{ قل هو الله أحد } ، روى أبو العالية عن أبي بن كعب أن المشركين قالوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم : انسب لنا ربك ، فأنزل الله تعالى هذه السورة . وروى أبو ظبيان ، وأبو صالح ، عن ابن عباس : " أن عامر بن الطفيل وأربد بن ربيعة أتيا النبي صلى الله عليه وسلم فقال عامر : إلام تدعونا يا محمد ؟ قال : إلى الله ، قال : صفه لنا ، أمن ذهب هو ؟ أم من فضة ؟ أم من حديد ؟ أم من خشب ؟ فنزلت هذه السورة . فأهلك الله أربد بالصاعقة ، وعامر بن الطفيل بالطاعون " ، ذكرناه في سورة الرعد .
وقال الضحاك ، وقتادة ومقاتل : " جاء ناس من أحبار اليهود إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا : صف لنا ربك يا محمد ، لعلنا نؤمن بك ، فإن الله أنزل نعته في التوراة ، فأنبأنا من أي شيء هو ؟ وهل يأكل ويشرب ؟ ومن يرث السماء ؟ ومن يرث الأرض ؟ فأنزل الله هذه السورة { قل هو الله أحد } ، أي واحد . ولا فرق بين الواحد والأحد ، يدل عليه قراءة ابن مسعود : " قل هو الله الواحد " .
{ 1 - 4 } { بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ }
أي { قُلْ } قولًا جازمًا به ، معتقدًا له ، عارفًا بمعناه ، { هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ } أي : قد انحصرت فيه الأحدية ، فهو الأحد المنفرد بالكمال ، الذي له الأسماء الحسنى ، والصفات الكاملة العليا ، والأفعال المقدسة ، الذي لا نظير له ولا مثيل .
ذكر سبب نزولها وفضيلتها{[1]}
قال الإمام أحمد : حدثنا أبو سعد محمد بن مُيَسّر الصاغاني ، حدثنا أبو جعفر الرازي ، حدثنا الربيع بن أنس ، عن أبي العالية ، عن أبيّ بن كعب : أن المشركين قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم : يا محمد ، انسب لنا ربك ، فأنزل الله : { قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ اللَّهُ الصَّمَدُ لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُو لَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ }{[2]} .
وكذا رواه الترمذي ، وابن جرير ، عن أحمد بن منيع - زاد ابن جرير : ومحمود بن خِدَاش - عن أبي سعد محمد بن مُيَسّر به{[3]} - زاد ابن جرير والترمذي - قال : { الصَّمَدُ } : الذي لم يلد ولم يولد ؛ لأنه ليس شيء يولد إلا سيموت ، وليس شيء يموت إلا سيورث ، وإن الله جل جلاله لا يموت ولا يورث ، { وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ } ولم يكن له شبه{[4]} ولا عدل ، وليس كمثله شيء .
ورواه ابن أبي حاتم ، من حديث أبي سعد{[5]} محمد بن مُيَسّر ، به . ثم رواه الترمذي عن عبد بن حميد ، عن عبيد الله بن موسى ، عن أبي جعفر ، عن الربيع ، عن أبي العالية ، فذكره مرسلا ولم يذكر " أخبرنا " . ثم قال الترمذي : هذا أصح من حديث أبي سعد{[6]} .
حديث آخر في معناه : قال الحافظ أبو يعلى الموصلي : حدثنا سُرَيج{[7]} بن يونس ، حدثنا إسماعيل بن مجالد ، عن مجالد ، عن الشعبي ، عن جابر : أن أعرابيًا جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال : انسب لنا ربك . فأنزل الله ، عز وجل : { قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ } إلى آخرها . إسناده مقارب{[8]} .
وقد رواه ابن جرير عن محمد بن عوف ، عن سُرَيج{[9]} فذكره{[10]} . وقد أرسله غير واحد من السلف .
