ولما كان تعالى قد{[20343]} أجرى سنة الإلهية في أنه لا بد في التناسل من توسط{[20344]} النكاح إلا ما كان من آدم وحواء وعيسى عليهم الصلاة والسلام ، وكانوا قد أمروا بالعدل في أموال اليتامى ، وكانوا يلون{[20345]} أمور يتاماهم ، وكانوا ربما نكحوا من في حجورهم منهن ، فكان ربما أوقفهم هذا التحذير من أموالهم عن النكاح خوفاً من التقصير في حق من حقوقهن أتبعه تعالى عطفاً على ما تقديره : فإن وثقتم من أنفسكم{[20346]} بالعدل فخالطوهم بالنكاح وغيره : { وإن خفتم } فعبر بأداة الشك حثاً على الورع { ألا تقسطوا } أي تعدلوا { في اليتامى } ووثقتم من أنفسكم بالعدل في غيرهن { فانكحوا } .
ولما كانت النساء ناقصات عقلاً وديناً ، عبر عنهن بأداة ما لا يعقل إشارة إلى الرفق بهن والتجاوز عنهن فقال : { ما } ولما أفاد أنكحوا الإذن المتضمن للحل ، حمل الطيب على اللذيذ المنفك عن النهي السابق ليكون الكلام عاماً مخصوصاً بما يأتي من آية المحرمات من النساء - ولا يحمل الطيب على الحل لئلا يؤدي - مع كونه تكراراً - إلى أن يكون الكلام مجملاً - لأن الحل لم يتقدم علمه ، والحمل على العام المخصوص أولى ، لأنه حجة في غير محل التخصيص ، والمجمل{[20347]} ليس بحجة أصلاً - أفاده{[20348]} الإمام الرازي ؛ فقال تعالى : { طاب } أي زال عنه حرج النهي السابق ولذّ ، وأتبعه قيداً لا بد منه بقوله : { لكم } وصرح بما علم التزاماً فقال : { من النساء } أي من غيرهن { مثنى وثلاث ورباع } أي حال كون هذا المأذون في نكاحه{[20349]} موزَّعاً هكذا : ثنتين ثنتين وثلاثاً ثلاثاً وأربعاً أربعاً لكل واحد ، وهذا الحكم عرف من العطف بالواو ، ولو كان بأو لما أفاد التزوج إلا على أحد هذه الوجوه الثلاثة{[20350]} ، ولم يفد التخيير المفيد للجمع بينها على سبيل التوزيع ، وهذا دليل واضح على أن النساء أضعاف الرجال ، وروى البخاري في التفسير " عن عروة ابن الزبير أنه سأل عائشة رضي الله عنها عن قوله{[20351]} تعالى : { وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى } [ النساء : 3 ] ، فقالت : يا ابن أختي ! هذه اليتيمة تكون في حجر وليها ، تشركه في ماله ، ويعجبه مالها وجمالها ، فيريد وليها أن يتزوجها بغير أن يقسط{[20352]} في صداقها فيعطيها مثل ما يعطيها{[20353]} غيره ، فنهوا عن ذلك أن ينكحوهن إلا أن يقسطوا لهن ويبلغوا لهن أعلى سنتهن{[20354]} في الصداق ، فأمروا أن ينكحوا ما طاب لهم من النساء سواهن قال عروة : قالت عائشة : وإن الناس استفتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد هذه الآية ، فأنزل الله عز وجل{ و{[20355]}يستفتونك في النساء }[ النساء : 127 ] قالت عائشة : وقول الله عز وجل في آية أخرى{ وترغبون أن تنكحوهن }[ النساء : 127 ] رغبة{[20356]} أحدكم عن يتيمته حين تكون قليلة {[20357]}المال والجمال ، قالت{[20358]} : فنهوا أن ينكحوا من رغبوا في ماله وجماله في يتامى النساء إلا بالقسط ، من أجل رغبتهم عنهن إذا كن قليلات المال والجمال " وفي رواية " في النكاح " ، فكما يتركونها حين يرغبون عنها فليس لهم أن ينكحوها إذا رغبوا فيها{[20359]} إلا أن يقسطوا لها ويعطوها حقها الأوفى في الصداق ؛ وهذا الخطاب للأحرار دون العبيد ، لأن العبد لا يستقل{[20360]} بنكاح{[20361]} ما طاب له ، بل لا بد من إذن السيد .
