الدر المنثور في التفسير بالمأثور للسيوطي - السيوطي  
{وَإِنۡ خِفۡتُمۡ أَلَّا تُقۡسِطُواْ فِي ٱلۡيَتَٰمَىٰ فَٱنكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ ٱلنِّسَآءِ مَثۡنَىٰ وَثُلَٰثَ وَرُبَٰعَۖ فَإِنۡ خِفۡتُمۡ أَلَّا تَعۡدِلُواْ فَوَٰحِدَةً أَوۡ مَا مَلَكَتۡ أَيۡمَٰنُكُمۡۚ ذَٰلِكَ أَدۡنَىٰٓ أَلَّا تَعُولُواْ} (3)

أخرج عبد بن حميد والبخاري ومسلم والنسائي وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في سننه عن عروة بن الزبير أنه سال عائشة عن قول الله { وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى } قالت : يا ابن أختي هذه اليتيمة تكون في حجر وليها تشركه في مالها ويعجبه مالها وجمالها ، فيريد وليها أن يتزوجها بغير أن يقسط في صداقها ، فيعطيها مثل ما يعطيها غيره . فنهوا عن أن ينكحوهن إلا أن يقسطوا لهن ويبلغوا بهن أعلى سنتهن في الصداق ، وأمروا أن ينكحوا ما طاب لهم من النساء سواهن ، وإن الناس استفتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد هذه الآية . فأنزل الله ( ويستفتونك في النساء ) ( البقرة الآية 220 ) قالت عائشة : وقول الله في الآية الأخرى ( وترغبون أن تنكحوهن ) ( النساء الآية 127 ) رغبة أحدكم عن يتيمته حين تكون قليلة المال والجمال . فنهوا أن ينكحوا من رغبوا في ماله وجماله من باقي النساء إلا بالقسط من أجل رغبتهم عنهن إذا كن قليلات المال والجمال .

وأخرج البخاري عن عائشة أن رجلا كانت له يتيمة فنكحها ، وكان لها عذق فكان يمسكها عليه ، ولم يكن لها من نفسه شيء . فنزلت فيه { وإن خفتم أن لا تقسطوا في اليتامى } أحسبه قال كانت شريكته في ذلك العذق وفي ماله .

وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن عائشة قالت : نزلت هذه الآية في اليتيمة تكون عند الرجل وهي ذات مال ، فلعله ينكحها لمالها وهي لا تعجبه ، ثم يضربها ويسيء صحبتها . فوعظ في ذلك .

وأخرج ابن أبي شيبة في المصنف وابن جرير وابن المنذر عن عكرمة قال : كان الرجل من قريش يكون عند النسوة ويكون عند الأيتام ، فيذهب ماله فيميل على مال الأيتام . فنزلت هذه الآية { وإن خفتم أن لا تقسطوا في اليتامى } الآية .

وأخرج ابن جرير عن عكرمة في الآية قال : كان الرجل يتزوج الأربع والخمس والست والعشر فيقول الرجل : ما يمنعني أن أتزوج كما تزوج فلان ! فيأخذ مال يتيمة فيتزوج به ، فنهوا أن يتزوجوا فوق الأربع .

وأخرج ابن جرير من طريق العوفي عن ابن عباس في الآية قال : كان الرجل يتزوج بمال اليتيم ما شاء الله تعالى ، فنهى الله عن ذلك .

وأخرج الفريابي وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال : قصر الرجال على أربع نسوة من أجل أموال اليتامى .

وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير قال : بعث الله محمدا صلى الله عليه وسلم والناس على أمر جاهليتهم إلا أن يؤمروا بشيء وينهوا عنه ، فكانوا يسألون عن اليتامى ولم يكن للنساء عدد ولا ذكر ، فأنزل الله { وإن خفتم أن لا تقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم . . . } الآية . وكان الرجل يتزوج ما شاء فقال : كما تخافون أن لا تعدلوا في اليتامى فخافوا في النساء أن لا تعدلوا فيهن . فقصرهم على الأربع .

وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في الآية قال : كانوا في الجاهلية ينكحون عشرا من النساء الأيامى ، وكانوا يعظمون شأن اليتيم ، فتفقدوا من دينهم شأن اليتامى ، وتركوا ما كانوا ينكحون في الجاهلية .

وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم من طريق سعيد بن جبير عن ابن عباس في الآية قال : كما خفتم أن لا تعدلوا في اليتامى فخافوا أن لا تعدلوا في النساء إذا جمعتموهن عندكم .

وأخرج ابن جرير عن الضحاك في الآية قال : كانوا في الجاهلية لا يرزءون من مال اليتيم شيئا وهم ينكحون عشرا من النساء وينكحون نساء آبائهم ، فتفقدوا من دينهم شأن النساء .

وأخرج ابن أبي حاتم من طريق محمد بن أبي موسى الأشعري عن ابن عباس في الآية يقول : فإن خفتم الزنا فانكحوهن يقول : كما خفتم في أموال اليتامى أن لا تقسطوا فيها كذلك فخافوا على أنفسكم ما لم تنكحوا .

وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد في الآية يقول : إن تحرجتم في ولاية اليتامى وأكل أموالهم إيمانا وتصديقا فكذلك فتحرجوا من الزنا ، وانكحوا النساء نكاحا طيبا مثنى وثلاث ورباع .

وأخرج عبد بن حميد عن ابن إدريس قال أعطاني الأسود بن عبد الرحمن بن الأسود مصحف علقمة فقرأت { فانكحوا ما طاب لكم من النساء } بالألف ، فحدثت به الأعمش فأعجبه ، وكان الأعمش لا يكسرها . لا يقرأ { طيب } بمال ، وهي في بعض المصاحف بالياء { طيب لكم } .

وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن أبي مالك { ما طاب لكم } قال : ما أحل لكم .

وأخرج ابن جرير عن الحسن وسعيد بن جبير { ما طاب لكم } قال : ما حل لكم .

وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر عن عائشة { ما طاب لكم } يقول : ما أحللت لكم .

قوله تعالى : { مثنى وثلاث ورباع } .

أخرج الشافعي وابن أبي شيبة وأحمد والترمذي وابن ماجة والنحاس في ناسخه والدارقطني والبيهقي عن ابن عمر . أن غيلان بن سلمة الثقفي أسلم وتحته عشر نسوة فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : " اختر منهن - وفي لفظ - أمسك أربعا وفارق سائرهن " .

وأخرج ابن أبي شيبة والنحاس في ناسخه عن قيس بن الحارث قال : أسلمت وكان تحتي ثمان نسوة ، فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته فقال : اختر منهن أربعا وخل سائرهن ففعلت " .

وأخرج ابن أبي شيبة عن محمد بن سيرين قال : قال عمر : من يعلم ما يحل للمملوك من النساء ؟ قال رجل : أنا . امرأتين فسكت .

وأخرج ابن أبي شيبة والبيهقي في سننه عن الحكم قال : أجمع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم على أن المملوك لا يجمع من النساء فوق اثنتين .

وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن قتادة في { فإن خفتم أن لا تعدلوا } الآية يقول إن خفت أن لا تعدل في أربع فثلاث ، وإلا فاثنتين ، وإلا فواحدة ، فإن خفت أن لا تعدل في واحدة فما ملكت يمينك .

وأخرج ابن جرير عن الربيع . مثله .

وأخرج ابن جرير عن الضحاك { فإن خفتم أن لا تعدلوا } قال : في المجامعة والحب .

وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن السدي { أو ما ملكت أيمانكم } قال : السراري .

وأخرج ابن المنذر عن ابن عباس في قوله { أو ما ملكت أيمانكم } فكانوا في حلال مما ملكت أيمانكم من الإماء كلهن . ثم أنزل الله بعد هذا تحريم نكاح المرأة وأمها ، ونكاح ما نكح الآباء والأبناء ، وأن يجمع بين الأخت والأخت من الرضاعة ، والأم من الرضاعة ، والمرأة لها زوج حرم الله ذلك حر من حرة أو أمة .

وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم وابن حبان في صحيحه عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم { ذلك أدنى ألا تعولوا } قال : أن لا تجوروا قال ابن أبي حاتم : قال أبي : هذا حديث خطأ ، والصحيح عن عائشة موقوف .

وأخرج سعيد بن منصور وابن أبي شيبة في المصنف وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم من طرق عن ابن عباس في قوله { أن لا تعولوا } قال : أن لا تميلوا .

وأخرج الطستي في مسائله عن ابن عباس أن نافع بن الأزرق سأله عن قوله { ذلك أدنى أن لا تعولوا } قال : أجدر أن لا تميلوا . قال : وهل تعرف العرب ذلك ؟ قال : نعم . أما سمعت قول الشاعر :

إنا تبعنا رسول الله واطرحوا *** قول النبي وعالوا في الموازين

وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن جرير والمنذر وابن أبي حاتم عن عكرمة في قوله { ألا تعولوا } قال : أن لا تميلوا . ثم قال : أما سمعت قول أبي طالب :

بميزان قسط لا تخيس سعيرة *** ووازن صدق وزنه غير عائل

وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن أبي إسحق الكوفي قال : كتب عثمان بن عفان إلى أهل الكوفة في شيء عاتبوه فيه : إني لست بميزان لا أعول .

وأخرج ابن أبي شيبة وعبد الرحمن وابن جرير وابن المنذر عن مجاهد { ألا تعولوا } قال : أن لا تميلوا .

وأخرج ابن أبي شيبة عن أبي رزين وأبي مالك والضحاك . مثله .

وأخرج ابن أبي حاتم عن زيد بن أسلم في الآية قال : { ذلك أدنى } أن لا يكثر من تعولوا .

وأخرج ابن جرير عن ابن زيد في الآية قال : ذلك أقل لنفقتك . الواحدة أقل من عدد ، وجاريتك أهون نفقة من حرة ، أهون عليك في العيال .

وأخرج ابن أبي حاتم عن سفيان بن عيينة { ألا تعولوا } قال : أن لا تفتقروا . والله تعالى أعلم .