وروى عُبيد بن إسحاق العطار ، عن قيس بن الربيع ، عن عاصم ، عن أبي وائل ، عن ابن مسعود قال : قالت قريش لرسول الله صلى الله عليه وسلم : انسب لنا ربك ، فنزلت هذه السورة : { قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ } .
قال الطبراني : رواه الفريابي وغيره ، عن قيس ، عن أبي عاصم ، عن أبي وائل ، مرسلا{[11]} .
ثم رَوَى الطبراني من حديث عبد الرحمن بن عثمان الطائفي ، عن الوازع بن نافع ، عن أبي سلمة ، عن أبي هُرَيرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لكل شيء نسبة ، ونسبة الله : { قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ اللَّهُ الصَّمَدُ } ، والصمد ليس بأجوف ] " {[12]} {[13]} .
حديث آخر في فضلها : قال البخاري : حدثنا محمد - هو الذُهليّ - حدثنا أحمد بن صالح ، حدثنا ابن وهب ، أخبرنا عمرو ، عن ابن أبي هلال : أن أبا الرجال مُحمد بن عبد الرحمن حَدثه ، عن أمه عَمْرَةَ بنت عبد الرحمن - وكانت في حِجْر عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم - عن عائشة : أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث رجلا على سَريَّة ، وكان يقرأ لأصحابه في صلاتهم ، فيختم ب { قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ } فلما رجعوا ذكروا ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم ، فقال : " سلوه : لأيّ شيء يصنع ذلك ؟ " . فسألوه ، فقال : لأنها صفة الرحمن ، وأنا أحب أن أقرأ بها . فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " أخبروه أن الله تعالى يحبه " .
هكذا رواه في كتاب " التوحيد " {[14]} . ومنهم من يسقط ذكر " محمد الذّهلي " . ويجعله من روايته عن أحمد بن صالح . وقد رواه مسلم والنسائي أيضًا من حديث عبد الله بن وهب ، عن عمرو بن الحارث ، عن سعيد بن أبي هلال ، به{[15]} .
حديث آخر : قال البخاري في كتاب الصلاة : " وقال عُبَيد الله{[16]} عن ثابت ، عن أنس قال : كان رجل من الأنصار يَؤمَهم في مسجد قُبَاء ، فكان كلما افتتح سورة يقرأ بها لهم في الصلاة مما يقرأ به افتتح ب { قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ } حتى يَفرُغ منها ، ثم يقرأ سورة أخرى معها ، وكان يصنع ذلك في كل ركعة . فكلَّمه أصحابه فقالوا : إنك تفتتح بهذه السورة ثم لا ترى أنها تُجزئُك حتى تقرأ بالأخرى ، فإما أن تقرأ بها ، وإما أن تدعها وتَقرأ بأخرى . فقال : ما أنا بتاركها ، إن أحببتم أن أؤمكم بذلك فعلت ، وإن كرهتم تركتكم . وكانوا يَرَونَ أنه من أفضلهم ، وكرهوا أن يَؤمهم غيره . فلما أتاهم النبي صلى الله عليه وسلم أخبروه الخبر ، فقال : " يا فلان ، ما يمنعك أن تفعل ما يأمرك به أصحابك ؟ وما حملك على لزوم هذه السورة في كل ركعة ؟ " . قال : إني أحبها . قال : " حُبك إياها أدخلك الجنة " {[17]} .
هكذا رواه البخاري تعليقًا مجزومًا به . وقد رواه أبو عيسى الترمذي في جامعه ، عن البخاري ، عن إسماعيل بن أبي أويس ، عن عبد العزيز بن محمد الدراوردي ، عن عُبَيد الله بن عمر ، فذكر بإسناده مثله سواء {[18]} . ثم قال الترمذي : غريب من حديث عبيد الله ، عن ثابت . قال : وروى مُبَارك بن فَضالة ، عن ثابت ، عن أنس ، أن رجلا قال : يا رسول الله ، إني أحب هذه السورة : { قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ } قال : " إن حُبَّك إياها أدخلك الجنة " .
