قوله تعالى : { يا أولي الألباب لعلكم تفلحون يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم } ، الآية .
أخبرنا عبد الواحد المليحي ، أنا محمد بن عبد الله النعيمي ، أنا محمد بن يوسف ، أنا محمد بن إسماعيل ، أنا حفص بن عمر ، أنا هشام ، عن قتادة ، عن أنس رضي الله عنه سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أحفوه بالمسألة ، فغضب ، فصعد المنبر فقال : ( لا تسألوني اليوم عن شيء إلا بينته لكم ) ، فجعلت أنظر يميناً وشمالاً فإذا كل رجل لاف رأسه في ثوبه يبكي ، فإذا رجل كان إذا لاحى الرجال يدعى لغير أبيه ، فقال : يا رسول الله من أبي ؟ قال : حذافة . ثم أنشأ عمر ، فقال : رضينا بالله رباً ، وبالإسلام ديناً ، وبمحمد صلى الله عليه وسلم رسولاً ، نعوذ بالله من الفتن ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( ما رأيت في الخير والشر كاليوم قط ، إن صورت لي الجنة والنار حتى رأيتهما وراء الحائط ) .
وكان قتادة يذكر عند هذا الحديث هذه الآية { يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم } . قال يونس عن ابن شهاب ، أخبرني عبيد الله بن عبد الله قال : قالت أم عبد الله بن حذافة لعبد الله بن حذافة : ما سمعت بابن قط أعق منك ، أأمنت أن تكون أمك قد قارفت بعض ما تقارف نساء أهل الجاهلية فتفضحها على أعين الناس ؟ قال عبد الله بن حذافة : والله لو ألحقني بعبد أسود للحقته . وروي عن عمر قال : يا رسول الله ، إنا حديثو عهد بجاهلية فاعف عنا يعف الله سبحانه وتعالى عنك ، فسكن غضبه .
أخبرنا عبد الواحد المليحي ، أنا أحمد بن عبد الله النعيمي ، أخبرنا محمد بن يوسف ، أنا محمد بن إسماعيل ، أنا الفضل بن سهل ، أخبرنا أبو النضر ، أنا أبو خيثمة ، أنا أبو جويرية ، عن ابن عباس قال : كان قوم يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم استهزاءً ، فيقول الرجل : من أبي ؟ ويقول الرجل ضلت ناقته : أين ناقتي ؟ فأنزل الله فيهم هذه الآية { يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم } حتى فرغ من الآية كلها .
وروي عن علي رضي الله عنه قال : لما نزلت { ولله على الناس حج البيت } قال رجل : يا رسول الله ، أفي كل عام ؟ فأعرض عنه ، فعاد مرتين أو ثلاثاً ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ما يؤمنك أن أقول نعم ؟ والله لو قلت نعم لوجبت ، ولو وجبت ما استطعتم ، فاتركوني ما تركتكم ، فإنما هلك من كان قبلكم بكثرة سؤالهم واختلافهم على أنبيائهم ، فإذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم ، وإذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه ) ، فأنزل الله تعالى : { يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم } أي : إن تظهر لكم تسؤكم ، أي : إن أمرتم بالعمل بها ، فإن من سأل عن الحج لم يأمن أن يؤمر به في كل عام فيسوءه ، ومن سأل عن نسبه لم يأمن من أن يلحقه بغيره فيفتضح . وقال مجاهد : نزلت حين سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن البحيرة ، والسائبة ، والوصيلة ، والحام ، ألا تراه ذكرها بعد ذلك .
قوله تعالى : { وإن تسألوا عنها حين ينزل القرآن تبد لكم } ، معناه إن صبرتم حتى ينزل القرآن بحكم من فرض ، أو نهي ، أو حكم ، وليس في ظاهره شرح ما بكم إليه حاجة ، ومست حاجاتكم إليه ، فإذا سألتم عنها حينئذ تبد لكم .
{ 101 - 102 } { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ وَإِنْ تَسْأَلُوا عَنْهَا حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ عَفَا اللَّهُ عَنْهَا وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ * قَدْ سَأَلَهَا قَوْمٌ مِنْ قَبْلِكُمْ ثُمَّ أَصْبَحُوا بِهَا كَافِرِينَ }
ينهى عباده المؤمنين عن سؤال الأشياء التي إذا بينت لهم ساءتهم وأحزنتهم ، وذلك كسؤال بعض المسلمين لرسول الله صلى الله عليه وسلم عن آبائهم ، وعن حالهم في الجنة أو النار ، فهذا ربما أنه لو بين للسائل لم يكن له فيه خير ، وكسؤالهم للأمور غير الواقعة .
وكالسؤال الذي يترتب عليه تشديدات في الشرع ربما أحرجت الأمة ، وكالسؤال عما لا يعني ، فهذه الأسئلة ، وما أشبهها هي المنهي عنها ، وأما السؤال الذي لا يترتب عليه شيء من ذلك فهذا{[280]} مأمور به ، كما قال تعالى : { فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ }
{ وَإِنْ تَسْأَلُوا عَنْهَا حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ } أي : وإذا وافق سؤالكم محله فسألتم عنها حين ينزل عليكم القرآن ، فتسألون عن آية أشكلت ، أو حكم خفي وجهه عليكم ، في وقت يمكن فيه نزول الوحي من السماء ، تبد لكم ، أي : تبين لكم وتظهر ، وإلا فاسكتوا عمّا سكت الله عنه .
{ عَفَا اللَّهُ عَنْهَا } أي : سكت معافيا لعباده منها ، فكل ما سكت الله عنه فهو مما أباحه وعفا عنه . { وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ } أي : لم يزل بالمغفرة موصوفا ، وبالحلم والإحسان معروفا ، فتعرضوا لمغفرته وإحسانه ، واطلبوه من رحمته ورضوانه .
