الدر المنثور في التفسير بالمأثور للسيوطي - السيوطي  
{وَلَوۡ أَنَّهُمۡ أَقَامُواْ ٱلتَّوۡرَىٰةَ وَٱلۡإِنجِيلَ وَمَآ أُنزِلَ إِلَيۡهِم مِّن رَّبِّهِمۡ لَأَكَلُواْ مِن فَوۡقِهِمۡ وَمِن تَحۡتِ أَرۡجُلِهِمۚ مِّنۡهُمۡ أُمَّةٞ مُّقۡتَصِدَةٞۖ وَكَثِيرٞ مِّنۡهُمۡ سَآءَ مَا يَعۡمَلُونَ} (66)

أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد في قوله { ولو أنهم أقاموا التوراة والإنجيل . . . } الآية . قال : أما إقامتهم التوراة والإنجيل فالعمل بهما ، وأما { ما أنزل إليهم من ربهم } فمحمد صلى الله عليه وسلم وما أنزل عليه ، وأما { لأكلوا من فوقهم } فأرسلت عليه مطراً ، وأما { من تحت أرجلهم } يقول : لأنبت لهم من الأرض من رزقي ما يغنيهم { منهم أمة مقتصدة } وهم مسلمة أهل الكتاب .

وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس { لأكلوا من فوقهم } يعني لأرسل عليهم السماء مدراراً { ومن تحت أرجلهم } قال : تخرج الأرض من بركاتها .

وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في الآية يقول : لأكلوا من الرزق الذي ينزل من السماء ، والذي ينبت من الأرض .

وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وأبو الشيخ عن قتادة { لأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم } يقول لأعطتهم السماء بركاتها والأرض نباتها { منهم أمة مقتصدة } على كتاب الله قد آمنوا ، ثم ذم أكثر القوم فقال { وكثير منهم ساء ما يعملون } .

وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ عن الربيع بن أنس قال : الأمة المقتصدة . الذين لا هم فسقوا في الدين ولا هم غلوا . قال : والغلو الرغبة ، والفسق التقصير عنه .

وأخرج أبو الشيخ عن السدي { أمة مقتصدة } يقول : مؤمنة .

وأخرج ابن أبي حاتم عن جبير بن نفير . أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : « يوشك أن يرفع العلم . قلت : كيف وقد قرأنا القرآن وعلمناه أبناءنا ؟ فقال : ثكلتك أمك يا ابن نفير إن كنت لأراك من أفقه أهل المدينة ! أو ليست التوراة والإنجيل بأيدي اليهود والنصارى ؟ فما أغنى عنهم حين تركوا أمر الله ، ثم قرأ { ولو أنهم أقاموا التوراة والإنجيل } الآية .

وأخرج أحمد وابن ماجة من طريق ابن أبي الجعد عن زياد بن لبيد قال « ذكر النبي صلى الله عليه وسلم شيئاً فقال : وذلك عند ذهاب أبنائنا يا رسول الله ، وكيف يذهب العلم ونحن نقرأ القرآن ، ونقرئه أبناءنا ، ويقرئه أبناؤنا أبناءهم ، إلى يوم القيامة ؟ قال : ثكلتك أمك يا ابن أم لبيد . ! إن كنت لأراك من أفقه رجل بالمدينة ، أوليس هذه اليهود والنصارى يقرؤون التوراة والإنجيل ، ولا ينتفعون مما فيهما بشيء » .

وأخرج ابن مردويه من طريق يعقوب بن زيد بن طلحة عن زيد بن أسلم عن أنس بن مالك قال : كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فذكر حديثاً قال : « ثم حدثهم النبي صلى الله عليه وسلم فقال : " تفرَّقت أمة موسى على إحدى وسبعين ملة ، سبعون منها في النار وواحدة منها في الجنة . وتفرقت أمة عيسى على اثنين وسبعين ملة ، واحدة منها في الجنة وإحدى وسبعون في النار . وتعلوا أنتم على الفريقين جميعاً بملة واحدة في الجنة واثنتان وسبعون في النار ، قالوا : من هم يا رسول الله ؟ قال : الجماعات الجماعات " . قال يعقوب بن زيد : كان علي بن أبي طالب إذا حدث بهذا الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم تلا فيه قرآناً { ولو أن أهل الكتاب آمنوا واتقوا } إلى قوله { ساء ما يعملون } وتلا أيضاً { وممن خلقنا أمة يهدون بالحق وبه يعدلون } [ الأعراف : 181 ] يعني أمة محمد صلى الله عليه وسلم " .