وهذا الذي علقه الترمذي قد رواه الإمام أحمد في مسنده متصلا فقال : حدثنا أبو النضر ، حدثنا مبارك بن فضالة ، عن ثابت ، عن أنس قال : جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : إني أحب هذه السورة : { قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ } فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " حبك{[19]} إياها أدخلك الجنة " {[20]} .
حديث في كونها تعدل ثلث القرآن : قال البخاري : حدثنا إسماعيل ، حدثني مالك ، عن عبد الرحمن بن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي صَعْصَعَة ، عن أبيه ، عن أبي سعيد . أن رجلا سمع رَجُلا يقرأ : { قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ } يرددها ، فلما أصبح جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فذكر ذلك له ، وكأن الرجل يتقالّها ، فقال النبي{[21]} صلى الله عليه وسلم : " والذي نفسي بيده ، إنها لتعدل ثلث القرآن " . زاد إسماعيل بن جعفر ، عن مالك ، عن عبد الرحمن بن عبد الله ، عن أبيه ، عن أبي سعيد قال : أخبرني أخي قتادة بن النعمان ، عن النبي صلى الله عليه وسلم{[22]} .
وقد رواه البخاري أيضا عن عبد الله بن يوسف ، والقَعْنَبِيّ . ورواه أبو داود عن القعنبي ، والنسائي عن قتيبة ، كلهم عن مالك ، به{[23]} . وحديث قتادة بن النعمان أسنده النسائي من طريقين ، عن إسماعيل بن جعفر ، عن مالك ، به{[24]} .
حديث آخر : قال البخاري : حدثنا عُمَر بن حفص ، حدثنا أبي ، حدثنا الأعمش ، حدثنا إبراهيم والضحاك المَشْرِقيّ ، عن أبي سعيد قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه : " أيعجز أحدكم أن يقرأ ثلث القرآن في ليلة ؟ " . فشق ذلك عليهم وقالوا : أينا يُطيق ذلك يا رسول الله ؟ فقال : " الله الواحد الصمد ثلث القرآن " {[25]} .
تفرد بإخراجه البخاري من حديث إبراهيم بن يزيد النَّخعي والضحاك بن شُرَحبيل الهمداني المشرقي ، كلاهما عن أبي سعيد ، قال القَرَبرِيّ : سمعت أبا جعفر محمد بن أبي حاتم وراقُ أبي عبد الله قال : قال أبو عبد الله البخاري : عن إبراهيم مرسل ، وعن الضحاك مسند{[26]} .
حديث آخر : قال الإمام أحمد : حدثنا يحيى بن إسحاق ، حدثنا ابن لَهِيعَة ، عن الحارث بن يزيد ، عن أبي الهيثم ، عن أبي سعيد الخدري قال : بات قتادة بن النعمان يقرأ الليل كله ب{ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ } فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم ، فقال : " والذي نفسي بيده ، لَتَعدلُ نصف القرآن ، أو ثلثه " {[27]} .
حديث آخر : قال الإمام أحمد : حدثنا حسن ، حدثنا ابن لهيعة ، حدثنا حُييّ بن عبد الله ، عن أبي عبد الرحمن الحُبُلي ، عن عبد الله بن عمرو : أن أبا أيوب الأنصاري كان في مجلس وهو يقول : ألا يستطيع أحدكم أن يقوم بثلث القرآن كل ليلة ؟ فقالوا : وهل يستطيع ذلك أحد ؟ قال : فإن { قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ } ثلث القرآن . قال : فجاء النبي صلى الله عليه وسلم وهو يسمع أبا أيوب ، فقال : " صدق أبو أيوب " {[28]} .
