معاني القرآن للفراء - الفراء  
{وَإِنۡ خِفۡتُمۡ أَلَّا تُقۡسِطُواْ فِي ٱلۡيَتَٰمَىٰ فَٱنكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ ٱلنِّسَآءِ مَثۡنَىٰ وَثُلَٰثَ وَرُبَٰعَۖ فَإِنۡ خِفۡتُمۡ أَلَّا تَعۡدِلُواْ فَوَٰحِدَةً أَوۡ مَا مَلَكَتۡ أَيۡمَٰنُكُمۡۚ ذَٰلِكَ أَدۡنَىٰٓ أَلَّا تَعُولُواْ} (3)

وقوله : { وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُواْ فِي الْيَتَامَى فَانكِحُواْ ما طَابَ لَكُمْ . . . }

واليتامى في هذا الموضع أصحاب الأموال ، فيقول القائل : ما عَدَل الكلامَ من أموال اليتامى إلى النكاح ؟ فيقال : إنهم تركوا مخالطة اليتامى تحرّجا ، فأنزل الله تبارك وتعالى : فإن كنتم تتحرجون من مؤاكلة اليتامى فاحْرَجوا من جمعكم بين النساء ثم لا تعدلون بينهن ، { فَانكِحُواْ ما طَابَ لَكُمْ } يعنى الواحدة إلى الأربع . فقال تبارك وتعالى : { ما طَابَ لَكُمْ } ولم يقل : من طاب . وذلك أنه ذهب إلى الفعل كما قال { أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ } يريد : أو ملك أيمانكم . ولو قيل في هذين ( من ) كان صوابا ، ولكن الوجه ما جاء به الكتاب . وأنت تقول في الكلام : خذ من عبيدي ما شئت ، إذا أراد مشيئتك ، فإن قلت : من شئت ، فمعناه : خذ الذي تشاء .

وأما قوله : { مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ } فإنها حروف لا تُجْرَى . وذلك أنهن مصروفات عن جهاتهنّ ؛ ألا ترى أنهنّ للثلاث والثلاثة ، وأنهن لا يضفن إلى ما يضاف إليه الثلاثة والثلاث . فكان لامتناعه من الإضافة كأنّ فيه الألف واللام . وامتنع من الألف واللام لأن فيه تأويل الإضافة ؛ كما كان بناء الثلاثة أن تضاف إلى جنسها ، فيقال : ثلاث نسوة ، وثلاثة رجال . وربما جعلوا مكان ثُلاَث ورُبَاع مَثْلَث ومَرْبَع ، فلا يُجْرى أيضا ؛ كما لم يُجْرَ ثُلاث ورُباع لأنه مصروف ، فيه من العلّة ما في ثُلاث ورُباع . ومن جعلها نكرة وذهب بها إلى الأسماء أجراها . والعرب تقول : ادخلوا ثُلاثَ ثُلاثَ ، وثُلاثا ثلاثا . وقال الشاعر :

[ وإنَّ الغلام المستهام بذكره ] *** قتَلْنا به مِن بَين مَثْنىً ومَوْحدِ

بأربعةٍ منكم وآخر خامسٍ *** وسادٍ مع الإظلام في رمح معبدِ

فوجه الكلام ألاّ تُجرى وأن تجعل معرفة ؛ لأنها مصروفة ، والمصروف خِلْقته أن يُترك على هيئته ، مثل : لُكَع ولَكاع . وكذلك قوله : { أُولِى أَجنِحةٍ مَثْنَى وثُلاثَ ورُباع } .

والواحد يقال فيه مَوْحَدُ وأُحاد ووُحاد ، ومثنى وثُناء ؛ وأنشد بعضهم :

تَرى النُّعَراتِ الزُّرْقَ تحتَ لَبانه *** أُحادَ ومَثْنَى أَصْعَقَتْها صَواهله

وقوله : { فَوَاحِدَةً } تنصب على : فإن خفتم ألاّ تعدلوا على الأربع في الحبّ والجماع فانكحوا واحدة أو ما ملكت أيمانكم لا وقت عليكم فيه . ولو قال : فواحدةٌ ، بالرفع كان كما قال { فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان } كان صوابا على قولك : فواحدة ( مقنع ، فواحدة ) رِضا .

وقوله : { ذلك أَدْنَى أَلاَّ تَعُولُواْ } : ألاّ تميلوا . وهو أيضا في كلام العرب : قد عال يعول . وفي قراءة عبد الله : ( ولا يَعُلْ أن يأتِينِي بهم جميعا ) كأنه في المعنى : ولا يشقْ عليه أن يأتيني بهم جميعا . والفقر يقال منه عال يعيل عَيْلة ؛ وقال الشاعر :

ولا يدرى الفقير متى غناه *** ولا يردى الغنِىُّ متى يَعِيل