التسهيل لعلوم التنزيل، لابن جزي - ابن جزي [إخفاء]  
{تَبَّتۡ يَدَآ أَبِي لَهَبٖ وَتَبَّ} (1)

مقدمة السورة:

سورة المسد

مكية ، وآياتها 5 ، نزلت بعد الفاتحة .

سببها أنه لما نزل قوله تعالى : { وأنذر عشيرتك الأقربين } [ الشعراء : 214 ] ، صعد رسول الله صلى الله عليه وسلم على الصفا فنادى بأعلى صوته : يا صباحاه ، فاجتمعت إليه قريش ، فقال لهم : " إني نذير لكم بين يدي عذاب شديد " ، ثم أنذرهم عموما وخصوصا ، فقال له أبو لهب : تبا لك ، لهذا جمعتنا ؟ فنزلت السورة .

{ تبت يدا أبي لهب } معنى تبت خسرت ، والتباب هو الخسران ، وأبو لهب هو عبد العزى بن عبد المطلب بن هاشم ، وهو عم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكان من أشد الناس عداوة له ، فإن قيل : لم ذكره الله بكنيته دون اسمه ؟ فالجواب من ثلاثة أوجه :

أحدها : أن كنيته كانت أغلب عليه من اسمه ، كأبي بكر وغيره ، ويقال : إنه كني بأبي لهب لتلهب وجهه جمالا .

الثاني : أنه لما كان اسمه عبد العزى ، عدل عنه إلى الكنية .

الثالث : أنه لما كان من أهل النار واللهب كناه أبا لهب وليناسب ذلك قوله : { سيصلى نارا ذات لهب } .

 
التفسير الشامل لأمير عبد العزيز - أمير عبد العزيز [إخفاء]  
{تَبَّتۡ يَدَآ أَبِي لَهَبٖ وَتَبَّ} (1)

مقدمة السورة:

هذه السورة مكية ، وآياتها خمس .

بسم الله الرحمان الرحيم

{ تبّت يدا أبي لهب وتبّ 1 ما أغنى عنه ماله وما كسب 2 سيصلى نارا ذات لهب 3 وامرأته حمالة الحطب 4 في جيدها حبل من مسد } .

روي عن ابن عباس قال : صعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم الصفا فقال : " يا صباحاه " ، فاجتمعت إليه قريش . فقالوا : له : مالك ؟ قال : " أرأيتم لو أخبرتكم أن العدو مصبحكم أو ممسيكم أما كنتم تصدقون ؟ " قالوا : بلى . قال : " فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد " . فقال أبو لهب : تبّا لك . ألهذا دعوتنا جميعا{[4875]} ، فأنزل الله عز وجل { تبّت يدا أبي لهب وتبّ }تبت ، من التّباب وهو الخسران والهلاك . وتبت يداه تبا أي ألزمه الله هلاكا وخسرانا{[4876]} .

والمراد بيدي أبي لهب نفسه ، فإنه يعبر عن النفس باليد ، كقوله سبحانه : { بما قدمت يداك } أي نفسك { وتبّ } أي هلك ، فهي خبر ، أما { تبت } الأولى فهي دعاء . أي أهلك الله أبا لهب وقد هلك . وأبو لهب اسمه عبد العزى ، والعزى صنم . وذكر عن ابن عباس أنه قال : لما خلق الله عز وجل القلم ، قال له : اكتب ما هو كائن . وكان فيما كتب { تبت يدا أبي لهب وتب } ، وسئل الحسن البصري : هل كان أبو لهب يستطيع ألا يصلى النار ؟ فقال : والله ما كان يستطيع ألا يصلاها ، وإنها لفي كتاب الله من قبل أن يخلق أبو لهب وأبواه .

وهذه الحقيقة عن كفران أبي لهب ، وأنه لن يؤمن ولو مصانعة ، برهان ساطع على أن القرآن حق ، وأنه كلام الله المعجز الذي لا يأتيه الباطل ، وأن محمدا صلى الله عليه وسلم مرسل من ربه ، وأنه يأتيه الوحي من السماء . وأن أبا لهب لم يؤمن ، ولو في الظاهر بلسانه أو مصانعة وعلى سبيل التكذيب لنبي الله وما أنزل إليه ، ولو فعلها أبو لهب لأثار إيمانه المصطنع الريبة في قلوب الناس ؛ لكن الله يعلم أنه لن يؤمن البتة .


[4875]:أسباب النزول للنيسابوري ص 308.
[4876]:مختار الصحاح ص 74.