أو بغيرها ، هذه الأشياء ( إن تبد لكم وتظهر ) ( تسؤكم ) أي تغمكم وتحزنكم وتندموا على السؤال عنها لما يترتب عليها من إحراجكم ومن المشقة عليكم ، ومن الفضيحة لبعضكم .

فالآية كما يقول ابن كثير : تأديب من الله لعباده المؤمنين ، ونهى لهم عن أن يسألوا عن أشياء مما لا فائدة لهم في السؤال والتنقيب عنها ، لأنها إذا ظهرت لهم تلك الأمور ربما سائتهم وشق عليهم سماعها ، كما جاء في الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال : ( لا يبلغني أحد عن أحد شيئا ، فإني أحب أن أخرج إليكم وأنا سليم الصدر ) .

وإن تسألوا عنها حين ينزل القرآن تبد لكم .

والسؤال نوعان : سؤال يمكن الاستغناء عنه وسؤال يحتاج الإنسان إلى معرفته فيما يتعلق بتفصيل أحكام نزل بها القرآن الكريم أو شرح لها .

والمعنى لا تكثروا أيها المؤمنون من الأسئلة التي لا خير لكم في السؤال عنها ، وإن تسألوا عن أشياء نزل بها القرآن مجملة ، فتطلبوا بيانها لكم حينئذ لاحتياجكم إليها .

من تفسير القرطبي :

قال القرطبي : قوله تعالى : وإن تسألوا عنها حين ينزل القرآن تبد لكم . فيه غموض . وذلك أن في أول الآية النهي عن السؤال ، ثم قال : وإن تسألوا . . . إلخ . فأباحه لهم فقيل : إن المعنى وإن تسألوا عن غيرها فيما مست الحاجة إليه ، فحذف المضاف ، ولا يصح حمله على غير الحذف .

قال الجرجاني : الكناية في ( عنها ) ترجع إلى أشياء أخر ، كقوله تعالى : ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين يعني آدم ، ثم قال : ثم جعلناه نطفة أي : ابن آدم ، لأن آدم لم يجعل نطفة في قرار مكين ، لكن لما ذكر الإنسان وهو آدم دل على إنسان مثله ، وعرف ذلك بقرينة الحال .

فالمعنى : وإن تسألوا عن أشياء – أخر – حين ينزل القرآن من تحريم او تحليل أو حكم ، أو مست حاجتكم إلى التفسير ، فإذا سألتم فحينئذ تبد لكم فقد أباح – سبحانه – هذا النوع من السؤال ( 24 ) .

عفا الله عنها . أي هناك اشياء سكت عنها القرآن ، ولم يكلفكم فيها بشيء ، فلا تسألوا عنها ، ولكن إن سألتم عنها ينزل عليكم التكليف بحكمها ، أي فلا تكثروا من السؤال ( 25 ) .

قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ( أعظم المسلمين في المسلمين جرما من سأل عن شيء لم يحرم ، فيحرم من أجل مسألته ) ( 26 ) .

والله غفور حليم . والله واسع المغفرة والحلم والصفح ولذا لم يكلفكم بما يشق عليكم ، ولم يؤاخذكم بما فرط منكم من أقوال وأعمال قبل النهي عنها .