الآية 14 وقوله تعالى : { زين للناس حب الشهوات } أي الشهيات من النساء والبنين وما ذكر إلى آخره .
قال الحسن : ( والله ما زينها إلا الشيطان ) ، إذ لا أحد أذم لها ولا مثلها من الله تعالى . وإليه يذهب المعتزلة . لكن الأصل في هذا وفي أمثاله أن الله جل وعلا زين هذه الأشياء ، والتزين من الله سبحانه يقع لوجهين ، وكذلك الكراهة تقع لوجهين : تزيين{[3635]} في الطباع ، والطبع يرغب في ما يتلذذ ، ويشتهي ، وإن لم يكن في نفسه حسن ، وتزيين{[3636]} في العقل إلا في ما ثبت حسنه بنفسه أو الأمر أو حمد العاقبة ونحو ذلك ، ثم جعل العقل مانعا له رادا عما يرغب إليه الطبع ، ويميل ، لأن الطبع أبدا يميل ، ويرغب ، إلى ما هو ألذ وأشهى وأخف عليه ، أو{[3637]} ينفر عما يضره ، ويؤلمه . والعقل لا ينفر غلا عما القبيح في نفسه ، ويرغب في ما هو الحسن في نفسه . وعلى ذلك يخرج قوله صلى الله عليه وسلم : ( حفت الجنة بالمكاره والنار بالشهوات ) [ مسلم 2822 ] ليس على كارهة العقل ولا على شهوة العقل ، لكن على كراهة الطبع وشهوته ، وكذلك قوله تعالى : { كتب عليكم القتال وهو كره لكم } [ البقرة : 216 ] ليس على كراهة الاختيار ولكن كراهة الطيع ؛ لأن كراهة العقل كراهة الاختيار ، وكذلك رغبة الاختيار ، وفيها تجري الكلفة ، أعني على اختيار العقل لا اختيار الطبع لما يميل ، ويرغب في الألذ ، وينفر عن المضار ؛ دليله [ قوله تعالى ]{[3638]} : { فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما } [ النساء : 65 ] اخبر أنهم لا يؤمنون ما وجدوا في قضائه حرجا . فدلت الآية أن الخطاب والكلفة إنما تكون على اختيار العقل وكراهيته لا على اختيار الطبع .
لذلك قلنا : إنه يجوز التزيين{[3639]} في الطبع من الله تعالى .
فأما قولهم : إن الشيطان هو الذي زينها ؛ فإن عنوا أنه يزينها لهم ، ويدعوهم إليها ، ويريهم زينتها ، فنعم ، وإن عنوا أنه يزينها بحيث نفسها لهم فلا ؛ لأن الله تعالى وصف الشيطان بالضعف ، ونفي عنه هذه القدرة ، بقوله : { إن كيد الشيطان كان ضعيفا } [ النساء : 76 ] . فلو جعلنا له التزيين{[3640]} لهم على ما قالوا لم يكن كيده على ما وصفه جل وعلا بالضعف ، ولكن كان قويا ، ولكنه قويا ، ولكنه يدعوهم إليها ، ويرغبهم فيها ، ويريهم المزين لهم . ثم دعاؤه إياهم ، وحجته في ذلك ، وقوته من حيث ما لا يطلع عليه قوله : { إنه يراكم هو وقبيله من حيث لا ترونهم } [ الأعراف : 27 ] ، فالعدو الذي يرى هو من يعاديه ، ولا يرى هو كان يجب أن يكون أحذر منه ، وأخوف ممن يرى .
ووجه آخر : أن الشهوات التي أضاف التزيين إليها لا خلاف بينهم في أنها مخلوقة الله تعالى ، فما بقي للشيطان إلا الدعاء إليها والترغيب فيها .
وفيه وجه آخر أنه لو لم يجعل هذا مزينا من الله تعالى لزال موضع استدلال الشاهد على الغائب وبالدنيا على الآخرة ؛ قد جعل ما في الدنيا نوعين مستحسنا ومستقبحا ، وجعل ذلك عيارا لما أوعد ، ووعد . فلما لم يكونا منه لا يصح موضع التعبير{[3641]} لأنه جل ، وعلا ، بلطفه سخر كل مرغوب في الدنيا ومدعوا إليه من جوهره في الآخرة ، وحسنه ليرغب الناس عن هذا إلى ما في الجنة بحسنه ولطفه وزينته ، ويدعوهم إلى ترك ما في الدنيا من الفاني إلى نعيم دائم أبدا .
فلو جعل هذا من تزيين الشيطان ، لعنه الله ، ومصنوعه لهم لذهب عظيم الاستدلال الذي ذكرنا . فدل أنه مزين منه جل وعلا تعالى الله عما يقول الظالمون علوا كبيرا .
ثم امتحنهم الله جل وعلا بترك ما زين لهم في الطباع بما ركب لهم من العقول الوافرة ليختاروا ما حسن في العقول ، وتزين . على ما ذلك جرت الكلمة والخطاب لا بما مالت إليه الطباع ، ونفرت عنه العقول ، وبالله التوفيق .
ثم في الآية دلالة وجوب الحق في كل ما ذكر في الآية من المال وكذلك الخيل . وأما في النساء والبنين فما متعوا بهم أوجب عليهم النفقة ، وكذلك القناطير المقنطرة والفضة والخيل المسومة ؛ أوجب في النساء عليهم النفقة وكذلك البنين ، وأوجب في الذهب والفضة حقا . ثم ذكر الخيل المسومة ، إن كان المراد منه جعلها سائمة . لذلك قال أبو حنيفة رضي الله عنه : ( إن في الخيل صدقة ) .
ثم اختلف في المسومة ؛ قال بعضهم : هي{[3642]} المسيبة الراعية ، وقال آخرون : هي المعلمة . وعن ابن عباس رضي الله عنه : ( المسومة الراعية ) ، وقال غيرهم : المطهمة ، وهي المحسنة .
ثم أخبر أن ما ذكر في الآية متاع الدنيا ، أمرهم بترك ذلك ، أخبر أن لهم { عنده حسن المآب } إن هم تركوا ما امتحنوا .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.