حديث آخر : قال أبو عيسى الترمذي : حدثنا محمد بن بشار ، حدثنا يحيى بن سعيد ، حدثنا يزيد بن كيسَان ، أخبرني أبو حَازم ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " احشُدوا ، فإني سأقرأ عليكم ثلث القرآن " . فحشد من حشد ، ثم خرج نبي الله صلى الله عليه وسلم فقرأ : { قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ } ثم دخل فقال بعضنا لبعض : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " فإني سأقرأ عليكم ثلث القرآن " . إني لأرى هذا خبرًا جاء من السماء ، ثم خرج نبي الله صلى الله عليه وسلم فقال : " إني قلت : سأقرأ عليكم ثلث القرآن ، ألا وإنها تعدل ثلث القرآن " .
وهكذا رواه مسلم في صحيحه ، عن محمد بن بشار ، به{[29]} وقال الترمذي : حسن صحيح غريب ، واسم أبي حازم سلمان .
حديث آخر : قال الإمام أحمد : حدثنا عبد الرحمن بن مهدي ، عن زائدة بن قُدَامة ، عن منصور ، عن هلال بن يَساف ، عن الربيع بن خُثَيم{[30]} عن عمرو بن ميمون ، عن عبد الرحمن ابن أبي ليلى ، عن امرأة من الأنصار ، عن أبي أيوب ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " أيعجز أحدكم أن يقرأ ثلث القرآن في ليلة ؟ فإنه من قرأ : { قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ اللَّهُ الصَّمَدُ } في ليلة ، فقد قرأ ليلتئذ ثلث القرآن " .
هذا حديث تُسَاعيّ الإسناد للإمام أحمد . ورواه الترمذي والنسائي ، كلاهما عن محمد بن بشار {[31]} بندار -زاد الترمذي وقتيبة-كلاهما عن عبد الرحمن بن مهدي ، به{[32]} . فصار لهما عُشَاريا . وفي رواية الترمذي : " عن امرأة أبى أيوب ، عن أبي أيوب " ، به [ وحسنه ]{[33]} . ثم قال : وفي الباب عن أبي الدرداء ، وأبي سعيد ، وقتادة بن النعمان ، وأبي هريرة ، وأنس ، وابن عمر ، وأبي مسعود . وهذا حديث حسن ، ولا نعلم أحدًا رَوَى هذا الحديث أحسن من رواية " زائدة " . وتابعه على روايته إسرائيل ، والفضيل بن عياض . وقد رَوَى شُعبةُ وغيرُ واحد من الثقات هذا الحديث عن منصور واضطربوا فيه .
حديث آخر : قال أحمد : حدثنا هُشَيْم ، عن حُصَين ، عن هلال بن يَسَاف ، عن عبد الرحمن ابن أبي ليلى ، عن أبيّ بن كعب -أو : رجل من الأنصار-قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من قرأ ب{ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ }فكأنما قرأ بثلث القرآن " {[34]} .
ورواه النسائي في " اليوم والليلة " ، من حديث هُشَيم ، عن حُصَين ، عن ابن أبي ليلى ، به{[35]} . ولم يقع في روايته : هلال بن يساف .
حديث آخر : قال الإمام أحمد : حدثنا وَكيع ، عن سفيان ، عن أبي قيس{[36]} عن عمرو بن ميمون ، عن أبي مسعود قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " { ُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ } تعدُل ثلث القرآن " {[37]} .
وهكذا رواه ابن ماجة ، عن علي بن محمد الطَّنافسي ، عن وَكيع ، به {[38]} . ورواه النسائي في " اليوم والليلة " من طرق أخر ، عن عمرو بن ميمون ، مرفوعًا وموقوفًا{[39]} .
حديث آخر : قال الإمام أحمد : حدثنا بَهْز ، حدثنا بُكَير بن أبي السَّميط{[40]} حدثنا قتادة ، عن سالم بن أبي الجعد ، عن مَعْدَان بن أبي طلحة ، عن أبي الدّرداء ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " أيعجزُ أحدُكم أن يَقرأ كلّ يوم ثلث القرآن ؟ " . قالوا : نعم يا رسول الله ، نحن أضعفُ من ذلك وأعجز . قال : " فإن الله جَزأ القرآن ثلاثة أجزاء ، ف { قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ } ثلث القرآن " .
ورواه مسلم والنسائي ، من حديث قتادة ، به{[41]} .
