المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{وَقَرۡنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجۡنَ تَبَرُّجَ ٱلۡجَٰهِلِيَّةِ ٱلۡأُولَىٰۖ وَأَقِمۡنَ ٱلصَّلَوٰةَ وَءَاتِينَ ٱلزَّكَوٰةَ وَأَطِعۡنَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥٓۚ إِنَّمَا يُرِيدُ ٱللَّهُ لِيُذۡهِبَ عَنكُمُ ٱلرِّجۡسَ أَهۡلَ ٱلۡبَيۡتِ وَيُطَهِّرَكُمۡ تَطۡهِيرٗا} (33)

33- والْزَمْنَ بيوتكن لا تخرجن إلا لحاجة شرع الله الخروج لقضائها ، ولا تُظْهرن محاسنكن وزينتكن للرجال إذا خرجتن . كما كانت تفعل أهل الجهالة الأولى ، وأدين الصلاة كاملة ، وأعطين الزكاة ، وامتثلن أمر الله ورسوله . إنما يريد الله - بكل ما يأمركن به وينهاكن عنه - الشرف والكرامة . ليذهب عنكم الإثم والمعصية - يا أهل بيت النبي - ويطهركم تطهيرا لا يخالطه شبهة .

 
معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{وَقَرۡنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجۡنَ تَبَرُّجَ ٱلۡجَٰهِلِيَّةِ ٱلۡأُولَىٰۖ وَأَقِمۡنَ ٱلصَّلَوٰةَ وَءَاتِينَ ٱلزَّكَوٰةَ وَأَطِعۡنَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥٓۚ إِنَّمَا يُرِيدُ ٱللَّهُ لِيُذۡهِبَ عَنكُمُ ٱلرِّجۡسَ أَهۡلَ ٱلۡبَيۡتِ وَيُطَهِّرَكُمۡ تَطۡهِيرٗا} (33)

قوله تعالى : { وقرن في بيوتكن } قرأ أهل المدينة وعاصم : وقرن بفتح القاف ، وقرأ الآخرون بكسرها ، فمن فتح القاف فمعناه ، اقررن أي : الزمن بيوتكن ، من قولهم : قررت بالمكان أقر قراراً ، يقال : قررت أقر وقررت أقر ، وهما لغتان ، فحذفت الراء الأولى التي هي عين الفعل لثقل التضعيف ونقلت حركتها إلى القاف كقولهم : في ظللت ظلت ، قال الله تعالى : { فظلتم تفكهون } { وظلت عليه عاكفا } ومن كسر القاف فقد قيل : هو من قررت أقر ، معناه اقررن بكسر الراء ، فحذفت الأولى ونقلت حركتها إلى القاف كما ذكرنا ، وقيل : هو الأصح أنه أمر من الوقار ، كقولهم من الوعد : عدن ، ومن الوصل : صلن ، أي : كن أهل وقار وسكون ، من قولهم وقر فلان يقر وقوراً إذا سكن واطمأن . { ولا تبرجن } قال مجاهد وقتادة : التبرج هو التكسر والتغنج ، وقال ابن أبي نجيح : هو التبختر . وقيل : هو إظهار الزينة وإبراز المحاسن للرجال ، { تبرج الجاهلية الأولى } . اختلفوا في الجاهلية الأولى . قال الشعبي : هي ما بين عيسى ومحمد صلى الله عليه وسلم . وقال أبو العالية : هي في زمن داود وسليمان عليهما السلام ، كانت المرأة تلبس قميصاً من الدر غير مخيط من الجانبين فيرى خلقها فيه . وقال الكلبي : كان ذلك في زمن نمرود الجبار ، كانت المرأة تتخذ الدرع من اللؤلؤ فتلبسه وتمشي وسط الطريق ليس عليها شيء غيره وتعرض نفسها على الرجال . وروى عن عكرمة عن ابن عباس أنه قال : الجاهلية الأولى بين نوح وإدريس ، وكانت ألف سنة ، وأن بطنين من ولد آدم كان أحدهما يسكن السهل والآخر يسكن الجبل ، وكان رجال الجبل صباحاً وفي النساء دمامة ، وكان نساء السهل صباحاً وفي الرجال دمامة ، وأن إبليس أتى رجلاً من أهل السهل وأجر نفسه منه ، فكان يخدمه واتخذ شيئاً مثل الذي يزمر به الرعاء فجاء بصوت لم يسمع الناس مثله ، فبلغ ذلك من حولهم فأتوهم يستمعون إليه ، فاتخذوا عيداً يجتمعون إليه فيه في السنة ، فتتبرج النساء للرجال ويتزين الرجال لهن ، وأن رجلاً من أهل الجبل هجم عليهم في عيدهم ذلك فرأى النساء وصباحتهن فأتى أصحابه فأخبرهم بذلك فتحولوا إليهم فنزلوا معهم فظهرت الفاحشة فيهم ، فذلك قوله تعالى : { ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى } . وقال قتادة : هي ما قبل الإسلام . وقيل : الجاهلية الأولى : ما ذكرنا ، والجاهلية الأخرى : قوم يفعلون مثل فعلهم في آخر الزمان . وقيل : قد تذكر الأولى وإن لم يكن لها أخرى ، كقوله تعالى : { وأنه أهلك عاداً الأولى } ولم يكن لها أخرى . قوله عز وجل : { وأقمن الصلاة وآتين الزكاة وأطعن الله ورسوله إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا } أراد بالرجس : الإثم الذي نهى الله النساء عنه ، قاله مقاتل : وقال ابن عباس : يعني : عمل الشيطان وما ليس لله فيه رضا ، وقال قتادة : يعني : السوء . وقال مجاهد : الرجس الشك . وأراد بأهل البيت : نساء النبي صلى الله عليه وسلم لأنهن في بيته ، وهو رواية سعيد بن جبير عن ابن عباس ، وتلا قوله : { واذكرن ما يتلى في بيوتكن من آيات الله } وهو قول عكرمة ومقاتل . وذهب أبو سعيد الخدري ، وجماعة من التابعين ، منهم مجاهد ، وقتادة ، وغيرهما : إلى أنهم علي وفاطمة والحسن والحسين .

