فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{وَلَوۡ أَنَّهُمۡ أَقَامُواْ ٱلتَّوۡرَىٰةَ وَٱلۡإِنجِيلَ وَمَآ أُنزِلَ إِلَيۡهِم مِّن رَّبِّهِمۡ لَأَكَلُواْ مِن فَوۡقِهِمۡ وَمِن تَحۡتِ أَرۡجُلِهِمۚ مِّنۡهُمۡ أُمَّةٞ مُّقۡتَصِدَةٞۖ وَكَثِيرٞ مِّنۡهُمۡ سَآءَ مَا يَعۡمَلُونَ} (66)

{ ولو أنهم أقاموا التوراة والإنجيل } بما فيهما من الأحكام التي من جملتها الإيمان بما جاء به محمد صلى الله عليه وآله وسلم { وما أنزل إليهم من ربهم } أي من سائر كتب الله التي من جملتها القرآن فإنها كلها وإن نزلت على غيرهم فهي في حكم المنزلة عليهم لكونهم متعبدين بما فيها { لأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم } ذكر فوق وتحت للمبالغة في تيسير أسباب الرزق لهم وكثرتها وتعدد أنواعها .

عن ابن عباس قال : لأكلوا من فوقهم يعني لأرسل عليهم السماء مدرارا ، ومن تحت أرجلهم قال يخرج الأرض من بركتها ، وعن قتادة نحوه .

{ منهم أمة مقتصدة } جواب سؤال مقدر كأنه قيل هل جميعهم متصفون بالأوصاف السابقة ، أو البعض منهم دون بعض ، فقال : منهم أمة عادلة غير غالية ولا مقصرة ، والمقتصدون منهم هم المؤمنون كعبد الله بن سلام ومن تبعه ، وطائفة من النصارى قال مجاهد هم مسلمة أهل الكتاب ، وعن الربيع بن أنس قال الأمة المقتصدة الذين لا هم فسقوا في الدين ولا هم غلوا ، والغلو : الرغبة ، والفسق : التقصير عنه ، وعن السدي مقتصدة أي : مؤمنة والاقتصاد الاعتدال في العمل من غير غلو ولا تقصير .

{ وكثير منهم ساء ما يعملون } وهم المصرون على الكفر المتمردون عن إجابة محمد صلى الله عليه وآله وسلم والإيمان بما جاء به مثل كعب بن الأشرف ورؤساء اليهود .

أخرج ابن مردويه عن أنس بن مالك قال : كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر حديثا قال ثم حدثهم النبي صلى الله عليه وسلم وقال : ( تفرقت أمة موسى على اثنين وسبعين ملة ، واحدة منها في الجنة وإحدى وسبعون منها في النار ، وتفرقت أمة عيسى على اثنين وسبعين ملة ، واحدة منها في الجنة وإحدى وسبعون منها في النار ، وتعلو أمتي على الفريقين جميعا بملة واحدة في الجنة واثنتان وسبعون منها في النار قالوا : من هم يا رسول الله ؟ قال : الجماعات الجماعات ) {[651]} .

وقال يعقوب بن زيد : كان علي بن أبي طالب إذا حدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بهذا الحديث تلا فيه قرآنا قال : { ولو أن أهل الكتاب آمنوا } الآية ، وتلا أيضا { وممن خلقنا أمة يهدون بالحق وبه يعدلون } يعني : أمة محمد صلى الله عليه وسلم .

قال ابن كثير في تفسيره بعد ذكره لهذا الحديث ما لفظه : وحديث افتراق الأمم إلى بضع وسبعين مروي من طرق عديدة قد ذكرناها في موضع آخر اه .


[651]:المستدرك كتاب العلم 1/ 128.