لباب التأويل في معاني التنزيل للخازن - الخازن  
{وَلَوۡ أَنَّهُمۡ أَقَامُواْ ٱلتَّوۡرَىٰةَ وَٱلۡإِنجِيلَ وَمَآ أُنزِلَ إِلَيۡهِم مِّن رَّبِّهِمۡ لَأَكَلُواْ مِن فَوۡقِهِمۡ وَمِن تَحۡتِ أَرۡجُلِهِمۚ مِّنۡهُمۡ أُمَّةٞ مُّقۡتَصِدَةٞۖ وَكَثِيرٞ مِّنۡهُمۡ سَآءَ مَا يَعۡمَلُونَ} (66)

{ ولو أنهم أقاموا التوراة والإنجيل } يعني أقاموا أحكامهما بحدودهما وعملوا بما فيهما من الوفاء بالعهود والتصديق بمحمد صلى الله عليه وسلم لأن نعته وصفته موجودان فيهما . فإن قلت : كيف يأمر أهل الكتاب بإقامة التوراة والإنجيل مع أنهما نُسخا وبدلا . قلت : إنما أمرهم الله تعالى بإقامة ما فيهما من الإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم واتباع شريعته وهذا غير منسوخ لأنه موافق لما في القرآن .

وقوله تعالى : { وما أنزل إليهم من ربهم } فيه قولان أحدهما أن المراد به كتب أنبيائهم القديمة مثل كتاب شعياء وكتاب أرمياء وزبور داود وفي هذه الكتب أيضاً ذكر محمد صلى الله عليه وسلم فيكون المراد بإقامة هذه الكتب الإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم .

والقول الثاني : أن المراد بما أنزل من ربهم هو القرآن لأنهم مأمورون بالإيمان به فكأنه نزل إليهم من ربهم { لأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم } يعني أن اليهود لما أصروا على تكذيب محمد وثبتوا على كفرهم ويهوديتهم أصابهم الله بالقحط والشدة حتى بلغوا إلى حيث قالوا { يد الله مغلولة } فأخبر الله أنهم لو تركوا اليهودية والكفر الذي هم عليه لانقلبت تلك الشدة بالخصب والسعة وهو قوله تعالى : { لأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم } قال ابن عباس : معناه لأنزلت عليهم المطر وأخرجت لهم النبات والمراد من ذلك توسعة الرزق عليهم { منهم أمة مقتصدة } أي عادلة . والاقتصاد : الاعتدال في العمل من غير غلو ولا تقصير . أصله من القصد ، لأن من عرف مقصوداً طلبه من غير اعوجاج عنه . والمراد بالأمة المقتصدة : من آمن من أهل الكتاب مثل عبد الله بن سلام وأصحابه والنجاشي وأصحابه الذين أسلموا { وكثير منهم } يعني من أهل الكتاب الذين أقاموا على كفرهم مثل كعب بن الأشرف ورؤساء اليهود { ساء ما يعملون } يعني بئس ما يعملون من إقامتهم على كفرهم قال ابن عباس : عملوا بالقبيح مع التكذيب بالنبي صلى الله عليه وسلم .