نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي  
{وَٱتَّقُواْ يَوۡمٗا لَّا تَجۡزِي نَفۡسٌ عَن نَّفۡسٖ شَيۡـٔٗا وَلَا يُقۡبَلُ مِنۡهَا عَدۡلٞ وَلَا تَنفَعُهَا شَفَٰعَةٞ وَلَا هُمۡ يُنصَرُونَ} (123)

{ واتقوا يوماً لا تجزي } أي تقضى{[4806]} ، أي يصنع{[4807]} فيه { نفس عن نفس شيئاً } أي من الجزاء .

ولما ختمت الآية الماضية بحصر الخسارة فيهم ناسب تقديم نفي القبول فقال : { ولا يقبل منها عدل } يبذل{[4808]} في فكاكها من غير الأعمال الصالحة { ولا تنفعها شفاعة } غير مأذون فيها { ولا هم ينصرون } وإن كثرت جموعهم . قال الحرالي : أجراها تعالى في هذا التكرار على حدها في الأول إلا ما خالف بين الإيرادين في قوله { واتقوا يوماً } إلى آخره ليجمع النبأ في كل واحد من الشفاعة والعدل بين مجموع الردين من الأخذ والقبول فيكون{[4809]} شفاعتها لا مقبولة ولا نافعة ، ويكون عدلها {[4810]}لا مأخوذاً ولا مقبولاً{[4811]} ، ذلك لأن المعروض للقبول{[4812]} أول ما يؤخذ أخذاً بحسبه من أخذ سمع أو عين ، ثم ينظر{[4813]} إليه نظر تحقيق في المسموع وتبصر{[4814]} في المنظور ، فإذا صححه التحقيق والتبصير قُبل ، وإذا{[4815]} لم يصححه رد ، وإنما يكون ذلك{[4816]} لمن في{[4817]} حاله حظ صحة ظاهرة لا يثبت{[4818]} مع الخبرة ، فأنبأ تعالى بمضمون الآيتين الفاتحة والخاتمة أن هؤلاء ليس في حالهم حظ صحة البتة لا في شفاعة ولا في عدل فلا يقبل ولا يؤخذ {[4819]}إنباء بغرائه{[4820]} عن لبسه{[4821]} ظاهر صحة يقتضي أخذه بوجه مَّا ، ففيه تبرئة{[4822]} ممن حاله حال ما{[4823]} نبّىء{[4824]} به{[4825]} عنهم على ما تقدم معناه في مضمون الآية ، وبهذه الغاية انصرف{[4826]} الخطاب عنهم على خصوص ما أوتوا من الكتاب الذي كان يوجب لهم أن يتديّنوا بقبول ما جاء مصدقاً لما معهم {[4827]}فاتخذوا لهم{[4828]} بأهوائهم ملة افتعلتها{[4829]} أهواؤهم ، فنظم تعالى بذلك ذكر صاحب الملة التي يرضاها وافتتح بابتداء أمره في ابتلائه ليجتمع عليهم الحجتان السابقة بحسب الملة الحنيفية الإبراهيمية واللاحقة بحسب الدين المحمدي ، كان صلى الله عليه وسلم يقول في الصباح : " أصبحنا{[4830]} على فطرة الإسلام وكلمة الإخلاص وعلى دين نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وعلى ملة أبينا إبراهيم صلى الله عليه وسلم " فخص المحمدية بالدين والإبراهيمية بالملة لينتظم ابتداء الأبوة الإبراهيمية بطوائف أهل الكتاب سابقهم ولاحقهم بنبأ{[4831]} ابتداء الأبوة الآدمية في متقدم قوله تعالى : { وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة } - الآيات لتنتظم رؤوس الخطابات{[4832]} بعضها ببعض وتفاصيلها بتفاصيلها ، وليكون إظهار ذلك في سورة سنام القرآن أصلاً لما في سائره{[4833]} من ذلك ، وذكر قبل ذلك أن الملة ما يدعو إليه هدى العقل المبلغ عن الله توحيده من ذوات الحنيفيين ، وأن الدين الإسلام ، والإسلام إلقاء ما باليد ظاهراً وباطناً ، وذلك إنما يكون عن بادي غيب التوحيد - انتهى .


[4806]:من ظ: وفي م: يقضى، وفي الأصل: يقضي -كذا
[4807]:من ظ، وفي الأصل: يصنع –كذا، وفي م: يضيع، وفي مد: تضيع
[4808]:في مد: يعدل
[4809]:في ظ: تكون، وفي مد: فتكون
[4810]:في الأصول: لا مأخوذ ولا مقبول
[4811]:في الأصول: لا مأخوذ ولا ومقبول
[4812]:في مد: المقبول
[4813]:في ظ: تنظر
[4814]:في مد فقط: يصر.
[4815]:في م: أن
[4816]:ليس في مد
[4817]:ليس في مد
[4818]:من م، وفي الأصل و ظ: لا يثبت –كذا، ومد تثبت
[4819]:في م و ظ: إنباء بغرايه
[4820]:في م و ظ: إنباء بغرايه
[4821]:في م و ظ: لبسة
[4822]:في ظ: بتوية.
[4823]:في ظ: من
[4824]:في مد: بني، وفي م: نبئ
[4825]:ليس في مد
[4826]:في ظ: اصرف
[4827]:من ظ: وفي م ومد: فاتخذوهم، وفي الأصل: فاتخذو لهم.
[4828]:من ظ: في م ومد: فاتخذوهم، وفي الأصل: فاتخذو لهم
[4829]:ي مد: افتعلها
[4830]:ي مد: بحيث - كذا
[4831]:ي م و مد: بنيأ، بنباء
[4832]:في مد: الخطاب
[4833]:في مد: سأره -كذا