صفوة البيان لحسين مخلوف - حسنين مخلوف  
{وَإِنۡ خِفۡتُمۡ أَلَّا تُقۡسِطُواْ فِي ٱلۡيَتَٰمَىٰ فَٱنكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ ٱلنِّسَآءِ مَثۡنَىٰ وَثُلَٰثَ وَرُبَٰعَۖ فَإِنۡ خِفۡتُمۡ أَلَّا تَعۡدِلُواْ فَوَٰحِدَةً أَوۡ مَا مَلَكَتۡ أَيۡمَٰنُكُمۡۚ ذَٰلِكَ أَدۡنَىٰٓ أَلَّا تَعُولُواْ} (3)

{ وإن خفتم ألا تقسطوا . . }كانت اليتيمة في الجاهلية تكون في حجر وليها ، فيرغب في مالها وجمالها ، ويريد التزوج بها دون أن يعدل في صداقها ، فنهوا أن ينكحوهن إلا أن يعدلوا فيهن بإكمال الصداق رعاية ليتمهن . وأمروا أن ينكحوا من غيرهن ما حل لهم ، ومالا تحرج منه من النساء .

والمعنى : وإن خفتم أيها الأولياء الجور والظلم في نكاح اليتامى اللاتي في ولاتكم فانكحوا من غيرهن ما طاب لكم من النساء . وقد علم الله تعالى أن مصلحة الرجال والنساء- بل مصلحة المسلمين- قد تستدعي تعدد الزوجات ، بل قد توجبه في بعض الحالات . وعلم أن التعدد المطلق مظنة الجور والفساد ، فأباح التعدد وحدد غايته بأربع بحيث لا يجوز الزيادة عليهن . وقيد الإباحة بالعدل بينهن فيما يستطيع الإنسان العدل فيه بحسب طاقته البشرية ، فإن عجز عنه لم يبح التعدد . وقوله : { مثنى }أي اثنتين اثنتين ، و{ ثلاث }أي ثلاثا ثلاثا ، و{ رباع }أي أربعا أربعا . وهو كما تقول للجماعة : اقتسموا هذا المال ، وهو ألف .

درهم : درهمين درهمين ، وثلاثة ثلاثة ، وأربعة أربعة ، فيصيب كل واحد ما أراد من العدد بعد قصره على أربعة ، وعدم جواز الزيادة عليه . وقد أمر الرسول صلى الله عليه وسلم غيلان الثقفي حين أسلم وأسلم نسوته- وكن عشرا-أن يختار أربعا منهن ويفارق سائرهن .

{ فإن خفتم ألا تعدلوا }أي فإن علمتم أنكم لا تعدلون بين الأكثر من الواحدة في القسم والنفقة وحقوق الزوجية بحسب طاقتكم ، كما علمتم في حق اليتامى أنكم لا تعدلون ، فالزموا زوجة واحدة . ومفهومه : إباحة الزيادة على الواحدة إذ أمن الجور فيما ذكر .

{ ذلك أدنى ألا تعولوا }أي اختيار الواحدة والتسري أقرب من ألا تميلوا الميل المحظور المقابل للعدل . و العول في الأصل : الميل المحسوس . يقال : عال الميزان عولا إذا مال . ثم نقل إلى الميل المعنوي وهو الجور ، ومنه : عال الحاكم إذا جار . وقيل : ( ألا تعولوا )أي لا تكثر عيالكم . يقال : عال يعول ، إذا كثر عياله .