ولما كان النساء كالتيامى في الضعف قال مسبباً عن الإذن في النكاح : { فإن خفتم ألا تعدلوا } أي في الجمع{[20362]} { فواحدة } أي فانكحوها ، لأن الاقتصار عليها أقرب إلى العدل ، لأنه ليس معها من يقسم له فيجب العدل بينها وبينه ، ولما كان حسن العشرة المؤدي إلى العدل دائراً على اطراح النفس ، وكان الإماء - لكسرهن بالغربة وعدم الأهل - أقرب إلى حسن العشرة سوّى بين العدد منهن إلى غير نهاية وبين الواحدة من الحرائر فقيل : { أو ما } أي انكحوا ما { ملكت أيمانكم } فإنه لا قسم بينهن ، وذكر ملك اليمين يدل أيضاً على أن الخطاب من أوله خاص بالأحرار { ذلك } أي نكاح غير اليتامى والتقلل من الحرائر والاقتصار على الإماء { أدنى } أي أقرب{[20363]} إلى { ألا تعولوا * } أي{[20364]} تميلوا{[20365]} بالجور عن{[20366]} منهاج القسط وهو الوزن المستقيم ، أو تكثر{[20367]} عيالكم ، أما عند الواحدة فواضح ، وأما عند الإماء فالبعزل{[20368]} ، وعدم احتياج الرجل معهن لخادم له أو لهن ، والبيع لمن أراد منهن ، وأمرهن بالاكتساب ، أو تحتاجوا فتظلموا بعض النساء ، أو تأكلوا أموال التيامى ؛ وكل معنى من هذه راجع إلى لازم لمعنى{[20369]} المادة التي مدارها عليه ، لأن مادة " علا " {[20370]} - واوية بجميع تقاليبها الست : علو ، عول ، لوع ، لعو ، {[20371]}وعل ، ولع{[20372]} ؛ ويائية بتركيبيها : ليع{[20373]} ، عيل تدور على الارتفاع ، ويلزمه الزيادة والميل ، فمن{[20374]} الارتفاع : العلو والوعل والولع ، ومن الميل والزيادة : العول ، وبقية المادة يائيةً و{[20375]}واويةً إما للإزالة ، وإما لأحد هذه المعاني - على ما يأتي بيانه ؛ فعلا يعلو : ارتفع ، والعالية : {[20376]}الفتاة القويمة - لأنها تكون أرفع مما ساواها وهو معوج ، والعالية من محال الحجاز - لإشرافها على ما حولها ، وكذا العوالي - لقرى{[20377]} بظاهر المدينة الشريفة{[20378]} - لأنها في المكان العالي الذي يجري ماؤه إلى غيره ، والمعلاة : كسب الشرف ، ومقبرة{[20379]} مكة بالحجون - لأنها في أعلى مكة وماؤها يصوب إلى ما دونه ، وفلان من علية الناس ، أي أشرافهم ، والعلية بالتشديد : الغرفة ، وعلى حرف الاستعلاء{[20380]} ، وتعلت المرأة من نفاسها ، أي طهرت وشفيت - لأنها كانت في سفول من الحال ، والعلاوة : رأس الجبل وعنقه ، وما يحمل على البعير بين العدلين ، ومن كل شيء : ما زاد عليه ، والمعلى : القدح السابع{[20381]} من{[20382]} الميسر - لأنه الغاية في القداح الفائزة ، لأن القداح عشرة : السبعة الأولى منها فائزة ، والثلاثة الأخيرة مهملة لا أنصباء{[20383]} لها ، وعلوان الكتاب : عنوانه وارتفاعه على بقية الكتاب واضح ، والعليان : الطويل والضخم ، والناقة المشرفة ، ومن الأصوات : الجهيرة ، والعلاة : السندان ، والعلياء : رأس كل