قوله : ( إِنَّ اللَّهَ لاَ يَسْتَحِي أَنْ يَّضْرِبَ مَثَلاً )[ 25 ] .
حكى الطبري( {[1270]} ) أن " يسحتيي " بمعنى " يخشى " ، كما وقع( {[1271]} ) " يخشى " بمعنى " يستحيي " في قوله : ( وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَاهُ )( {[1272]} ) . أي وتستحيي من الناس .
و " تستحيي " فعل عينه ولامه حرفا( {[1273]} ) علة صحت عينه واعتلت لامه( {[1274]} ) ، فتقول في الاسم : " هو مُسْتَحِي " بحذف لام الفعل في الرفع والخفض كقاض ، وإثبات عينه . وتثبت( {[1275]} ) اللام مع الغين في النصب ، وتقول في التثنية : " رأيتهما( {[1276]} ) مسْتَحْيِيَيْن( {[1277]} ) " بثلاث ياءات( {[1278]} ) فإن جمعت قلت : هَؤُلاَءِ مُسْتَحْيُونَ " ، بياء واحدة في الرفع . وفي النصب والخفض ، " مُسْتَحْيينَ " بياءين . فالأولى( {[1279]} ) عين الفعل ، والثانية ياء( {[1280]} ) الجمع ، ولام الفعل محذوفة في الجمع المنصوب والمرفوع والمخفوض لأن العلة لحقتها ، بأن استثقلت عليها( {[1281]} ) الحركة وهي كسرة لأن أصلها " مُسْتَحْيُونَ " . فلما سكنت حذفت لسكونها وسكون الحاء( {[1282]} ) قبلها . وبنو تميم يحذفون لام الفعل ، ويعلون العين في الجمع ، فيقولون : / هُمْ مُسْتَحُونَ( {[1283]} ) " .
ومن العرب من يحذف إحدى الياءين في الفعل/ فيقول : " يَسْتَحِي " فيلقي حركة الياء الأولى على الحاء ، فيكسرها ويحذف الياء لالتقاء الساكنين( {[1284]} ) .
وقوله : ( أَنْ يَّضْرِبَ مَثَلاً مَّا بَعُوضَةً )[ 25 ] .
معناه : إن الله جَلَّ ذكره لما ضرب المثل بالصيب وبالذي استوقد ناراً ، قال المنافقون : " الله أعظم من أن يضرب مثلاً بهذا " ، فأنزل الله : ( إِنَّ اللَّهَ لاَ يَسْتَحْيِ أَنْ يَّضْرِبَ مَثَلاً ) الآية( {[1285]} ) .
قال الربيع : " هو مثل ضربه الله للدنيا ، وذلك أن البعوضة تَحْيَا ما جاعت فإذا شبعت( {[1286]} ) ماتت ، فكذلك الكافر إذا امتلأ من الدنيا أخذه الله ، كما قال : ( فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمُ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً )( {[1287]} )( {[1288]} ) .
وقال قتادة : " معناه إن الله لا يستحيي أن يذكر شيئاً من الحق قَلَّ أَوْ كَثُرَ( {[1289]} ) " .
وقيل : إن هذا المثل مردود على " ما " في غير هذه السورة ، وذلك أن الله جَلَّ ذكره لما ضرب المثل( {[1290]} ) بالعنكبوت والذباب تكلموا وقالوا : ماذا أراد الله بهذا مثلاً ، كما حكى الله تعالى عنهم( {[1291]} ) فأنزل الله ( إِنَّ اللَّهَ لاَ يَسْتَحْيِ أَنْ يَّضْرِبَ مَثَلاً ) الآية( {[1292]} ) .
واختار الطبري( {[1293]} ) أن يكون مردوداً على إنكارهم للأمثال( {[1294]} ) في هذه السورة دون غيرها .
وقوله : ( مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلاً )[ 25 ] .
" ما " و " ذا " اسم واحد للاستفهام في موضع نصب ب " أراد " تقديره : أي شيء أراد الله( {[1295]} ) .
( مَثَلاً ) : نصب على التفسير .
ويجوز أن [ تكون " ما " ( {[1296]} ) ] استفهاماً في موضع رفع بالابتداء . و " ذا " بمعنى " الذي " ، " وهو " الخبر وصلته ما بعده . وأراد " واقع على هاء محذوفة ، أي أراد الله( {[1297]} ) .
ومعنى ( فَمَا فَوْقَهَا ) أي دونها في الصغر( {[1298]} ) .
وقيل : معناه : فلما أكبر منها ، وهو اختيار الطبري( {[1299]} ) ، لأن البعوضة متناهية في الصغر ، وإن كان ثم ما هو أصغر منها .
قوله : ( فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ )[ 25 ] .
قوله : ( يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً )[ 25 ] .
أي يضل بهذا المثل خلقاً كثيراً ، وهذا من قول المنافقين( {[1300]} ) .
وقيل : هو( {[1301]} ) من قول الله جَلَّ ذكره ، ودَلَّ عليه قوله : ( وَيَهْدِي بِهِ( {[1302]} ) كَثِيراً ) ، وهذا لا يكون من قول المنافقين لأنهم لا يقرون أن هذا المثل/ يهدى به أحد ، فهو من قول الله( {[1303]} ) بلا اختلاف( {[1304]} ) . وكذلك قوله : ( وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلاَّ الْفَاسِقِينَ ) هو( {[1305]} ) من قول الله ؛ إذ لا يجوز أن يكون من قول المنافقين ، لأنهم قد ضلوا به ، ولا يقرون على أنفسهم بالفسق . فكذلك يجب أن يكون الذي قبله . / ويدل على أنه كله من قول الله عز وجل/ قوله في موضع آخر : ( وَلِيَقُولَ الذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَّرَضٌ ) يعني المنافقين ( وَالْكَافِرُونَ( {[1306]} ) مَاذَا أَراَدَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلاً كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَّشَاءُ )( {[1307]} ) .
فقوله : ( كَذَلِكَ ) يعني به مثل ما قالوا في سورة البقرة ، كذلك قالوا في هذا .
وقال القتبي( {[1308]} ) : " لما ضرب الله المثل بالعنكبوت والذبابة ، قالت اليهود : ما هذه الأمثال التي لا تليق بالله( {[1309]} ) ، فأنزل الله تعالى : ( إِنَّ اللَّهَ لاَ يَسْتَحْيِ أَنْ يَّضْرِبَ مَثَلاً مَّا بَعُوضَةً )/ الآية ، فقالت اليهود : ماذا أراد الله بمثل ينكره الناس ، فيضل به فريقاً ، ويهدي به فريقاً ، فقال الله( {[1310]} ) : ( وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلاَّ الْفَاسِقِينَ )( {[1311]} ) .
فذكر الضلال والهدى في هذا القول من قول( {[1312]} ) اليهود حكاه الله لنا عنهم . وأصل الفسق الخروج عن الشيء ؛ يقال : " فَسَقَتِ الرَّطْبَةُ " إذا خرجت عن( {[1313]} ) قشرها( {[1314]} ) .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.