حدثنا أبو الفضل زياد بن محمد الحنفي ، أنبأنا أبو محمد عبد الرحمن بن محمد الأنصاري ، أنبأنا أبو محمد يحيى بن محمد بن صاعدي ، أنبأنا أبو همام الوليد بن شجاع ، أنبأنا يحيى بن زكريا بن زائدة ، أنبأنا أبي عن مصعب بن شيبة عن صفية بنت شيبة الحجبية ، عن عائشة أم المؤمنين قالت : " خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات غداة وعليه مرط مرجل من شعر أسود ، فجلس فأتت فاطمة فأدخلها فيه ثم جاء علي فأدخله فيه ، ثم جاء حسن فأدخله فيه ، ثم جاء حسين فأدخله فيه ، ثم قال : { إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيراً } .

أخبرنا أبو سعيد أحمد بن محمد الحميدي ، أنبأنا أبو عبد الله الحافظ ، أنبأنا أبو العباس محمد بن يعقوب أنبأنا الحسن بن مكرم ، أنبأنا عثمان بن عمر ، أنبأنا عبد الرحمن بن عبد الله بن دينار ، عن شريك بن أبي نمر ، عن عطاء بن يسار ، عن أم سلمة قالت : " في بيتي نزلت : { إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت } قالت : فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى فاطمة وعلي والحسن والحسين ، فقال : هؤلاء أهل بيتي ، قالت : فقلت يا رسول الله أما أنا من أهل البيت ؟ قال : بلى إن شاء الله " . قال زيد بن أرقم : أهل بيته من حرم الصدقة عليه بعده ، آل علي وآل عقيل وآل جعفر وآل عباس .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَقَرۡنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجۡنَ تَبَرُّجَ ٱلۡجَٰهِلِيَّةِ ٱلۡأُولَىٰۖ وَأَقِمۡنَ ٱلصَّلَوٰةَ وَءَاتِينَ ٱلزَّكَوٰةَ وَأَطِعۡنَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥٓۚ إِنَّمَا يُرِيدُ ٱللَّهُ لِيُذۡهِبَ عَنكُمُ ٱلرِّجۡسَ أَهۡلَ ٱلۡبَيۡتِ وَيُطَهِّرَكُمۡ تَطۡهِيرٗا} (33)

{ وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ } أي : اقررن فيها ، لأنه أسلم وأحفظ لَكُنَّ ، { وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى } أي : لا تكثرن الخروج متجملات أو متطيبات ، كعادة أهل الجاهلية الأولى ، الذين لا علم عندهم ولا دين ، فكل هذا دفع للشر وأسبابه .