جبل مشرف ، والسماء ، والمكان العالي ، وكل ما علا من شيء ، وعليك زيداً : الزمه - لأنه يلزم من ملازمته له العلو على أمره ، وعلا النهار : ارتفع{[20384]} ، وعلا الدابة : ركبها ، وأعلى عنها : نزل - كأنه من الإزالة ، وكذا علَّى المتاع عن الدابة تعلية : أنزله ، وأعليت عن الوسادة وعاليت{[20385]} : ارتفعت وتنحيت{[20386]} ، ورجل عالي{[20387]} الكعب : شريف ، وعلَّى الكتاب{[20388]} تعلية : عنونه{[20389]} كعلونه{[20390]} ، وعالوا نعيه{[20391]} : أظهروه ، والعلي : الشديد{[20392]} القوي ، وعليون في السماء السابعة ، وأخذه علواً : عنوة ، والتعالي{[20393]} : الارتفاع ، إذا أمرت{[20394]} منه{[20395]} قلت{[20396]} : تعال - بفتح اللام ، ولها : تعالي . ولو كنت في موضع أسفل من موضع المأمور ، لأنه يحتاج إلى تطاول مهما{[20397]} كان{[20398]} بينك وبينه مسافة ، ولأن{[20399]} الآمر أعلى من المأمور رتبة فموضعه كذلك ، وتعلى{[20400]} : علا في مهلة{[20401]} ، والمعتلي{[20402]} : الأسد ؛ واللعو : السيء الخلق ، و{[20403]}الفسل ، والشره{[20404]} الحريص ، واللاعي : الذي يفزعه أدنى شيء ، إما{[20405]} لأنه وصل إلى الغاية في السفول فتسنم أعلاها حتى رضي لنفسه هذه الأخلاق{[20406]} ، وإما لأنه من باب الإزالة ، أو{[20407]} التسمية بالضد ، و{[20408]}ذئبة لعوة{[20409]} وامرأة لعوة{[20410]} ، أي حريصة ، واللعوة : السواد بين حلمتي الثدي ، إما لأن ذلك أعلاه ، وإما لعلو{[20411]} لون السواد على لون الثدي ، والألعاء : السلاميات ، والسلامى عظم يكون في فرسن البعير ، وعظام{[20412]} صغار في اليد والرجل ، وذلك لأن العظام أعلى ما في الجسد في القوة والشدة والصلابة ، وهي أعظم قوامه ؛ واللاعية : شجيرة{[20413]} في سفح الجبل ، لها نور أصفر ، ولها لبن ، وإذا{[20414]} ألقي منه شيء في غدير{[20415]} السمك أطفاها ، أي جعلها طافية أي عالية{[20416]} على وجه الماء ، سميت بذلك إما من باب الإزالة نظراً{[20417]} إلى محل بيتها{[20418]} ، وإما لأن ريحها يعلو كل ما خالطه ويكسبه طعمها ، وإما{[20419]} لفعلها هذا في السمك ، وتلعّى{[20420]} العسل : تعقّد وزناً ومعنى{[20421]} - إما من اللاعية لأنها كثيرة العقد ، وإما من لازم العلو : القوة والشدة ، ولعا لك - يقال عند العثرة ، أي أنعشك{[20422]} الله ؛ والعول : ارتفاع الحساب في الفرائض ، والعول : الميل ، وقدم تقدم أنه لازم للعلو ، والعول{[20423]} : كل أمر غلبك{[20424]} ، كأنه علا عنك فلم تقدر{[20425]} على نيله ، والمستعان به - لأنه لا يتوصل به إلى المقصود إلا وفيه علو ، وقوت العيال - لأنه سبب علوهم ، وعوّل{[20426]} عليه معولاً{[20427]} : اتكل واعتمد ، والاسم كعنب ، وعيّل ككيس{[20428]} ، وعال : جار{[20429]} والميزان : نقص أو