وقوله سبحانه : { أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتخذ إلهه هَوَاهُ } الآيَة : تسليةٌ للنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أي : لا تَهْتَمَّ بأمر الكَفَرَةِ من أجل إعراضهم عن الإيمان ، وقوله : { إلهه هَوَاهُ } إشارة إلى الأصنام ؛ إذ كانوا يعبدون ما يَهْوَوْنَ من الحجارة ، وقال قتادة : المعنى : لا يَهْوَى شيئاً إلا رَكِبَهُ ، لا يخافُ اللَّه ؛ فهذا كما يقال : الهوى إله مَعْبُودٌ ، وهذه الآية وإنْ كانت نزلَتْ في هَوَى الكُفْر ؛ فهِي مُتَنَاوِلَةٌ جميعَ هوى النفس الأَمَّارَةِ ؛ قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم : " وَالْعَاجِزُ مَنْ أَتْبَعَ نَفْسَهُ هَوَاهَا ، وتمنى عَلَى اللَّهِ " ، وقال سَهْلٌ التُّسْتَرِيُّ : هَوَاكَ دَاؤُكَ ؛ فَإنْ خَالَفْتَهُ فَدَوَاؤُك ، وقال وهْبٌ : إذا عَرَضَ لك أمران ، وشككْتَ في خَيْرِهِمَا ، فانظر أَبْعَدَهُمَا مِنْ هَوَاكَ فَأْتِهِ ؛ ومن الحكمة في هذا قول القائل :
إذَا أَنْتَ لَمْ تَعْصِ الهوى قَادَكَ الهوى *** إلى كُلِّ مَا فيهِ عَلَيْكَ مَقَالُ
قال الشيخ ابن أبي جَمْرَةَ : قولُهُ صلى الله عليه وسلم : " فَيُقَالُ : مَنْ كَانَ يَعْبُدُ شَيْئاً فَلِيَتْبَعْهُ " شيئاً يعم جَمِيعَ الأشياء ، مُدْرَكَةً كانَتْ أو غَيْرَ مُدْرَكَةٍ ، فالمُدْرَكُ : كالشمس والقمر ، وَغَيْرُ المُدْرَكِ ، مِثْلُ : الملائكة والهوى ؛ لقوله عزَّ وجَلَّ : { أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتخذ إلهه هَوَاهُ } ، وما أشبه ذلك ، انتهى . قال القُشَيْرِيُّ في رسالته : وحُكِيَ عن أبي عمران الواسطيِّ قال : انكسرت بنا السفينةُ ، فَبَقِيتُ أنا وامرأتي على لَوْحٍ ، وقد وَلَدَتْ في تِلْكَ الحَالِ صَبِيَّة ، فصَاحَتْ بي ، وقالت : يَقْتُلُنِي العَطَشُ ، فقلْتُ : هو ذا يرى حالَنَا ، فرفعتُ رَأْسِي ، فإذا رجُلٌ في الهواء جالِسٌ في يده سِلْسِلَةٌ من ذَهَبٍ ، وفيها كُوزٌ من ياقُوتٍ أَحْمَرَ ، فقال : هَاكَ ، اشربا ، قال : فأخذتُ الكُوزَ فَشَرِبْنَا منه ، فإذا هو أطيبُ مِنَ المِسْكِ ، وأبردُ مِنَ الثَّلْجِ ، وأحلى من العَسَلِ ، فقلت : مَنْ أَنْتَ رَحِمَكَ اللَّه ؟ فقال : عبدٌ لمولاكَ ، فقلْتُ له : بِمَ وَصَلْتَ إلى هذا ؟ فقال : تركْتُ هَوَايَ لمَرْضَاتِهِ ، فأجلَسَنِي في الهواء ، ثُمَّ غَابَ عَنِّي ، ولم أره ، انتهى .
وقوله تعالى : { على عِلْمٍ } قال ابن عباس : المعنى : على عِلْمٍ من اللَّه تعالى سَابِقٍ ، وقالت فرقة : أي : على عِلْمٍ من هذا الضَّالِّ بتَرْكِهِ للحَقِّ وإعراضِهِ عنه ، فتكُونُ الآية على هذا التأويل من آيات العِنَادِ ؛ من نحو قوله : { وَجَحَدُواْ بِهَا واستيقنتها أَنفُسُهُمْ } [ النمل : 14 ] .
وقوله تعالى : { وَخَتَمَ على سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ على بَصَرِهِ غشاوة } استعاراتٌ كُلُّهَا .
وقوله : { مِن بَعْدِ الله } فِيهِ حَذْفُ مضافٍ ، تقديره : مِنْ بعدِ إضلالِ اللَّهِ إيَّاه .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.