ولما أمرهن بالتقوى عمومًا ، وبجزئيات من التقوى ، نص عليها [ لحاجة ]{[704]}  النساء إليها ، كذلك أمرهن بالطاعة ، خصوصًا الصلاة والزكاة ، اللتان يحتاجهما ، ويضطر إليهما كل أحد ، وهما أكبر العبادات ، وأجل الطاعات ، وفي الصلاة ، الإخلاص للمعبود ، وفي الزكاة ، الإحسان إلى العبيد .

ثم أمرهن بالطاعة عمومًا ، فقال : { وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ } يدخل في طاعة اللّه ورسوله ، كل أمر ، أمرَا به أمر إيجاب ، أو استحباب .

{ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ } بأمركن بما أَمَرَكُنَّ به ، ونهيكن بما{[705]}  نهاكُنَّ عنه ، { لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ } أي : الأذى ، والشر ، والخبث ، يا { أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا } حتى تكونوا طاهرين مطهرين .

أي : فاحمدوا ربكم ، واشكروه على هذه الأوامر والنواهي ، التي أخبركم بمصلحتها ، وأنها محض مصلحتكم ، لم يرد اللّه أن يجعل عليكم بذلك حرجًا ولا مشقة ، بل لتتزكى نفوسكم ، ولتتطهر أخلاقكم ، وتحسن أعمالكم ، ويعظم بذلك أجركم .


[704]:- زيادة من: ب.
[705]:- في ب: عما.
 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{وَقَرۡنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجۡنَ تَبَرُّجَ ٱلۡجَٰهِلِيَّةِ ٱلۡأُولَىٰۖ وَأَقِمۡنَ ٱلصَّلَوٰةَ وَءَاتِينَ ٱلزَّكَوٰةَ وَأَطِعۡنَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥٓۚ إِنَّمَا يُرِيدُ ٱللَّهُ لِيُذۡهِبَ عَنكُمُ ٱلرِّجۡسَ أَهۡلَ ٱلۡبَيۡتِ وَيُطَهِّرَكُمۡ تَطۡهِيرٗا} (33)

{ وقرن في بيوتكن } من وقر يقر وقارا أو من قر يقر حذفت الأولى من راءي أقررن ونقلت كسرتها إلى القاف ، فاستغني عن همزة الوصل ، ويؤيده قراءة نافع وعاصم بالفتح من قررت أقر وهو لغة فيه ، ويحتمل أن يكون من قار يقار إذا اجتمع . { ولا تبرجن } ولا تتبخترن في مشيكن . { تبرج الجاهلية الأولى } تبرجا مثل تبرج النساء في أيام الجاهلية القديمة ، وقيل هي ما بين آدم ونوح ، وقيل الزمان الذي ولد فيه إبراهيم عليه الصلاة والسلام ، كانت المرأة تلبس درعا من اللؤلؤ فتمشي وسط الطريق تعرض نفسها على الرجال . والجاهلية الأخرى ما بين عيسى ومحمد عليهما الصلاة والسلام ، وقيل الجاهلية الأولى جاهلية الكفر قبل الإسلام ، والجاهلية الأخرى جاهلية الفسوق في الإسلام ، ويعضده قوله عليه الصلاة والسلام لأبي الدرداء رضي الله عنه " إن فيك جاهلية ، قال جاهلية كفر أو إسلام قال بل جاهلية كفر " . { وأقمن الصلاة وآتين الزكاة وأطعن الله ورسوله } في سائر ما أمركن به ونهاكن عنه . { إنما يريد ليذهب عنكم الرجس } الذنب المدنس لعرضكم ، وهو تعليل لأمرهن ونهيهن على الاستئناف ؛ولذلك عمم الحكم . { أهل البيت } نصب على النداء أو المدح . { ويطهركم } عن المعاصي . { تطهيرا } واستعارة الرجس للمعصية والترشيح بالتطهير للتنفير عنها ، وتخصيص الشيعة أهل البيت بفاطمة وعلي وابنيهما رضي الله عنهم لما روي " أنه عليه الصلاة والسلام خرج ذات غدوة وعليه مرط مرجل من شعر أسود فجلس فأتت فاطمة رضي الله عنها فأدخلها فيه ثم جاء علي فأدخله فيه ثم جاء الحسن والحسين رضي الله عنهما فأدخلهما فيه ثم قال : { إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت } ، والاحتجاج بذلك على عصمتهم وكون إجماعهم حجة ضعيف ؛لأن التخصيص بهم لا يناسب ما قبل الآية وما بعدها ، والحديث يقتضي أنهم من أهل البيت لا أنه ليس غيرهم .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَقَرۡنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجۡنَ تَبَرُّجَ ٱلۡجَٰهِلِيَّةِ ٱلۡأُولَىٰۖ وَأَقِمۡنَ ٱلصَّلَوٰةَ وَءَاتِينَ ٱلزَّكَوٰةَ وَأَطِعۡنَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥٓۚ إِنَّمَا يُرِيدُ ٱللَّهُ لِيُذۡهِبَ عَنكُمُ ٱلرِّجۡسَ أَهۡلَ ٱلۡبَيۡتِ وَيُطَهِّرَكُمۡ تَطۡهِيرٗا} (33)

