صفوة البيان لحسين مخلوف - حسنين مخلوف  
{۞إِنَّ ٱللَّهَ لَا يَسۡتَحۡيِۦٓ أَن يَضۡرِبَ مَثَلٗا مَّا بَعُوضَةٗ فَمَا فَوۡقَهَاۚ فَأَمَّا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ فَيَعۡلَمُونَ أَنَّهُ ٱلۡحَقُّ مِن رَّبِّهِمۡۖ وَأَمَّا ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فَيَقُولُونَ مَاذَآ أَرَادَ ٱللَّهُ بِهَٰذَا مَثَلٗاۘ يُضِلُّ بِهِۦ كَثِيرٗا وَيَهۡدِي بِهِۦ كَثِيرٗاۚ وَمَا يُضِلُّ بِهِۦٓ إِلَّا ٱلۡفَٰسِقِينَ} (26)

{ إِنَّ اللَّهَ لاَ يَسْتَحْيِي أَن يَضْرِبَ مَثَلاً مَّا } أي ليس الحياء بمانع لله تعالى من ضرب الأمثال بهذه المخلوقات الحقيرة الصغيرة في نظركم ، كالبعوض والذباب والعنكبوت ، فإن فيها من دلائل القدرة وبدائع الصنعة ما تحار فيه العقول ، ويشهد بحكمة الخالق . وقد جعلوا ضرب المثل بها ذريعة إلى إنكار كون القرآن من عند الله تعالى . وفي الآية إشعار بصحة نسبة الحياء إليه تعالى . ومذهب السلف : إمرار هذا وأمثاله على ما ورد ، وتفويض علم كنهه وكيفيته على الله تعالىن مع وجوب تنزيهه عما لا يليق بجلاله من صفات المحدثات ، واختاره الآلوسي . وذهب جمع من المفسرين إلى تأويله بإرادة لازمه وهو ترك ضرب الأمثال بها ، لأن الاسحياء من الحياء ، وهو تغير وانكسار يعتري الإنسان من تخوف ما يعاب ويذم به . أو هو انقباض النفس عن القبائح . وهذا المعنى محال في حقه تعالى ، فيصرف اللفظ إلى لازم معناه وهو الترك .

{ ب َعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا } البعوض : ضرب من الذباب ، ويطلق على البق المعروف وعلى الناموس . " فما فوقها " أي في الحجم . او في المعنى الذي وقع التمثيل فيه ، وهو الصغر والحقارة .

{ وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلاَّ الْفَاسِقِينَ } الفسق : الخروج عن الطاعة ، من قولهم : فسق الرطب فسوقا- من باب قعد- إذا خرج عن قشره . ويقع بالقليل والكثير من الذنوب ، ولكن تعورف فيما كان كثيرا . وهو أعم من الكفر ، فيقال للعاصي : فاسق ، لخروجه عما ألزمه العقل واقتضته الفطرة . والمراد بالفاسقين هنا : الكفار جميعا ، أو المنافقون ، أو أحبار اليهود المتعنتون ، بدليل الأوصاف الآتية . والإضلال : خلق فعل الضلال في العبد ، كما أن الهداية خلق الاهتداء فيه .