زاد{[20430]} ، فالزيادة من الارتفاع ، والنقص من لازم الميل ، وعالت الفريضة : ارتفعت أي زادت سهامها فدخل النقصان على أهل الفرائض ، قال أبو عبيد{[20431]} : أظنه مأخوذاً{[20432]} من الميل ، وعال أمرهم : اشتد وتفاقم ، وعال فلان عولاً وعيالاً : كثر{[20433]} عياله ، كأعول وأعيل ، ورجل معيل ومعيّل{[20434]} ذو عيال ، وأعال الرجل وأعول - إذا حرص ، إما مما تقدم تخريجه ، وإما لأنه لازم لذي العيال ، وعال عليه : حمل ، أي رفع عليه الحمول كعول ، وفلان : حرص ، والفرس ، صوتت ، وأعولت المرأة : رفعت صوتها بالبكاء ، وعيل عوله{[20435]} : ثكلته أمه - لما يقع من صياحها ، وعيل ما هو عائله : غلب{[20436]} ما هو غالبه ، يضرب لمن يعجب من كلامه ونحوه لأنه{[20437]} لا يكون كذلك إلا وقد خرج عن أمثاله علواً ، وقد يكون بسفول ، فيكون من التسمية بالضد ، والعالة{[20438]} : النعامة لأنها أطول الطير ، وما له عال ولا مال : شيء لأن ذلك غاية في السفول إن كان عجزاً ، وفي العلو إن كان زهداً ، ويقال للعاثر : عالك عالياً .
كقولهم : لعا لك ، والمعول : حديدة تنفر{[20439]} بها الجبال - من القوة اللازمة للعلو{[20440]} ، والعالة ، شبه الظلة{[20441]} يستر بها من المطر{[20442]} ؛ واللوعة : حرقة{[20443]} توجد من الحزن أو{[20444]} الحب أو{[20445]} المرض أو الهم - لأنها تعلو الإنسان ، ولاعه الحب : أمرضه ، وأتان لاعة الفؤاد إلى جحشها - كأنها ولهى{[20446]} فزعاً ، ولاع يلاع : جزع أو مرض ورجل هاع{[20447]} لاع : جبان جزوع ، أو حريص ، أو سيىء الخلق - لما علاه من هذه{[20448]} الأخلاق المنافية للعقل وغلبه{[20449]} منها ، ولاعته{[20450]} الشمس : غيرت لونه واللاعة أيضاً : الحديدة{[20451]} الفؤاد الشهمة{[20452]} - {[20453]}لأنه يعلو غيره{[20454]} ، وامرأة لاعة : التي{[20455]} تغازلك ولا تمكنك{[20456]} - لما لها في ذلك من الغلبة والعلو على القلوب ؛ والوعل : تيس الجبل{[20457]} ، والشريف ، والملجأ ، والوعلة : الموضع المنيع من الجبل ، أو صخرة مشرفة منه ، وهم علينا وعل واحد : مجتمعون ، وما لك عن ذلك وعل ، أي بد - فإنه لولا علوه عليك ما اضطررت إليه ، والوعل : اسم شوال{[20458]} - كأنه لما له من العلو بالعيد والحج ، والوعل ككتف{[20459]} : اسم شعبان لما له من العلو بتوسطه بين رجب وشوال ، والوعلة{[20460]} أيضاً : عروة القميص والزير زره{[20461]} والقدح والإبريق الذي يعلق بها فيعلو ، ووعال كغراب : حصن باليمن ، والمستوعل - بفتح العين : حرز الوعل ، ووعل كوعد : أشرف ، وتوعلت الجبل{[20462]} : علوته ؛ وأولع فلان بكذا ، أو{[20463]} ولع بالكسر : استخف{[20464]} ، أي صار{[20465]} عالياً{[20466]} عليه غالباً له لإطاقته حمله ، وولع بحقه : ذهب ، وولع بالفتح - إذا كذب ، إما للإزالة