قرأ الجمهور «وقِرن » بكسر القاف ، وقرأ عاصم ونافع «وقَرن » بالفتح ، فأما الأولى فيصح أن تكون من الوقار تقول وقر يقر فقرن مثل عدن أصله أو قرن ، ويصح أن تكون من القرار وهو قول المبرد تقول قررت بالمكان بفتح القاف والراء أقر ، فأصله أقررن حذفت الراء الواحدة تخفيفاً ، كما قالوا في ظللت ظلت ، ونقلوا حركتها إلى القاف ، واستغني عن الألف{[9509]} ، وقال أبو علي : بل أعل بأن أبدلت الراء ياء ونقلت حركتها إلى القاف ثم حذفت الياء لسكونها وسكون الراء بعدها ، وأما من فتح القاف فعلى لغة العرب قرِرت بكسر الراء أقر بفتح القاف في المكان وهي لغة ذكرها أبو عبيد في الغريب المصنف ، وذكرها الزجاج وغيره ، وأنكرها قوم ، منهم المازني وغيره ، قالوا وإنما يقال قررت بكسر الراء من قرت العين ، وأما من القرار فإنما هو من قررت بفتح الراء ، وقرأ عاصم «في بِيوتكن » بكسر الباء ، وقرأ ابن أبي عبلة «واقرِرن » بألف وصل وراءين الأولى مكسورة ، فأمر الله تعالى في هذه الآية نساء النبي بملازمة بيوتهن ونهاهن عن التبرج وأعلمهن أنه فعل { الجاهلة الأولى } ، وذكر الثعلبي وغيره أن عائشة رضي الله عنها كانت إذا قرأت هذه الآية تبكي حتى تبل خمارها ، وذكر أن سودة قيل لها لم لا تحجين ولا تعتمرين كما يفعل أخواتك ، فقالت قد حججت واعتمرت وأمرني الله تعالى أن أقر في بيتي قال الراوي : فوالله ما خرجت من باب حجرتها حتى خرجت جنازتها .

قال القاضي أبو محمد : وبكاء عائشة رضي الله عنها إنما كان بسبب سفرها أيام الجمل وحينئذ قال لها عمار : إن الله أمرك أن تقري في بيتك ، و «التبرج » ، إظهار الزينة والتصنع بها ومنه البروج لظهورها وانكشافها للعيون ، واختلف الناس في { الجاهلية الأولى } فقال الحكم بن عيينة ما بين آدم ونوح وهي ثمانمائة سنة ، وحكيت لهم سير ذميمة ، وقال الكلبي وغيره ما بين نوح وإبراهيم ، وقال ابن عباس ما بين نوح وإدريس وذكر قصصاً ، وقالت فرقة ما بين موسى وعيسى ، وقال عامر الشعبي ما بين عيسى ومحمد ، وقال أبو العالية هو زمان سليمان وداود كان فيه للمرأة قميص من الدر غير مخيط الجانبيين .

