معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{أَفَرَءَيۡتَ مَنِ ٱتَّخَذَ إِلَٰهَهُۥ هَوَىٰهُ وَأَضَلَّهُ ٱللَّهُ عَلَىٰ عِلۡمٖ وَخَتَمَ عَلَىٰ سَمۡعِهِۦ وَقَلۡبِهِۦ وَجَعَلَ عَلَىٰ بَصَرِهِۦ غِشَٰوَةٗ فَمَن يَهۡدِيهِ مِنۢ بَعۡدِ ٱللَّهِۚ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ} (23)

قوله تعالى : { وخلق الله السماوات والأرض بالحق ولتجزى كل نفس بما كسبت وهم لا يظلمون* أفرأيت من اتخذ إلهه هواه } قال ابن عباس والحسن وقتادة : معناه ذلك الكافر اتخذ دينه ما يهواه ، فلا يهوى شيئاً إلا ركبه ؛ لأنه لا يؤمن بالله ولا يخافه ، ولا يحرم ما حرم الله . وقال آخرون : معناه اتخذ معبوده هواه فيعبد ما تهواه نفسه . قال سعيد بن جبير : كانت العرب يعبدون الحجارة والذهب والفضة ، فإذا وجدوا شيئاً أحسن من الأول رموه أو كسروه ، وعبدوا الآخر . قال الشعبي : إنما سمي الهوى ؛ لأنه يهوي بصاحبه في النار . { وأضله الله على علم } منه بعاقبة أمره ، وقيل على ما سبق في علمه أنه ضال قبل أن يخلقه ، { وختم } طبع ، { على سمعه } فلم يسمع الهدى ، { وقلبه } فلم يعقل الهدى ، { وجعل على بصره غشاوةً } قرأ حمزة والكسائي : " غشوة بفتح الغين وسكون الشين ، والباقون ( غشاوة ) ظلمة فهو لا يبصر الهدى ، { فمن يهديه من بعد الله } أي : فمن يهديه بعد أن أضله الله ، { أفلا تذكرون* }

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{أَفَرَءَيۡتَ مَنِ ٱتَّخَذَ إِلَٰهَهُۥ هَوَىٰهُ وَأَضَلَّهُ ٱللَّهُ عَلَىٰ عِلۡمٖ وَخَتَمَ عَلَىٰ سَمۡعِهِۦ وَقَلۡبِهِۦ وَجَعَلَ عَلَىٰ بَصَرِهِۦ غِشَٰوَةٗ فَمَن يَهۡدِيهِ مِنۢ بَعۡدِ ٱللَّهِۚ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ} (23)

{ 23-26 } { أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ * وَقَالُوا مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ وَمَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ * وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ مَا كَانَ حُجَّتَهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا ائْتُوا بِآبَائِنَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ * قُلِ اللَّهُ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يَجْمَعُكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَا رَيْبَ فِيهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ }

يقول تعالى : { أَفَرَأَيْتَ } الرجل الضال الذي { اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ } فما هويه سلكه سواء كان يرضي الله أو يسخطه . { وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ } من الله تعالى أنه لا تليق به الهداية ولا يزكو عليها . { وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ } فلا يسمع ما ينفعه ، { وَقَلْبِهِ } فلا يعي الخير { وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً } تمنعه من نظر الحق ، { فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ } أي : لا أحد يهديه وقد سد الله عليه أبواب الهداية وفتح له أبواب الغواية ، وما ظلمه الله ولكن هو الذي ظلم نفسه وتسبب لمنع رحمة الله عليه { أَفَلَا تَذَكَّرُونَ } ما ينفعكم فتسلكونه وما يضركم فتجتنبونه .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{أَفَرَءَيۡتَ مَنِ ٱتَّخَذَ إِلَٰهَهُۥ هَوَىٰهُ وَأَضَلَّهُ ٱللَّهُ عَلَىٰ عِلۡمٖ وَخَتَمَ عَلَىٰ سَمۡعِهِۦ وَقَلۡبِهِۦ وَجَعَلَ عَلَىٰ بَصَرِهِۦ غِشَٰوَةٗ فَمَن يَهۡدِيهِ مِنۢ بَعۡدِ ٱللَّهِۚ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ} (23)

القول في تأويل قوله تعالى : { أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتّخَذَ إِلََهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلّهُ اللّهُ عَلَىَ عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَىَ سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَىَ بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَن يَهْدِيهِ مِن بَعْدِ اللّهِ أَفَلاَ تَذَكّرُونَ } .

