بحر العلوم لعلي بن يحيى السمرقندي - السمرقندي  
{وَإِنۡ خِفۡتُمۡ أَلَّا تُقۡسِطُواْ فِي ٱلۡيَتَٰمَىٰ فَٱنكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ ٱلنِّسَآءِ مَثۡنَىٰ وَثُلَٰثَ وَرُبَٰعَۖ فَإِنۡ خِفۡتُمۡ أَلَّا تَعۡدِلُواْ فَوَٰحِدَةً أَوۡ مَا مَلَكَتۡ أَيۡمَٰنُكُمۡۚ ذَٰلِكَ أَدۡنَىٰٓ أَلَّا تَعُولُواْ} (3)

قوله تعالى : { وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُواْ في اليتامى } يعني : ألا تعدلوا في أموال اليتامى ، يقال في اللغة : أقسط الرجل إذا عدل ، وقسط إذا جار . وقال صلى الله عليه وسلم : " المُقْسِطُونَ فِي الدُّنْيَا عَلَى مَنَابِرَ مِنْ نُورٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ " يعني العادلون . قال الله تعالى : { وَأَمَّا القاسطون فَكَانُواْ لِجَهَنَّمَ حَطَباً } [ الجن : 15 ] يعني الجائرون . ثم قال تعالى : { فانكحوا مَا طَابَ لَكُمْ } وذلك أنهم كانوا يسألون عن أمر اليتامى ويخافون ألا يعدلوا ، وكانوا يتزوجون من النساء ما شاؤوا ، فنزلت هذه الآية { وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُواْ في اليتامى فانكحوا مَا طَابَ لَكُمْ } { مّنَ النساء مثنى وثلاث وَرُبَاعَ } يعني فكما خفتم ألا تعدلوا في اليتامى ، فخافوا في النساء إذا اجتمعن عندكم ألا تعدلوا بينهن . وروى عروة عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت : كان الناس يتزوجون اليتامى ولا يعدلون بينهن ، ولم يكن لهم أحد يخاصم عنهن ، فنهى الله المؤمنين عن ذلك فقال : { وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُواْ في اليتامى } الآية . ويقال : إنهم كانوا يتزوجون امرأة لها أولاد أيتام ، وكانوا لا يحسنون النظر إليهم ، فنزل { وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُواْ في اليتامى فانكحوا مَا طَابَ لَكُمْ } يعني بغير ولد { مثنى وثلاث وَرُبَاعَ } .

ثم قال تعالى : { فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُواْ } في القسم والنفقة { فواحدة } يقول : تزوجوا امرأة واحدة ، وإن خفتم ألا تعدلوا في الواحدة { أَوْ مَا مَلَكَتْ أيمانكم } يعني الإماء ، ويقال إن خفتم ألا تعدلوا في القسم بين النساء فواحدة ، أي واشتروا الإماء لأن الواحدة لا تحتاج إلى القسمة ، والإماء لا يحتاج فيهن إلى القسمة .

وقال بعض الروافض بظاهر هذه الآية أنه يجوز نكاح تسع نسوة ، لأنه قال مثنى وثلاث ورباع ، فيكون ذلك تسعاً . ولكن أجمع المفسرون أن المراد به التفصيل لا الاجتماع ، ومعناه مثنى أو ثلاث أو رباع ، وبذلك جاءت الآثار ، وهو حديث غيلان بن سلمة أنه أسلم ومعه عشر نسوة ، فخيّره النبي صلى الله عليه وسلم فاختار أربعاً وفارق البواقي . وروي عن الكلبي ومقاتل أن قيس بن الحارث كان عنده ثمان نسوة حرائر ، فلما نزلت هذه الآية أمره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يطلق أربعاً ويمسك أربعاً . وروى محمد بن الحسن في كتاب السير الكبير ، أن ذلك كان الحارث بن قيس الأسدي ، وهذا هو المعروف عند الفقهاء . ثم قال تعالى : { ذلك أدنى أَلاَّ تَعُولُواْ } أي أحرى ألا تميلوا ولا تجوروا ولا تظلموا .