قال الفقيه الإمام القاضي : والذي يظهر عندي أنه أشار إلى الجاهلية التي لحقتها فأمرن بالنقلة عن سيرتهن فيها ، وهي ما كان قبل الشرع من سيرة الكفرة لأنهم كانوا لا غيرة عندهم فكان أمر النساء دون حجبة ، وجعلها أولى بالإضافة إلى حالة الإسلام ، وليس المعنى أن ثم جاهلية أخرى ، وقد مر اسم الجاهلية على تلك المدة التي قبيل الإسلام فقالوا جاهلي في الشعراء ، وقال ابن عباس في البخاري سمعت أبي في { الجاهلية } يقول إلى غير هذا ، و { الرجس } اسم يقع على الإثم وعلى العذاب وعلى النجاسات والنقائص ، فأذهب الله جميع ذلك عن { أهل البيت } ، ونصب { أهل البيت } على المدح أو على النداء المضاف ، أو بإضمار أعني ، واختلف الناس في { أهل البيت } من هم ، فقال عكرمة ومقاتل وابن عباس هم زوجاته خاصة لا رجل معهن ، وذهبوا إلى أن البيت أريد به مساكن النبي صلى الله عليه وسلم .

وقالت فرقة : هي الجمهور { أهل البيت } علي وفاطمة والحسن والحسين ، وفي هذا أحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال أبو سعيد الخدري : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «نزلت هذه الآية في خمسة فيّ وفي علي وفاطمة والحسن والحسين {[9510]} » رضي الله عنهم ، ومن حجة الجمهور قوله { عنكم } و { يطهركم } بالميم ، ولو كان النساء خاصة لكان عنكن .

قال القاضي أبو محمد : والذي يظهر إليّ أن زوجاته لا يخرجن عن ذلك البتة ، ف { أهل البيت } زوجاته وبنته وبنوها وزوجها ، وهذه الآية تقضي أن الزوجات من { أهل البيت } لأن الآية فيهن والمخاطبة لهن ، أما أن أم سلمة قالت نزلت هذه الآية في بيتي فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم علياً وفاطمة وحسناً وحسيناً فدخل معهم تحت كساء خيبري وقال «هؤلاء أهل بيتي » ، وقرأ الآية وقال اللهم «أذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً » ، قالت أم سلمة فقلت : وأنا يا رسول الله ، فقال «أنت من أزواج النبي وأنت إلي خير »{[9511]} ، وقال الثعلبي قيل هم بنو هاشم فهذا على أن { البيت } يراد به بيت النسب ، فيكون العباس وأعمامه وبنو أعمامه منهم ، وروي نحوه عن زيد بن أرقم رضي الله عنه .


[9509]:نسب القرطبي هذا القول للمبرد، والذي يظهر أنه رأي الفراء؛ إذ قال في(معاني القرآن):"أرادوا: واقررن في بيوتكن، فحذفوا الراء الأولى، فحولت فتحتها في القاف، كما قالوا: هل أحست صاحبك؟ وكما قال:[فظلتم] يريد: فظللتم"، يقصد قوله تعالى في الآية(65) من سورة(الواقعة):{لو نشاء لجعلناه حطاما فظلتم تفكهون}.
[9510]:أخرجه ابن جرير، وابن أبي حاتم، والطبراني، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه.(الدر المنثور).
[9511]:أخرجه ابن مردويه عن أم سلمة، وأخرج مثله الطبراني عنها أيضا، وأخرج مثلهما ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، والطبراني، وابن مردويه عن أم سلمة أيضا.وأخرج مثل هذه الأحاديث ابن مردويه والخطيب عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه.(الدر المنثور)- وقد وردت فيذلك أحاديث كثيرة، منها ما رواه الإمام أحمد عن أنس ابن مالك رضي الله عنه أنه قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يمر بباب فاطمة رضي الله عنها ستة أشهر إذا خرج لصلاة الفجر، يقول:(الصلاة يا أهل البيت، إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا)، قال ابن كثير، ورواه الترمذي، وقال: حديث حسن غريب.