حديث آخر : قال الإمام أحمد : حدثنا أمية بن خالد ، حدثنا محمد بن عبد الله بن مسلم -ابن أخي ابن شهاب -عن عمه الزهري ، عن حُمَيد بن عبد الرحمن -هو ابن عوف-عن أمه -وهي : أم كلثوم بنت عقبة{[42]} بن أبي مُعَيط -قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " { قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ } تَعدلُ ثُلُثَ القرآن " .
وكذا رواه النسائي في " اليوم والليلة " ، عن عمرو بن علي ، عن أمية بن خالد ، به {[43]} . ثم رواه من طريق مالك ، عن الزهري ، عن حُمَيد بن عبد الرحمن ، قوله {[44]} . ورواه النسائي أيضا في " اليوم والليلة " من حديث محمد بن إسحاق ، عن الحارث بن الفُضَيل الأنصاري ، عن الزهري ، عن حُمَيد بن عبد الرحمن : أن نَفَرًا من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم حَدثوه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : { قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ } تَعدلُ ثُلُثَ القرآن لمن صلى بها " {[45]} .
حديث آخر في كون قراءتها توجب الجنة : قال الإمام مالك بن أنس ، عن عبيد الله بن عبد الرحمن ، عن عُبيد بن حُنَين قال : سمعت أبا هريرة يقول : أقبلت مع النبي صلى الله عليه وسلم ، فسمع رجلا يقرأ { قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ } فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " وَجَبَتْ " . قلت : وما وَجَبت ؟ قال : " الجنة " .
ورواه الترمذي والنسائي ، من حديث مالك {[46]} . وقال الترمذي : حسن صحيح غريب ، لا نعرفه إلا من حديث مالك .
وتقدم حديث : " حُبّك إياها أدخلك الجنة " .
قال الحافظ أبو يعلى الموصلي : حدثنا قَطن بن نُسير ، حدثنا عيسى ابن ميمون القرشي ، حدثنا يزيد الرقاشي ، عن أنس قال : سمعت رسول الله{[47]} صلى الله عليه وسلم يقول : " أما يستطيع أحدكم أن يقرأ : { قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ } ثلاث مرات في ليلة {[48]}فإنها تعدلُ ثلث القرآن ؟ " {[49]}
هذا إسناد ضعيف ، وأجود منه حديث آخر ، قال عبد الله بن الإمام أحمد :
حدثنا محمد بن أبي بكر المُقَدمي ، حدثنا الضحاك بن مخلد ، حدثنا ابن أبي ذئب ، عن أسيدُ ابن أبي أسيد ، عن معاذ بن عبد الله بن خُبيب ، عن أبيه قال : أصابنا طَش وظلمة ، فانتظرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي بنا ، فخرج فأخذ بيدي ، فقال : " قل " . فسكت . قال : " قل " . قلت : ما أقول ؟ قال : " { قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ } والمعوذتين حين تمسي وحين تصبح ثلاثًا ، تكفك كل يوم مرتين " .
ورواه أبو داود والترمذي والنسائي ، من حديث ابن أبي ذئب ، به{[50]} . وقال الترمذي : حسن صحيح غريب من هذا الوجه . وقد رواه النسائي من طريق أخرى ، عن معاذ بن عبد الله بن خبيب ، عن أبيه ، عن عقبة بن عامر ، فذكره [ ولفظه : " يكفك كل شيء " ] {[51]}{[52]} .
حديث آخر في ذلك : قال الإمام أحمد : حدثنا إسحاق بن عيسى ، حدثنا ليث بن سعد ، حدثني الخليل بن مرة ، عن الأزهر بن عبد الله ، عن تميم الداري قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من قال : لا إله إلا الله واحدًا أحدًا صمدًا ، لم يتخذ صاحبةً ولا ولدًا ، ولم يكن له كفوا أحدا ، عشر مرات ، كُتِب له أربعون ألف ألف حسنة " .
