معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{قُلۡ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ} (1)

مقدمة السورة:

سورة الإخلاص

مكية ، وآياتها أربع .

{ قل هو الله أحد } ، روى أبو العالية عن أبي بن كعب أن المشركين قالوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم : انسب لنا ربك ، فأنزل الله تعالى هذه السورة . وروى أبو ظبيان ، وأبو صالح ، عن ابن عباس : " أن عامر بن الطفيل وأربد بن ربيعة أتيا النبي صلى الله عليه وسلم فقال عامر : إلام تدعونا يا محمد ؟ قال : إلى الله ، قال : صفه لنا ، أمن ذهب هو ؟ أم من فضة ؟ أم من حديد ؟ أم من خشب ؟ فنزلت هذه السورة . فأهلك الله أربد بالصاعقة ، وعامر بن الطفيل بالطاعون " ، ذكرناه في سورة الرعد .

وقال الضحاك ، وقتادة ومقاتل : " جاء ناس من أحبار اليهود إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا : صف لنا ربك يا محمد ، لعلنا نؤمن بك ، فإن الله أنزل نعته في التوراة ، فأنبأنا من أي شيء هو ؟ وهل يأكل ويشرب ؟ ومن يرث السماء ؟ ومن يرث الأرض ؟ فأنزل الله هذه السورة { قل هو الله أحد } ، أي واحد . ولا فرق بين الواحد والأحد ، يدل عليه قراءة ابن مسعود : " قل هو الله الواحد " .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{قُلۡ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ} (1)

مقدمة السورة:

بسم الله الرحمن الرحيم

تفسير سورة الإخلاص

مقدمة وتمهيد

1- سورة " الإخلاص " من السور ذات الأسماء المتعددة ، وقد ذكر لها الجمل في حاشيته عشرين اسما ، منها أنها تسمى سورة التفريد ، والتجريد ، والتوحيد ، والنجاة ، والولاية ، والمعرفة ، والصمد ، والأساس ، والمانعة ، والبراءة . . ( {[1]} ) .

2- وقد ورد في فضلها أحاديث متعددة ، منها ما أخرجه البخاري عن أبي سعيد الخدري ، أن رجلا سمع رجلا يقرأ هذه السورة ، ويرددها ، فلما أصبح ذكر للنبي صلى الله عليه وسلم فقال : " والذي نفسي بيده إنها لتعدل ثلث القرآن " ( {[2]} ) .

قال بعض العلماء : ومعنى هذا الحديث : أن القرآن أنزل على ثلاثة أقسام : ثلث منها الأحكام ، وثلث منها وعد ووعيد ، وثلث منها الأسماء والصفات ، وهذه السورة جمعت الأسماء والصفات .

3- وقد ذكروا في سبب نزولها روايات منها : أن المشركين قالوا : يا محمد ، انسب لنا ربك ، فأنزل الله –تعالى- هذه السورة الكريمة . . ( {[3]} ) .

وجمهور العلماء على أنها السورة الثانية والعشرون في ترتيب النزول . ويرى بعضهم أنها مدنية ، والأول أرجح ؛ لأنها جمعت أصل التوحيد ، وهذا المعنى غالب في السور المكية .

وعدد آياتها خمس آيات في المصحف الحجازي والشامي ، وأربع آيات في الكوفي والبصري .

قد افتتحت بفعل الأمر " قل " لإِظهار العناية بما بعد هذا الأمر من توجيهات حكيمة ، ولتلقينه صلى الله عليه وسلم الرد على المشركين الذين سألوه أن ينسب لهم ربه .

و { هو } ضمير الشأن مبتدأ ، والجملة التى بعده خبر عنه .

والأحد : هو الواحد فى ذاته وفي صفاته وفي أفعاله ، وفي كل شأن من شئونه ، فهو منزه عن التركيب من جواهر متعددة ، أو من مادة معينة ، كما أنه - عز وجل - منزه عن الجسمية والتحيز ، ومشابهة غيره .

