صفوة البيان لحسين مخلوف - حسنين مخلوف [إخفاء]  
{وَقَرۡنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجۡنَ تَبَرُّجَ ٱلۡجَٰهِلِيَّةِ ٱلۡأُولَىٰۖ وَأَقِمۡنَ ٱلصَّلَوٰةَ وَءَاتِينَ ٱلزَّكَوٰةَ وَأَطِعۡنَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥٓۚ إِنَّمَا يُرِيدُ ٱللَّهُ لِيُذۡهِبَ عَنكُمُ ٱلرِّجۡسَ أَهۡلَ ٱلۡبَيۡتِ وَيُطَهِّرَكُمۡ تَطۡهِيرٗا} (33)

{ وقرن في بيوتكن } الزمنها ، فلا تخرجن لغير حاجة مشروعة . ومثلن في ذلك سائر نساء المسلمين .

والحكمة فيه : أن ينصرفن إلى رعاية شئون بيوتهن . وتوفير وسائل الحياة المنزلية التي هي من خصائصهن ولا يحسنها الرجال ، وإلى تربية الأولاد في عهد الطفولة وهي من شأنهن . وقد جرت السنة الإلهية بأن أمر الزوجين قسمة بينهما ؛ فللرجال أعمال من خصائصهم لا يحسنها النساء ، وللنساء أعمال من خصائصهن لا يحسنها الرجال ؛ فإذا تعدى فريق عمله اختل النظام في البيت والمعيشة . ومما يباح خروجهن لأجله : الحج ، والصلاة في المسجد ، وزيارة الوالدين ، وعيادة المريض ، وتعزية الأقارب ، والعلاج ونحو ذلك ؛ بشروطه التي منها التستر وعدم التبذل . و " قرن " وقرئ " قرن " بكسر القاف ؛ كلاهما من القرار بمعنى السكون يقال : قر بالمكان يقر – بالفتح والكسر – إذا أقام فيه وثبت .

والأمر من الأول قرن ، وأصله : اقررن – بفتح الراء الأولى – ومن الثاني قرن ، وأصله : اقررن – بكسر الراء الأولى . { ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى } أي إذا خرجتن لحاجة فيحرم أن تبدي إحداكن من زينتها ما أوجب الله عليها ستره ؛ كالشعر والعنق والصدر والذراعين والساقين ، مما شأنه أن يثير النظر إليه شهوة الرجال . ومن التبرج في بعض الروايات : المشية بتكسر وحركات مثيرة ؛ كما كان يفعل نساء الجاهلية الأولى . مأخوذ من البرج وهو سعة العين وحسنها . و " الأولى " بمعنى المقدمة . يقال لكل متقدم ومتقدمة : أول وأولى . أو هي بمثابة قولهم : الجاهلية الجهلاء .

{ إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس } تعليل لما تقدم من الأوامر والنواهي . والرجس : الإثم والذنب ، والقذر والنقائض . والمراد هنا : ذهاب كل ذلك عنهم . و " آل " فيه للاستغراق ، ويحتمل أن تكون للجنس . { أهل البيت } هم نساؤه صلى الله عليه وسلم بقرينة السياق .

 
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي [إخفاء]  
{وَقَرۡنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجۡنَ تَبَرُّجَ ٱلۡجَٰهِلِيَّةِ ٱلۡأُولَىٰۖ وَأَقِمۡنَ ٱلصَّلَوٰةَ وَءَاتِينَ ٱلزَّكَوٰةَ وَأَطِعۡنَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥٓۚ إِنَّمَا يُرِيدُ ٱللَّهُ لِيُذۡهِبَ عَنكُمُ ٱلرِّجۡسَ أَهۡلَ ٱلۡبَيۡتِ وَيُطَهِّرَكُمۡ تَطۡهِيرٗا} (33)

ولما تقدم إليهن في القول وقدمه لعمومه{[55539]} ، أتبعه الفعل فقال : { وقرن } أي اسكنّ وامكثن دائماَ { في بيوتكن } فمن كسر القاف وهم غير{[55540]} المدنيين{[55541]} وعاصم{[55542]} جعل الماضي قرر{[55543]} بفتح العين ، ومن فتحه فهو عنده قرر بكسرها ، وهما لغتان .

