قوله عز وجل : { إِنَّ اللهَ لاَ يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلاً مَا بَعُوضَة فما فوقها } .
في قوله : { لاَ يَسْتَحْيِي } ثلاثةُ تأويلاتٍ :
والثاني : [ يريد ] لا يخشى{[54]} .
والثالث : لا يمتنع ، وهذا قول المفضل .
وأصل الاستحياء الانقباض عن الشيء والامتناع منه خوفاً من موَاقَعَةِ القبح .
والبعوضة : من صغار{[55]} البقِّ سُميت بعوضة ، لأنها كبعض البقَّة لصِغَرِها .
وفي قوله : { مَا بَعُوضَةً } ثلاثةُ أوجُهٍ :
أحدها : أن " ما " بمعنى الذي ، وتقديره : الذي هو بعوضة .
والثاني : أن معناه : ما بين بعوضة إلى ما فَوْقها .
والثالث : أن " ما " صلةٌ زائدةٌ ، كما قال النابغة :
قَالَتْ أَلاَ لَيْتُمَا هذَا الْحَمَامُ لَنَا *** إِلَى حَمَامَتِنَا وَنِصْفُهُ فَقَدِ{[56]}
{ فَمَا فَوْقَهَا } فيه تأويلان :
أحدهما : فما فوقها في الكبر ، وهذا قول قتادة وابنِ جُريجٍ .
والثاني : فما فوقها في الصغر ، لأن الغرض المقصود هو الصغر . وفي المثل ثلاثة أقاويل :
أحدها : أنه وارد في المنافقين ، حيث ضَرَبَ لهم المَثَلَيْنِ المتقدِّمين : مثَلَهُمْ كمثل الذي استوقد ناراً ، وقوله : أو كصيِّب من السماء ، فقال المنافقون : إن الله أعلى مِنْ أن يضرب هذه الأمثال ، فأنزل الله تعالى : { إِنَّ اللهَ لاَ يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلاً مَا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا } ، وهذا قول ابن مسعود وابن عباس .
والثاني : أن هذا مثلٌ مبتدأ ضَرَبَهُ الله تعالى مثلاً للدنيا وأهلها ، وهو أن البعوضة تحيا ما جاعت ، وإذا شبعت ماتت ، كذلك مثل أهل الدنيا ، إذا امتلؤوا من الدنيا ، أخذهم الله تعالى عند ذلك ، وهذا قول الربيع بن أنس .
والثالث : أن الله عز وجل حين ذكر في كتابه العنكبوت والذباب وضربهما مثلاً ، قال أهل الضلالة : ما بال العنكبوت والذباب يذكران ، فأنزل الله تعالى هذه الآية ، وهذا قول قتادةَ ، وتأويل الربيع أحسن ، والأولُ أشبَهُ{[57]} .
قوله عز وجل : { يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً وَيَهْدِي بِهِ كَثِيراً } فيه ثلاثةُ تأويلات :
أحدها : معناه [ يضل ]{[58]} بالتكذيب بأمثاله ، التي ضربها لهم كثيراً ، ويهدي بالتصديق بها كثيراً .
والثاني : أنهم امتحنهم بأمثاله ، فَضَلَّ قوم فجعل ذلك إضلالاً لهم ، واهتدى قوم فجعله هدايةً لهم .
والثالث : أنه إخبار{[59]} عمَّنْ ضلَّ ومن اهتدى .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.