تفرد به أحمد{[53]} والخليل بن مُرّة : ضعفه البخاري وغيره بمُرّة .
حديث آخر : قال أحمد أيضا : حدثنا حسن بن موسى ، حدثنا ابن لَهِيعَة ، حدثنا زَبَّان بن فائد ، عن سهل بن معاذ بن أنس الجهني ، عن أبيه ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " من قرأ { قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ } حتى يختمها ، عشر مرات ، بنى الله له قصرًا في الجنة " . فقال عمر : إذن نستكثر يا رسول الله . فقال صلى الله عليه وسلم : " الله أكثر وأطيب " . تفرد به أحمد {[54]} .
ورواه أبو محمد الدارمي في مسنده فقال : حدثنا عبد الله بن يزيد ، حدثنا حيوة ، حدثنا أبو عقيل زهرة بن معبد-قال الدارمي : وكان من الأبدال -أنه سمع سعيد بن المسيب يقول : إن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال : " من قرأ { قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ } عشر مرات ، بنى الله له قصرًا في الجنة ، ومن قرأها عشرين مرة بنى الله له قصرين في الجنة ، ومن قرأها ثلاثين مرة بنى الله له ثلاثة قصور في الجنة " . فقال عمر بن الخطاب : إذا لتكثر قصورنا ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " الله أوسع من ذلك " {[55]} . وهذا مرسل جيد .
حديث آخر : قال الحافظ أبو يعلى : حدثنا نصر بن علي ، حدثني نوح بن قيس ، أخبرني محمد العطار ، أخبرتني أم كثير الأنصارية ، عن أنس بن مالك ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " من قرأ { قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ } خمسين مرة غُفرت له{[56]} ذنوب خمسين سنة " {[57]} إسناده ضعيف .
حديث آخر : قال أبو يعلى : حدثنا أبو الربيع ، حدثنا حاتم بن ميمون ، حدثنا ثابت ، عن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من قرأ في يوم : { قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ } مائتي مرة ، كتب الله له ألفًا وخمسمائة حسنة إلا أن يكون عليه دين " {[58]} . إسناده ضعيف ، حاتم بن ميمون : ضعفه البخاري وغيره . ورواه الترمذي ، عن محمد بن مرزوق البصري ، عن حاتم بن ميمون ، به . ولفظه : " من قرأ كل يوم ، مائتي مرة : { قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ } محي عنه ذنوب خمسين سنة ، إلا أن يكون عليه دَين " .
قال الترمذي : وبهذا الإسناد عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " من أراد أن ينام على فراشه ، فنام على يمينه ، ثم قرأ :{ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ } مائة مرة ، فإذا كان يوم القيامة يقول له الرب ، عز وجل : يا عبدي ، ادخُل على يمينك الجنة " {[59]} . ثم قال : غريب من حديث ثابت ، وقد رُوي من غير هذا الوجه ، عنه .
وقال أبو بكر البزار : حدثنا سهل بن بحر ، حدثنا حَبّان بن أغلب ، حدثنا أبي ، حدثنا ثابت ، عن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من قرأ : { قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ } مائتي مرة ، حط الله عنه ذنوب مائتي سنة " {[60]} . ثم قال : لا نعلم رواه عن ثابت إلا الحسن بن أبي جعفر ، والأغلب بن تميم وهما متقاربان في سوء الحفظ .
حديث آخر في الدعاء بما تضمنته من الأسماء : قال النسائي عند تفسيرها : حدثنا عبد الرحمن بن خالد ، حدثنا زيد بن الحباب ، حدثني مالك بن مِغْول ، حدثنا عبد الله بن بُرَيدة ، عن أبيه : أنه دخل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم المسجد فإذا رجل يصلي ، يدعو يقول : اللهم ، إني أسألك بأني أشهد أن لا إله إلا أنت ، الأحد الصمد ، الذي لم يلد ولم يولد ، ولم يكن له كفوا أحد . قال : " والذي نفسي بيده ، لقد سأله باسمه الأعظم ، الذي إذا سئل به أعطى ، وإذا دعي به أجاب " {[61]} .