وفى الإِتيان بضمير الشأن هنا : إشارة إلى فخامة مضمون الجملة ، مع ما في ذلك من زيادة التحقيق والتقرير ؛ لأن الضمير يشير إلى شيء مبهم تترقبه النفس ، فإذا جاء الكلام من بعده زال الإِبهام ، وتمكن الكلام من النفس فضل تمكن .

وجيء بالخبر نكرة وهو لفظ " أحد " ؛ لأن المقصود الإِخبار عن الله - تعالى - بأنه واحد ، ولو قيل : الله الأحد ، لأفاد أنه لا واحد سواه ، وليس هذا المعنى مقصودا هنا ، وإنما المقصود إثبات أنه واحد فى ذاته وصفاته وأفعاله . . ونفي ما زعمه المشركون وغيرهم ، من أنه - تعالى - مركب من أصول مادية أو غير مادية ، أو من أنه له شريك فى ملكه .


[1]:- سورة إبراهيم: الآية 1.
[2]:- سورة الإسراء. الآية 9.
[3]:- سورة المائدة: الآيتان 15، 16.
 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{قُلۡ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ} (1)

مقدمة السورة:

سورة الإخلاص مكية وآياتها أربع

هذه السورة الصغيرة تعدل ثلث القرآن كما جاء في الروايات الصحيحة . قال البخاري : حدثنا إسماعيل : حدثني مالك عن عبد الرحمن بن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي صعصعة ، عن أبيه ، عن أبي سعد ، أن رجلا سمع رجلا يقرأ : ( قل هو الله أحد )يرددها . فلما أصبح جاء إلى النبي [ صلى الله عليه وسلم ] فذكر ذلك له - وكأن الرجل يتقالها - فقال النبي [ صلى الله عليه وسلم ] : " والذي نفسي بيده ، إنها لتعدل ثلث القرآن " . .

وليس في هذا من غرابة . فإن الأحدية التي أمر رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] أن يعلنها : ( قل هو الله أحد ) . . هذه الأحدية عقيدة للضمير ، وتفسير للوجود ، ومنهج للحياة . . وقد تضمنت السورة - من ثم - أعرض الخطوط الرئيسية في حقيقة الإسلام الكبيرة . .

( قل هو الله أحد ) . . وهو لفظ أدق من لفظ " واحد " . . لأنه يضيف إلى معنى " واحد " أن لا شيء غيره معه . وأن ليس كمثله شيء .

إنها أحدية الوجود . . فليس هناك حقيقة إلا حقيقته . وليس هناك وجود حقيقي إلا وجوده . وكل موجود آخر فإنما يستمد وجوده من ذلك الوجود الحقيقي ، ويستمد حقيقته من تلك الحقيقة الذاتية .

وهي - من ثم - أحدية الفاعلية . فليس سواه فاعلا لشيء ، أو فاعلا في شيء ، في هذا الوجود أصلا . وهذه عقيدة في الضمير وتفسير للوجود أيضا . .

فإذا استقر هذا التفسير ، ووضح هذا التصور ، خلص القلب من كل غاشية ومن كل شائبة ، ومن كل تعلق بغير هذه الذات الواحدة المتفردة بحقيقة الوجود وحقيقة الفاعلية .

خلص من التعلق بشيء من أشياء هذا الوجود - إن لم يخلص من الشعور بوجود شيء من الأشياء أصلا ! - فلا حقيقة لوجود إلا ذلك الوجود الإلهي . ولا حقيقة لفاعلية إلا فاعلية الإرادة الإلهية . فعلام يتعلق القلب بما لا حقيقة لوجوده ولا لفاعليته !

وحين يخلص القلب من الشعور بغير الحقيقة الواحدة ، ومن التعلق بغير هذه الحقيقة . . فعندئذ يتحرر من جميع القيود ، وينطلق من كل الأوهاق . يتحرر من الرغبة وهي أصل قيود كثيرة ، ويتحرر من الرهبة وهي أصل قيود كثيرة . وفيم يرغب وهو لا يفقد شيئا متى وجد الله ? ومن ذا يرهب ولا وجود لفاعلية إلا لله ?

