قوله تعالى : { وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُواْ فِي اليتامى . . . }[ النساء :3 ] .
قال أبو عُبَيْدَةِ : خِفْتُم ها هنا بمعنى أيْقَنْتُمْ .
قال ( ع ) : وما قاله غيرُ صحيحٍ ، ولا يكون الخَوْفُ بمعنى اليَقِينِ بوجْهٍ ، وإنما هو من أَفْعَالِ التوقُّع ، إلاَّ أنه قد يَمِيلُ فيه الظنُّ إلى إحدى الجِهَتَيْنِ ، قُلْتُ : وكذا رَدَّ الدَّاوُدِيُّ على أبي عبيدة ، ولفظه : وعن أبي عُبَيْدة : { فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُواْ } مجازه : أيْقَنْتُمْ ، قال أبو جعفر : بل هو على ظَاهِرِ الكلمةِ ، انتهى .
و{ تُقْسِطُواْ } معناه : تَعْدِلُوا ، يقال : أَقْسَطَ الرَّجُلُ إذا عَدَلَ ، وقَسَطَ إذا جَار ، قالتْ عائشةُ ( رضي اللَّه عنها ) : " نزَلَتْ هذه الآيةُ في أولياء اليتامَى الَّذِينَ يُعْجِبُهم جمالُ وليَّاتهم ، فيريدُونَ أنْ يبخَسُوهُنَّ في المَهْر ، لمكانِ وَلاَيَتِهِمْ عَلَيْهِنَّ ، فقيل لهم : اقسطوا في مهورِهِنَّ ، فمَنْ خَافَ ألاَّ يُقْسطَ ، فليتزوَّج ما طَابَ له مِنَ الأجنبيَّات اللَّوَاتِي يُكَايِسْنَ في حقوقِهِنَّ " ، وقاله ربيعة .
قال الحسَنُ وغيره : { مَا طَابَ } : معناه ما حلَّ .
وقيلَ : ( ما ) ظرفيةٌ ، أي : ما دُمْتُم تستحسنُون النِّكَاحَ ، وضُعِّفَ ، قُلْتُ : في تضعيفه نَظَرٌ ، فتأمَّله .
قال الإمام الفَخْر : وفي تفسير { مَا طَابَ } بِما حَلَّ نَظَرٌ ، وذلك أنَّ قوله تعالى : { فانكحوا } : أمْرُ إباحةٍ ، فلو كان المرادُ بقوله : { مَا طَابَ لَكُمْ } ، أي : ما حَلَّ لكم ، لتنزَّلت الآية منزلةَ ما يُقَالُ : أبَحْنَا لكم نِكَاحَ مَنْ يكون نكاحُها مباحاً لكم ، وذلك يُخْرِجُ الآيةَ عن الفائدةِ ، ويصيِّرها مُجْمَلَةً لا محالةَ ، أما إذا حَمَلْنا «طَابَ » على استطابةِ النَّفْسِ ، ومَيْلِ القلبِ ، كانَتِ الآيةُ عامَّة ، دخَلَها التخْصيصُ ، وقد ثَبَتَ في أصول الفقْهِ ، أنه إذا وقع التعارُضُ بَيْن الإجمال والتَّخْصِيص ، كان رَفْع الإجمال أولى ، لأنَّ العامَّ المخصَّص حُجَّةٌ في غَيْر محلِّ التخصيص ، والمُجْمَلُ لا يكونُ حُجَّةً أصلاً .
و{ مثنى وثلاث وَرُبَاعَ } : موضعها من الإعراب نَصْبٌ على البدل من «مَا طَابَ » ، وهي نكراتٌ لا تنصرفُ ، لأنها معدولةٌ وصِفَة .
وقوله : { فواحدة } ، أي : فانكحوا واحدةً { أو ما ملَكَتْ أيْمَانُكُم } يريد به الإماءَ ، والمعنى : إنْ خَافَ أن لاَّ يَعْدِلَ في عِشْرةٍ واحدةٍ ، فما ملكت يمينه ، وأسند المِلْكَ إلى اليمين ، إذ هي صفةُ مَدْحٍ ، واليمينُ مخصوصةٌ بالمحاسِنِ ، أَلاَ ترى أنَّها المُنْفِقَة ، كما قال عليه السلام : ( حتى لاَ تَعْلَمَ شِمَالُهُ مَا تُنْفِقُ يَمِينُهُ ) ، وهي المعاهِدَةُ المُبَايِعَة .
قال ابن العَرَبِيِّ : قال علماؤُنَا : وفي الآيةِ دليلٌ على أنَّ مِلْكَ اليمينِ لا حَقَّ له في الوَطْءِ والقَسمِ ، لأنَّ المعنى : ( فَإنْ خفتم ألاَّ تعدِلُوا ) في القَسْم ، ( فواحدةٌ ، أو ما مَلَكَتْ أيمانكم ، فجعل سبحانه مِلْكَ اليمينِ كلَّه بمنزلةِ الوَاحِدَة ، فانتفى بذلك أنْ يكون للأَمَةِ حَقٌّ في وَطْءٍ أوْ قَسم ، انتهى من «الأحكام » .
وقوله : { ذلك أدنى أَلاَّ تَعُولُواْ } ، ( أدنى ) معناه : أقرب ، ( ألاَّ تعولُوا ) ، أيْ : ألاَّ تميلوا ، قاله ابن عباس ، وغيره ، وقالَتْ فرقة : معناه أدنى ألاَّ يكثر عِيَالُكُمْ ، وقَدَحَ في هذا الزَّجَّاج ، وغيره .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.