وقد أخرجه بَقِيَّة أصحاب السنن من طُرُق ، عن مالك بن مِغْول ، عن عبد الله بن بُرَيدة ، عن أبيه ، به {[62]} . وقال الترمذي : حسن غريب .
حديث آخر في قراءتها عشر مرات بعد المكتوبة : قال الحافظ أبو يعلى [ الموصلي ] {[63]} : حدثنا عبد الأعلى ، حدثنا بشر بن منصور ، عن عمر بن نبهان{[64]} عن أبي شداد ، عن جابر بن عبد الله قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ثلاث من جاء بِهِنّ مع الإيمان دَخَل من أيّ أبواب الجنة شاء ، وزُوّج من الحور العين حيث شاء : من عفا عن قاتله ، وأدى دينا خفيا ، وقرأ في دبر كل صلاة مكتوبة عشر مرات : { قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ } . قال : فقال أبو بكر : أو إحداهن يا رسول الله ؟ قال : " أو إحداهن " {[65]}
حديث في قراءتها عند دخول المنزل : قال الحافظ أبو القاسم الطبراني : حدثنا محمد بن عبد الله بن بكر السراج العسكري ، حدثنا محمد بن الفرج ، حدثنا محمد بن الزبرقان ، عن مروان بن سالم ، عن أبي زُرْعَة بن{[66]} عمرو بن جرير ، عن جرير بن عبد الله قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من قرأ : { قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ } حين يدخل منزله ، نفت الفقر عن أهل ذلك المنزل والجيران " {[67]} . إسناده ضعيف .
حديث في الإكثار من قراءتها في سائر الأحوال : قال الحافظ أبو يعلى : حدثنا محمد بن إسحاق المسيبي ، حدثنا يزيد بن هارون ، عن العلاء بن {[68]} محمد الثقفي قال : سمعت أنس بن مالك يقول : كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بتبوك ، فطلعت الشمس بضياء وشعاع ونور لم نرها طلعت فيما مضى بمثله ، فأتى جبريل النبي صلى الله عليه وسلم فقال {[69]} : يا جبريل ، ما لي أرى الشمس طلعت اليوم{[70]} بضياء ونور وشعاع لم أرها طلعت بمثله فيما مضى ؟ " . قال : إن ذلك معاوية بن معاوية الليثي ، مات بالمدينة اليوم ، فبعث الله إليه سبعين ألف ملك يصلون عليه . قال : " وفيم ذلك ؟ " قال : كان يكثر قراءة : { قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ } في الليل وفي النهار ، وفي ممشاه ، وقيامه وقعوده ، فهل لك يا رسول الله أن أقبض لك الأرض فتصلي عليه ؟ قال : " نعم " . فصلى عليه .
وكذا رواه الحافظ أبو بكر البيهقي في [ كتاب ] {[71]} دلائل النبوة " من طريق يزيد بن هارون ، عن العلاء أبي{[72]} محمد {[73]} -وهو متهم بالوضع -فالله أعلم .
طريق أخرى : قال أبو يعلى : حدثنا محمد بن إبراهيم الشامي أبو عبد الله ، حدثنا عثمان بن الهيثم -مؤذن مسجد الجامع بالبصرة عندي-عن محمود أبي عبد الله ، {[74]}عن عطاء بن أبي ميمونة ، عن أنس قال : نزل جبريل على النبي صلى الله عليه وسلم فقال : مات معاوية بن معاوية الليثي ، فتحب أن تصلي عليه ؟ قال : " نعم " . فضرب بجناحه الأرض ، فلم تبق شجرة ولا أكمة إلا تضعضعت ، فرفع سريره فنظر إليه ، فكبر عليه وخلفه صفان من الملائكة ، في كل صف سبعون ألف ملك ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " يا جبريل ، بم نال هذه المنزلة من الله تعالى ؟ " . قال بحبه{ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ } ، وقراءته إياها ذاهبًا وجائيًا ، قائمًا{[75]} وقاعدًا ، وعلى كل حال{[76]} .