ومتى استقر هذا التصور الذي لا يرى في الوجود إلا حقيقة الله ، فستصحبه رؤية هذه الحقيقة في كل وجود آخر انبثق عنها - وهذه درجة يرى فيها القلب يد الله في كل شيء يراه . وورائها الدرجة التي لا يرى فيها شيئا في الكون إلا الله . لأنه لا حقيقة هناك يراها إلا حقيقة الله .

كذلك سيصحبه نفي فاعلية الأسباب . ورد كل شيء وكل حدث وكل حركة إلى السبب الأول الذي منه صدرت ، وبه تأثرت . . وهذه هي الحقيقة التي عني القرآن عناية كبيرة بتقريرها في التصور الإيماني . ومن ثم كان ينحي الأسباب الظاهرة دائما ويصل الأمور مباشرة بمشيئة الله : ( وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى ) . . ( وما النصر إلا من عند الله ) . . ( وما تشاءون إلا أن يشاء الله ) . . وغيرها كثير . .

وبتنحية الأسباب الظاهرة كلها ، ورد الأمر إلى مشيئة الله وحدها ، تنسكب في القلب الطمأنينة ، ويعرف المتجه الوحيد الذي يطلب عنده ما يرغب ، ويتقي عنده ما يرهب ، ويسكن تجاه الفواعل والمؤثرات والأسباب الظاهرة التي لا حقيقة لها ولا وجود !

وهذه هي مدارج الطريق التي حاولها المتصوفة ، فجذبتهم إلى بعيد ! ذلك أن الإسلام يريد من الناس أن يسلكوا الطريق إلى هذه الحقيقة وهم يكابدون الحياة الواقعية بكل خصائصها ، ويزاولون الحياة البشرية ، والخلافة الأرضية بكل مقوماتها ، شاعرين مع هذا أن لا حقيقة إلا الله . وأن لا وجود إلا وجوده . وأن لا فاعلية إلا فاعليته . . ولا يريد طريقا غير هذا الطريق !

من هنا ينبثق منهج كامل للحياة ، قائم على ذلك التفسير وما يشيعه في النفس من تصورات ومشاعر واتجاهات : منهج لعبادة الله وحده . الذي لا حقيقة لوجود إلا وجوده ، ولا حقيقة لفاعلية إلا فاعليته ، ولا أثر لإرادة إلا إرادته .

ومنهج للاتجاه إلى الله وحده في الرغبة والرهبة . في السراء والضراء . في النعماء والبأساء . وإلا فما جدوى التوجه إلى غير موجود وجودا حقيقيا ، وإلى غير فاعل في الوجود أصلا ? !

ومنهج للتلقي عن الله وحده . تلقي العقيدة والتصور والقيم والموازين ، والشرائع والقوانين والأوضاع والنظم ، والآداب والتقاليد . فالتلقي لا يكون إلا عن الوجود الواحد والحقيقة المفردة في الواقع وفي الضمير .

ومنهج للتحرك والعمل لله وحده . . ابتغاء القرب من الحقيقة ، وتطلعا إلى الخلاص من الحواجز المعوقة والشوائب المضللة . سواء في قرارة النفس أو فيما حولها من الأشياء والنفوس . ومن بينها حاجز الذات ، وقيد الرغبة والرهبة لشيء من أشياء هذا الوجود !

ومنهج يربط - مع هذا - بين القلب البشري وبين كل موجود برباط الحب والأنس والتعاطف والتجاوب . فليس معنى الخلاص من قيودها هو كراهيتها والنفور منها والهروب من مزاولتها . . فكلها خارجة من يد الله ؛ وكلها تستمد وجودها من وجوده ، وكلها تفيض عليها أنوار هذه الحقيقة . فكلها إذن حبيب ، إذ كلها هدية من الحبيب !