وإما لأنه استخفه الكذب فحمله ، وولع والع - مبالغة ، أي كذب عظيم والمولع : الذي فيه لمع من ألوان - كأنه علا على تلك الألوان ، أو غلب تلك الألوان أصل لونه ، وعبارة القاموس : والتوليع : استطالة البلق ، يقال{[20467]} برذون وثور مولع - كمعظم ، والوليع : الطلع ما دام في قيقائه ، أي وعائه{[20468]} . وهو قشرة الطلع لعلوه{[20469]} ، وما أدري ما ولعه - بالفتح أي حبسه ، إما للإزالة ، لإنه لما منعه كان{[20470]} كأنه أزال علوه ، وإما لأنه علا عليه ، وأولعه به{[20471]} ، أي أغراه ، أي حمله عليه ؛ والعيلة{[20472]} : الحاجة ، وعال يعيل - إذا افتقر ، وذلك إما من الإزالة ، أو لأن الحاجة علته ، أو لأنها ميل ، وعالني الشيء : أعجزني ، وعيل صبري : قل وضعف{[20473]} أي علاه من الأمر ما أضعفه ، وعلت الضالة : لم أدر أين أبغيها ، والمعيل{[20474]} : الأسد والنمر والذئب - لأنه يعيل صيداً أي يلتمس ، فهو يرجع إلى العلو والقدرة على الطلب ، وعالني الشيء : أعوزني - إما أزال علوي ، أو علا عني ، وعال في {[20475]}مشيه{[20476]} : تمايل {[20477]}واختال وتبختر{[20478]} - لأنه لا يفعله إلا عال في نفسه مع أنه كله من الميل ، وعال في الأرض : ذهب أي علا عليها مشياً ، والذكر من الضباع{[20479]} عيلان ، والعيل محركة : عرضك حديثك وكلامك على من لا يريده{[20480]} وليس من شأنه - كأنه لم يهتد لمن يريده فعرضه على من لا يريده{[20481]} ، فهو يرجع إلى الحاجة المزيلة للعلو ؛ وليعة{[20482]} الجوع - بالفتح : حرقته - كما تقدم في اللوعة ، ولعت - بالكسر : ضجرت ، كأنه من الإزالة ، أو أن العلو للأمر المتضجر منه ، والملياع{[20483]} - بالكسر : السريعة العطش لأنها تعلو الإبل حينئذ سبقا{[20484]} إلى الماء أو لأن العطش علاها ، والملياع : التي تقدم الإبل سابقة ثم ترجع إليها ، وريح لياع{[20485]} - بالكسر : شديدة ، وقد وضح بذلك صحة ما {[20486]}فسر به{[20487]} إمامنا الشافعي صريحاً ومطابقة - كما تقدم ، وشهد له العول في الحساب والسهام ، وهو كثرتها ، وظهر تحامل من رد ذلك وقال : إنه لا يقال في كثرة العيال إلا : عال{[20488]} يعيل ، وكم من عائب{[20489]} قولا صحيحاً ! وكيف لا وهو من الأئمة المحتج بأقوالهم في اللغة ، وقد وافقه غيره وشهد لقوله الحديث الصحيح ؛ قال الإمام يحيى بن أبي الخير العمراني الشافعي في كتابه البيان : { ألا تعولوا{[20490]} } قال الشافعي : معناه أن لا تكثر{[20491]} عيالكم{[20492]} ومن تمونونه{[20493]} ، وقيل : إن أكثر السلف قالوا : المعنى أن لا تجوروا{[20494]} ، يقال : عال يعول - إذا جار ، عال يعيل - إذا كثر عياله ؛ إلا زيد بن أسلم فإنه قال : معناه أن لا تكثر عيالكم ، وقول النبي صلى الله عليه وسلم يشهد لذلك ، قال :
" ابدأ بنفسك ثم بمن تعول " انتهى .