ورواه البيهقي ، من رواية عثمان بن الهيثم المؤذن ، عن محبوب بن هلال ، عن عطاء بن أبي ميمونة ، عن أنس ، فذكره . وهذا هو الصواب {[77]} ، ومحبوب بن هلال قال أبو حاتم الرازي : " ليس بالمشهور " {[78]} . وقد روي هذا من طرق أخر ، تركناها {[79]} اختصارًا ، وكلها ضعيفة .
حديث آخر في فضلها مع المعوذتين : قال الإمام أحمد : حدثنا أبو المغيرة ، حدثنا معاذ بن رفاعة ، حدثني علي بن يزيد ، عن القاسم ، عن أبي أمامة ، عن عقبة بن عامر قال : لقيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فابتدأته فأخذتُ بيده ، فقلت : يا رسول الله ، بم نجاة المؤمن ؟ قال : " يا عقبة ، احْرُسْ لسانك وليسعك بيتُك ، وابْكِ على خطيئتك " . قال : ثم لقيني رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فابتدأني فأخذ بيدي ، فقال : " يا عقبة بن عامر ، ألا أعلمك خير ثلاث سُوَر أنزلت في التوراة ، والإنجيل ، والزبور ، والقرآن العظيم ؟ " . قال : قلت : بلى ، جعلني الله فداك . قال : فأقرأني : { قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ } و { قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ } و { قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ } ثم قال : " يا عقبة ، لا تَنْسَهُن ، ولا تُبتْ ليلة حتى تقرأهن " . قال : فما نسيتهن منذ قال : " لا تنسهن " ، وما بت ليلة قط حتى أقرأهن . قال عقبة ، ثم لقيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فابتدأته ، فأخذت بيده ، فقلت : يا رسول الله ، أخبرني بفواضل الأعمال . فقال : " يا عقبة ، صِلْ من قطعك ، وأعْطِ من حَرَمَك ، وأعرض {[80]}عمن ظلمك " {[81]}
روى الترمذي بعضه في " الزهد " ، من حديث عُبيد الله بن زحر ، عن علي بن يزيد وقال : هذا حديث حسن{[82]} . وقد رواه أحمد من طريق آخر :
حدثنا حسين بن محمد ، حدثنا ابن عياش ، عن أسيد بن عبد الرحمن الخَثْعَمي ، عن فرْوَة بن مجاهد اللخمي ، عن عقبة بن عامر ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، فذكر مثله سواء . تفرد به أحمد {[83]} .
حديث آخر في الاستشفاء بهن : قال البخاري : حدثنا قتيبة ، حدثنا المفضل ، عن عُقَيل ، عن ابن شهاب ، عن عروة ، عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أوى إلى فراشه كُل ليلة جمع {[84]} كفيه ، ثم نفث فيهما فقرأ فيهما : { قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ } و { قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ } و { قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ } ثم يمسح بهما ما استطاع من جسده ، يبدأ بهما على رأسه ووجهه ، وما أقبل من جسده ، يفعل ذلك ثلاث مرات .
وهكذا رواه أهل السنن ، من حديث عُقَيل ، به{[85]} .
قد تقدم ذكر سبب نزولها . وقال عكرمة : لما قالت اليهود : نحن نعبد عُزيرَ ابن الله . وقالت النصارى : نحن نعبد المسيح ابن الله ، وقالت المجوس : نحن نعبد الشمس والقمر ، وقالت المشركون : نحن نعبد الأوثان ، أنزل الله على رسوله صلى الله عليه وسلم : { قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ }
يعني : هو الواحد الأحد ، الذي لا نظير له ، ولا وزير ، ولا نديد ، ولا شبيه ، ولا عديل ، ولا يُطلَق هذا اللفظ على أحد في الإثبات إلا على الله ، عز وجل ؛ لأنه الكامل في جميع صفاته وأفعاله .