وهو منهج رفيق طليق . . الأرض فيه صغيرة ، والحياة الدنيا قصيرة ، ومتاع الحياة الدنيا زهيد ، والانطلاق من هذه الحواجز والشوائب غاية وأمنية . . ولكن الانطلاق عند الإسلام ليس معناه الاعتزال ولا الإهمال ، ولا الكراهية ولا الهروب . . إنما معناه المحاولة المستمرة ، والكفاح الدائم لترقية البشرية كلها ، وإطلاق الحياة البشرية جميعها . . ومن ثم فهي الخلافة والقيادة بكل أعبائهما ، مع التحرر والانطلاق بكل مقوماتهما . كما أسلفنا .

إن الخلاص عن طريق الصومعة سهل يسير . ولكن الإسلام لا يريده . لأن الخلافة في الأرض والقيادة للبشر طرف من المنهج الإلهي للخلاص . إنه طريق أشق ، ولكنه هو الذي يحقق إنسانية الإنسان . أي يحقق انتصار النفخة العلوية في كيانه . . وهذا هو الانطلاق . انطلاق الروح إلى مصدرها الإلهي ، وتحقيق حقيقتها العلوية . وهي تعمل في الميدان الذي اختاره لها خالقها الحكيم . .

من أجل هذا كله كانت الدعوة الأولى قاصرة على تقرير حقيقة التوحيد بصورتها هذه في القلوب . لأن التوحيد في هذه الصورة عقيدة للضمير ، وتفسير للوجود ، ومنهج للحياة . وليس كلمة تقال باللسان أو حتى صورة تستقر في الضمير . إنما هو الأمر كله ، والدين كله ؛ وما بعده من تفصيلات وتفريعات لا يعدو أن يكون الثمرة الطبيعية لاستقرار هذه الحقيقة بهذه الصورة في القلوب .

والانحرافات التي أصابت أهل الكتاب من قبل ، والتي أفسدت عقائدهم وتصوراتهم وحياتهم ، نشأت أول ما نشأت عن انطماس صورة التوحيد الخالص . ثم تبع هذا الانطماس ما تبعه من سائر الانحرافات .

على أن الذي تمتاز به صورة التوحيد في العقيدة الإسلامية هو تعمقها للحياة كلها ، وقيام الحياة على أساسها ، واتخاذها قاعدة للمنهج العملي الواقعي في الحياة ، تبدو آثاره في التشريع كما تبدو في الاعتقاد سواء . وأول هذه الآثار أن تكون شريعة الله وحدها هي التي تحكم الحياة . فإذا تخلفت هذه الآثار فإن عقيدة التوحيد لا تكون قائمة ، فإنها لا تقوم إلا ومعها آثارها محققة في كل ركن من أركان الحياة . .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{قُلۡ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ} (1)

مقدمة السورة:

سورة الإخلاص مختلف فيها ، وآيها أربع آيات .

بسم الله الرحمن الرحيم { قل هو الله أحد } الضمير للشأن ، كقولك : هو زيد منطلق ، وارتفاعه بالابتداء ، وخبره الجملة ، ولا حاجة إلى العائد ؛ لأنها هي هو ، أو لما سئل عنه صلى الله عليه وسلم ، أي الذي سألتموني عنه هو الله ؛ إذ روي أن قريشا قالوا : يا محمد ، صف لنا ربك الذي تدعونا إليه . فنزلت .

وأحد بدل ، أو خبر ثان ، يدل على مجامع صفات الجلال ، كما دل الله على جميع صفات الكمال ؛ إذ الواحد الحقيقي ما يكون منزه الذات عن أنحاء التركيب والتعدد ، وما يستلزم أحدهما كالجسمية والتحيز والمشاركة في الحقيقة وخواصها كوجوب الوجود والقدرة الذاتية والحكمة التامة المقتضية للألوهية .

وقرئ ( هو الله ) بلا قل ، مع الاتفاق على أنه لا بد منه في { قل يا أيها الكافرون } ، ولا يجوز في { تبت } ، ولعل ذاك لأن سورة الكافرون مشاقة الرسول ، أو موادعته لهم ، وتبت معاتبة عمه ، فلا يناسب أن تكون منه ، وأما هذا فتوحيد يقول به تارة ، ويؤمر بأن يدعو إليه أخرى .