اختلف أهل التأويل في تأويل قوله : أفَرأيْتَ مَنِ اتّخَذَ إلَهَهُ هَوَاهُ ، فقال بعضهم : معنى ذلك : أفرأيت من اتخذ دينه بهواه ، فلا يهوى شيئا إلا ركبه ، لأنه لا يؤمن بالله ، ولا يحرّم ما حَرّمَ ، ولا يحلل ما حَلّلَ ، إنما دينه ما هويته نفسه يعمل به . ذكر من قال ذلك :

حدثني عليّ ، قال : حدثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، في قوله : أفَرأيْتَ مَنِ اتّخَذَ إلَهَهُ هَوَاهُ ، قال : ذلك الكافر اتخذ دينه بغير هدىً من الله ولا برهان .

حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ، في قوله : أفَرأيْتَ مَنِ اتّخَذَ إلَهَهُ هَوَاهُ قال : لا يهوى شيئا إلا ركبه لا يخاف الله .

وقال آخرون : بل معنى ذلك : أفرأيت من اتخذ معبوده ما هويت عبادته نفسه من شيء . ذكر من قال ذلك :

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا يعقوب ، عن جعفر ، عن سعيد ، قال : كانت قريش تعبد العُزّى ، وهو حجر أبيض ، حينا من الدهر ، فإذا وجدوا ما هو أحسن منه طرحوا الأوّل وعبدوا الاخر ، فأنزل الله أفَرَأيْتَ مَنِ اتّخَذَ إلَهَهُ هَوَاهُ .

وأولى التأويلين في ذلك بالصواب قول من قال : معنى ذلك : أفرأيت يا محمد من اتخذ معبوده هواه ، فيعبد ما هوي من شيء دون إله الحقّ الذي له الألوهة من كلّ شيء ، لأن ذلك هو الظاهر من معناه دون غيره .

وقوله : وأضَلّهُ اللّهُ على عِلْمٍ يقول تعالى ذكره : وخذله عن محجة الطريق ، وسبيل الرشاد في سابق علمه على علم منه بأنه لا يهتدي ، ولو جاءته كل آية . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثني عليّ ، قال : حدثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس وأضَلّهُ اللّهُ على عِلْمٍ يقول : أضله الله في سابق علمه .

وقوله : وَخَتَمَ على سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ يقول تعالى ذكره : وطَبَعَ على سمعه أن يسمع مواعظ الله وآي كتابه ، فيعتبر بها ويتدبرها ، ويتفكر فيها ، فيعقل ما فيها من النور والبيان والهُدى .

وقوله : وَقَلْبِهِ يقول : وطبع أيضا على قلبه ، فلا يعقل به شيئا ، ولا يعي به حقا .

وقوله : وَجَعَلَ على بَصَرِهِ غَشاوَةً يقول : وجعل على بصره غشاوة أن يبصر به حجج الله ، فيستدلّ بها على وحدانيته ، ويعلم بها أن لا إله غيره .

واختلفت القرّاء في قراءة قوله : وَجَعَلَ على بَصَرِهِ غِشاوَةً فقرأته عامة قرّاء المدينة والبصرة وبعض قرّاء الكوفة غِشاوَةً بكسر الغين وإثبات الألف فيها على أنها اسم ، وقرأ ذلك عامة قرّاء الكوفة «غَشْوَةً » بمعنى : أنه غشاه شيئا في دفعة واحدة ، ومرّة واحدة ، بفتح الغين بغير ألف ، وهما عندي قراءتان صحيحتان فبأيتهما قرأ القارىء فمصيب .

وقوله : فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللّهِ يقول تعالى ذكره : فمن يوفّقه لإصابة الحقّ ، وإبصار محجة الرشد بعد إضلال الله إياه أفَلا تَذَكّرُونَ أيها الناس ، فتعلموا أن من فعل الله به ما وصفنا ، فلن يهتدي أبدا ، ولن يجد لنفسه وليا مرشدا .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{أَفَرَءَيۡتَ مَنِ ٱتَّخَذَ إِلَٰهَهُۥ هَوَىٰهُ وَأَضَلَّهُ ٱللَّهُ عَلَىٰ عِلۡمٖ وَخَتَمَ عَلَىٰ سَمۡعِهِۦ وَقَلۡبِهِۦ وَجَعَلَ عَلَىٰ بَصَرِهِۦ غِشَٰوَةٗ فَمَن يَهۡدِيهِ مِنۢ بَعۡدِ ٱللَّهِۚ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ} (23)

{ أفرأيت من اتخذ إلهه هواه } ترك متابعة الهدى إلى متابعة الهوى فكأنه يعبده ، وقرئ " آلهة هواه " لأنه كان أحدهم يستحسن حجرا فيعبده فإذا رأى أحسن منه رفضه إليه ، { وأضله الله } وخذله . { على علم } عالما بضلاله وفساد جوهر روحه . { وختم على سمعه وقلبه } فلا يبالي بالمواعظ ولا يتفكر في الآيات . { وجعل على بصره غشاوة } فلا ينظر بعين الاستبصار والاعتبار ، وقرأ حمزة والكسائي " غشوة " . { فمن يهديه من بعد الله } من بعد إضلاله . { أفلا تذكرون } وقرئ " تتذكرون " .