ولما أمرهن بالقرار ، نهاهن عن ضده مبشعاً له ، فقال : { ولا تبرجن } أي تظاهرن من البيوت بغير حاجة محوجة ، فهو{[55544]} من وادي أمر النبي صلى الله عليه وسلم لهن بعد حجة الوداع بلزوم ظهور الحصر { تبرج الجاهلية الأولى } أي المتقدمة على الإسلام وعلى ما قبل الأمر بالحجاب ، بالخروج{[55545]} من بيت والدخول في آخر ، والأولى لا تقتضي أخرى كما ذكره البغوي{[55546]} ، وعن ابن عباس{[55547]} رضي الله عنهما أنها ما بين نوح وإدريس عليهما السلام ، تبرج فيها{[55548]} نساء السهول - وكن صباحاً وفي{[55549]} رجالهن دمامة - لرجال الجبال وكانوا صباحاً وفي نسائهن دمامة ، فكثر الفساد ، وعلى هذا فلها ثانية .

ولما أمرهن بلزوم البيوت للتخلية عن{[55550]} الشوائب ، أرشدهن إلى التحلية بالرغائب ، فقال : { وأقمن الصلاة } أي فرضاً ونفلاً ، صلة لما بينكن وبين الخالق لأن{[55551]} الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر { وآتين الزكاة } إحساناً إلى الخلائق ، وفي هذا بشارة بالفتوح وتوسيع الدنيا عليهن ، فإن العيش وقت نزولها كان ضيقاً عن القوت فضلاً عن الزكاة .

ولما أمرهن بخصوص ما تقدم لأنهما أصل الطاعات البدنية والمالية ، ومن اعتنى بهما حق الاعتناء جرتاه إلى ما وراءهما ، عم وجمع في قوله : { وأطعن الله } أي ذاكرات ما له{[55552]} من صفات الكمال { ورسوله } في جميع ما يأمران به ؛فإنه لم يرسل إلا للأمر والنهي تخليصاً للخلائق من أسر الهوى .

ولما كانت هذه الآيات قد نهت عن الرذائل ، فكانت عنها أشرف الفضائل ، قال مبيناً أن ذلك إنما هو لتشريف أهل النبي صلى الله عليه وسلم لتزيد الرغبة في ذلك مؤكداً دفعاً لوهم من يتوهم أن ذلك لهوان ، أو غير ذلك من نقصان وحرمان : { إنما يريد الله } أي وهو ذو الجلال والجمال بما أمركم به ونهاكم عنه من الإعراض عن الزينة وما تبعها ، والإقبال عليه ، عزوفكم عن الدنيا وكل ما تكون سبباً له { ليذهب } أي{[55553]} لأجل أن يذهب { عنكم الرجس } أي الأمر الذي يلزمه دائماً الاستقذار والاضطراب من مذام الأخلاق كلها { أهل } يا أهل { البيت } أي من كل من تكون من إلزام النبي صلى الله عليه وسلم من الرجال والنساء من الأزواج والإماء والأقارب ، وكلما كان الإنسان منهم أقرب وبالنبي صلى الله عليه وسلم{[55554]} أخص وألزم ، كان بالإرادة{[55555]} أحق وأجدر .

ولما استعار للمعصية الرجس ، استعار للطاعة الطهر ، ترغيباً لأصحاب الطباع السليمة والعقول المستقيمة ، في الطاعة ، وتنفيراً لهم عن المعصية فقال{[55556]} : { ويطهركم } أي يفعل في طهركم بالصيانة{[55557]} عن جميع القاذورات الحسية والمعنوية فعل المبالغ فيه ، وزاد ذلك عظماً بالمصدر فقال : { تطهيراً } .


[55539]:من ظ وم ومد، وفي الأصل: بعمومه.
[55540]:سقط من ظ وم ومد.
[55541]:من ظ ومد، وفي الأصل: المدنيون، وفي م: المدنيان.
[55542]:راجع نثر المرجان 5/406.
[55543]:من م ومد، وفي الأصل وظ: قرن.
[55544]:زيد من ظ وم ومد.
[55545]:في ظ: من الخروج.
[55546]:راجع معالم التنزيل بهامش اللباب 5/213.
[55547]:راجع معالم التنزيل بهامش اللباب 5/213.
[55548]:زيد من ظ ومد.
[55549]:زيد من م ومد.
[55550]:من ظ وم ومد، وفي الأصل: من.
[55551]:في ظ وم ومد: أن.
[55552]:ومن هنا تنقطع نسخة م إلى ما سننبه عليه.
[55553]:زيد من ظ ومد.
[55554]:زيدت الواو في الأصل، ولم تكن في ظ ومد فحذفناها.
[55555]:من مد، وفي الأصل وظ: بالإراة.
[55556]:من مد، وفي الأصل وظ: قال.
[55557]:من ظ ومد، وفي الأصل: الصيانة.