التفسير الحديث لدروزة - دروزة  
{لَوۡ أَرَدۡنَآ أَن نَّتَّخِذَ لَهۡوٗا لَّٱتَّخَذۡنَٰهُ مِن لَّدُنَّآ إِن كُنَّا فَٰعِلِينَ} (17)

{ وما خلقنا السماء والأرض وما بينهما لاعبين ( 16 ) لو أردنا أن نتخذ لهوا لاتخذناه من لدنا إن كنا فاعلين ( 17 ) بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق ولكم الويل مما تصفون ( 18 ) وله من في السماوات والأرض ومن عنده لا يستكبرون عن عبادته ولا يستحسرون1 ( 19 ) يسبحون الليل والنهار لا يفترون2 ( 20 ) } [ 16-20 ] .

في الآيات :

1- تقرير بأن الله تعالى لم يخلق السماء والأرض وما بينهما عبثا بدون غاية وحكمة ، ولو أراد العبث واللهو لكان له من القدرة والوسائل ما يحقق له مراده ، وإنما خلق الكون وما فيه لحكمة وغاية سامية ، ومن ذلك تأييد الحق على الباطل وإحباطه .

2- وإنذار للكفار : فالويل لهم مما يصفون الله به من صفات ويلصقونه به من أولاد وشركاء مما يتنافى مع ربوبيته الشاملة وصفاته الكاملة ، وهو الذي يخضع من في السماوات والأرض من خلقه لحكمه ومشيئته وتصرفه والذين عنده لا يستكبرون عن عبادته ولا يتعبون ولا يملون ، وهم يسبحونه بالليل والنهار دون فتور وانقطاع .

والآيات بمثابة تعقيب على الآيات السابقة ، والاتصال بينها وبين سابقاتها قائم ، والمتبادر أن المقصود من جملة { ومن عنده } هم الملائكة . وقد استهدف فيما ذكر من عبادتهم وتسبيحهم الدائم لله تنبيه الكفار وتبكيتهم على ما هو الراجح . فإذا كانوا هم يستكبرون عن عبادة الله وينأون عن دعوته فالملائكة الذين يشركونهم معه في العبادة والدعاء لا يستكبرون عن ذلك ، وهم دائبون عليه في الليل والنهار . وقد تكرر هذا في آيات عديدة مر بعضها ، وفي الآيات التي تأتي بعد قليل قرينة مؤيدة لذلك .

ولقد ذكر بعض المفسرين {[1356]} أن اللهو المذكور في الآية الثانية يعني اتخاذ الزوجة أو الولد وأن فيها ردا على عقيدة النصارى . ومنهم من قال {[1357]} عزوا إلى ابن عباس : إن اللهو هو المرأة والولد . وروح الآيات ومضمونها وسياقها لا تساعد على تصويب ذلك . وتسوغ القول : إن اللهو هنا بمعنى العبث أو ضد الحق والحكمة ، وإن الآيات بسبيل تقرير كون الله لم يخلق الكون والناس عبثا ، ولا بد من محاسبتهم على أعمالهم . وذلك بسبيل الإنذار والموعظة والإفحام أيضا . وهذا المعنى بل والتعبير قد ورد في آيات سابقة يبرز فيها المعنى الذي ذكرناه مثل آية سورة [ ص : 27 ] وآيات سورة الدخان [ 27-28 ] .


[1356]:البغوي.
[1357]:الخازن والزمخشري.