النكت و العيون للماوردي - الماوردي  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تَسۡـَٔلُواْ عَنۡ أَشۡيَآءَ إِن تُبۡدَ لَكُمۡ تَسُؤۡكُمۡ وَإِن تَسۡـَٔلُواْ عَنۡهَا حِينَ يُنَزَّلُ ٱلۡقُرۡءَانُ تُبۡدَ لَكُمۡ عَفَا ٱللَّهُ عَنۡهَاۗ وَٱللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٞ} (101)

قوله تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا لاَ تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَآءَ إِن تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ }

اختلف أهل التأويل في سبب نزول هذه الآية على ثلاثة أقوال :

أحدها : ما روى أنس بن مالك قال : سأل الناس رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى ألحفوه بالمسألة ، فصعد المنبر ذات يوم فقال : " لاَ تَسْأَلُونِي عَنْ شَيءٍ إِلاَّ بَيَّنْتُ لَكُمْ " قال أنس : فجعلت أنظر يميناً وشمالاً فأرى كل الناس لافّاً ثوبه في رأسه يبكي ، فسار رجل كان إذا لاحى يدعى إلى غير أبيه فقال : يا رسول الله مَنْ أبي ؟ فقال : " أَبُوكَ حُذَافَةُ{[828]} " فأنشأ عمر فقال : رضينا بالله رباً وبالإِسلام ديناً وبمحمد عليه السلام رسولاً عائذاً بالله من سوء الفتن ، فأنزل الله تعالى : { لاَ تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَآءَ إِن تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ } .

والثاني : ما روى الحسن بن واقد عن محمد بن زياد عن أبي هريرة قال : خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : " أَيهَا النَّاسُ كَتبَ اللَّهُ عَلَيكُمُ الحَجَّ فَحجوا " فقام محصن الأسدي وقال : في كل عام يا رسول الله ؟ فقال : " أَمَا إِنِّي لَوْ قُلتُ نَعَمْ لَوَجَبَتْ ، وَلَوْ وَجَبَتْ ثُمَّ تَرَكْتُم لَضَلِلتُمْ ، اسْكتُوا عَنِّي مَا سَكَتُّ عَنْكُمْ ، فَإِنَّمَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبَْلَكُمْ بِكَثْرَةِ سُؤَالِهِمْ واخْتِلاَفِهِم عَلَى أَنْبِيائِهِمْ " فأنزل الله تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا لاَ تَسْأَلُوا . . . } .

والثالث : أنها نزلت في قوم سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم على البحيرة والسائبة والوصيلة والحام ، قاله ابن عباس .

{ وَإِن تَسْأَلُوا عَنْهَا حِينَ يُنَزَّلُ القُرءَانُ تُبْدَ لَكُمْ } جعل نزول القرآن عند السؤال موجباً بتعجيل الجواب .

{ عَفَا اللَّهُ عَنْهَا } فيها قولان :

أحدهما : عن المسألة .

والثاني : عن الأشياء التي سألوا عنها .


[828]:-السائل هو عبد الله بن حذافة السهمي وكانت فيه دعابة. وعند ذلك قالت أمه: هل أمنت أن تكون أمك قارفت ما يقارف نساء الجاهلية فتفضحها على أعين الناس: فقال: والله لو ألحقني بعبد أسود للحقت به. (أنظر تفسير القرطبي 6/ 330).