وهذا الحديث أخرجه الشيخان وغيرهما عن حكيم بن حزام عن أبي هريرة رضي الله عنهما بلفظ " أفضل الصدقة ما كان عن{[20495]} ظهر غنى ، واليد العليا خير من اليد السفلى ، وابدأ بمن تعول " وفي الباب أيضاً عن عمران بن حصين وأبي رمية العلوي وأبي أمامة رضي الله عنهم ، وأثر زيد بن أسلم رواه الدارقطني والبيهقي من طريق سعيد بن أبي هلال عنه ، قال : " ذلك أدنى أن لا يكثر من يعولونه " أفاده{[20496]} شيخنا ابن حجر في تخريج أحاديث الرافعي وقال الإمام : إن تفسير الشافعي هو تفسير الجماعة ، عبر عنه بالكناية{[20497]} وهي ذكر الكثرة ، وأراد{[20498]} الميل لكون الكثرة ، لا تنفك عنه ، وقال ابن الزبير : لما تضمنت سورة البقرة ابتداء الخلق وإيجاد آدم عليه الصلاة والسلام من غير أب ولا أم ، وأعقبت بسورة آل عمران لتضمنها – مع {[20499]}ما ذكر{[20500]} في صدرها - أمر عيسى عليه الصلاة والسلام ، وأنه كمثل آدم عليه الصلاة والسلام في عدم{[20501]} الافتقار إلى أب ، وعلم الموقنون من ذلك أنه تعالى لو شاء لكانت سنة فيمن بعد آدم عليه الصلاة والسلام ، فكأن سائر الحيوان{[20502]} لا يتوقف إلا على أم فقط ؛ أعلم سبحانه أن من عدا المذكورين عليهما الصلاة والسلام من ذرية آدم سبيلهم{[20503]} سبيل الأبوين فقال تعالى : { يا أيها الناس اتقوا ربكم } إلى قوله : { وبث منهما{[20504]} رجالاً كثيراً ونساء } ثم أعلم تعالى كيفية{[20505]} النكاح المجعول سبباً{[20506]} في التناسل وما يتعلق به ، وبين حكم الأرحام و{[20507]}المواريث فتضمنت السورة ابتداء الأمر وانتهاءه{[20508]} ، فأعلمنا بكيفية التناكح وصورة الاعتصام واحترام بعضنا{[20509]} لبعض وكيفية تناول الإصلاح فيما بين الزوجين عند التشاجر والشقاق ، وبين لنا ما ينكح وما أبيح من العدد وحكم من لم يجد الطول وما يتعلق بهذا إلى المواريث ، فصل ذلك كله إلا{[20510]} الطلاق .
لأن{[20511]} أحكامه تقدمت ، ولأن بناء هذه السورة على التواصل والائتلاف ورعي حقوق ذوي الأرحام وحفظ ذلك كله إلى حالة{[20512]} الموت المكتوب علينا ، وناسب هذا المقصود من{[20513]} التواصل والألفة ما افتتحت به السورة من قوله تعالى :{ الذي خلقكم من نفس واحدة }[ النساء : 1 ] ، فافتتحها بالالتئام والوصلة {[20514]}ولهذا خصت{[20515]} من حكم تشاجر الزوجين بالإعلام بصورة الإصلاح والمعدلة{[20516]} إبقاء لذلك التواصل{[20517]} فلم يكن الطلاق ليناسب هذا ، فلم يقع له هنا{[20518]} ذكر{[20519]} إلا إيماء{[20520]}{ وإن يتفرقا يغن الله كلا من سعته }[ النساء : 13 ] ولكثرة{[20521]} ما يعرض من رعي حظوظ النفوس عند الزوجية ومع القرابة - ويدق ذلك ويغمض{[20522]} - تكرر كثيراً في هذه السورة الأمر بالاتقاء ، وبه افتتحت{ اتقوا ربكم }[ النساء : 1 ] ، { واتقوا الله الذي تسآءلون به والأرحام }[ النساء : 1 ] ، { ولقد وصينا الذين أوتوا الكتاب من قبلكم وإياكم أن اتقوا الله }[ النساء : 131 ] ، ثم حذروا من حال من صمم{[20523]} على الكفر وحال اليهود والنصارى والمنافقين وذوي التقلب في الأديان بعد أذن اليقين ، وكل ذلك تأكيد لما أمروا به من الاتقاء ، والتحمت الآيات إلى الختم بالكلالة من المواريث المتقدمة - انتهى .