وبعد هذا الحديث المستفيض عن الحلال والحرام في شريعة الإِسلام اتجهت آيات السورة الكريمة إلى تربية المسلمين وإرشادهم إلى الآداب التي يجب أن يتمسكوا بها ونهيهم عن الأسئلة التي لا خير يرجى من وراء إثارتها . . فقال تعالى :
{ ياأيها الذين آمَنُواْ لاَ تَسْأَلُواْ عَنْ أَشْيَآءَ . . . }
قد ذكر المفسرون في سبب نزول هاتين الآيتين روايات متعددة ، منها ما حكاه القرطبي في قوله : روى البخاري ومسلم وغيرهما - واللفظ للبخاري - عن أنس قال : " قال رجل للنبي صلى الله عليه وسلم يا رسول الله من أبى ؟ قال : " أبوك فلان " " .
وخرج البخاري أيضاً عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم وفيه : " فوالله لا تسألوني عن شيء إلا أخبرتكم به ما دمت في مقامي هذا " فقام إليه رجل فقال : أين مدخلي يا رسول الله ؟ قال " النار " فقام عبد الله بن حذافة - وكان إذا لا حي يدعى إلى غيره أبيه - فقال من أبي يا رسول الله ؟ فقال : أبوك حذافة " .
وروى الدارقطني والترمذي عن علي رضي الله عنه قال : لما نزلت هذه الآية { وَللَّهِ عَلَى الناس حِجُّ البيت مَنِ استطاع إِلَيْهِ سَبِيلاً } قالوا : " يا رسول الله ، أفي كل عام ؟ فسكت . فقالوا : أفي كل عام ؟ قال : " لا ولو قلت نعم لوجبت " فأنزل الله تعالى { ياأيها الذين آمَنُواْ لاَ تَسْأَلُواْ عَنْ أَشْيَآءَ } . . الآية .
وروى مجاهد عن ابن عباس أنها نزلت في قوم سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن البحيرة والسائبة والوصيلة والحام .
ثم قال القرطبي : ويحتمل أن تكون الآية نزلت جوابا للجميع ، فيكون السؤال قريبا بعضه من بعض .
والمعنى : يا أيها الذين آمنوا بالله حق الإِيمان ، لا تسألوا نبيكم صلى الله عليه وسلم أو غيره ، عن أشياء تتعلق بالعقيدة أو بالأحكام الشرعية أو بغيرها . هذه الأشياء { إِن تُبْدَ لَكُمْ } وتظهر { تَسُؤْكُمْ } أي : تتغمكم وتحزنكم وتندموا على السؤال عنها لما يترتب عليها من إحراجكم . ومن المشقة عليكم ، ومن الفضيحة لبعضكم .
فالآية الكريمة - كما يقول ابن كثير - تأديب من الله لعباده المؤمنين ، ونهى لهم عن أن يسألوا عن أشياء مما لا فائدة لهم في السؤال والتنقيب عنها ، لأنها إن ظهرت لهم تلك الأمور ربما ساءتهم ، وشق عليهم سماعها ، كما جاء في الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " لا يبلغني أحد عن أحد شيئا ، فإني أحب أن أخرج إليكم وأنا سليم الصدر " .
وقد وجه - سبحانه - النداء إليهم بصفة الإِيمان ، لتحريك حرارة العقيدة في نفوسهم ، حتى يستجيبوا بسرعة ورغبة إلى ما كلفوا به .
وقوله { أشياء } اسم جمع من لفظ شيء ، فهو مفرد لفظا جمع معنى كطرفاء وقصباء - وهذا رأي الخليل وسيبويه وجمهور البصريين - .
ويرى الفراء أن أشياء جمع لشيء . وهو ممنوع من الصرف لألف التأنيث الممدودة ، ومتعلق بقوله : { تسألوا } .
ومفعول { تسألوا } محذوف للتعميم .
أي : لا تسألوا الرسول صلى الله عليه وسلم ولا تسألوا غيره عن أشياء لا فائدة من السؤال عنها ، بل إن السؤال عنها قد يؤدي إلى إخراجكم وإلى المشقة عليكم .
وقوله : { إِن تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ } صفة لأشياء داعية إلى الانتهاء عن السؤال عنها .
وعبر " بإن " المفيدة للشك وعدم القطع بوقوع الشرط والجزاء للإِشارة إلى أن هذا الشك كاف في تركهم للسؤال عن هذه الأشياء ، فإن المؤمن الحق يبتعد عن كل ما لا فائدة من ورائه من أسئلة أو غيرها .
وقوله : { وَإِن تَسْأَلُواْ عَنْهَا حِينَ يُنَزَّلُ القرآن تُبْدَ لَكُمْ } معطوف على ما قبله وهو قوله : { إِن تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ } .
والضمير في قوله : { عنها } يعود على { أشياء } و { حين } ظرف زمان منصوب بالفعل { تسألوا } .
والمعنى : لا تكثروا - أيها المؤمنون - من الأسئلة التي لا خير لكم في السؤال عنها ، إن تسألوا عن أشياء نزل بها القرآن مجملة ، فتطلبوا بيانها تبين لكم حينئذ لاحتياجكم إليها .
قال الفخر الرازي : السؤال على قسمين :
أحدهما : السؤال عن شيء لم يجر ذكره في الكتاب والسنة بوجه من الوجوه . فهذا السؤال منهى عنه بقوله : { لاَ تَسْأَلُواْ عَنْ أَشْيَآءَ إِن تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ } .
والنوع الثاني من السؤال : السؤال عن شيء نزل به القرآن لكن السامع لم يفهمه كما ينبغي فها هنا السؤال واجب ، وهو المراد بقوله : { وَإِن تَسْأَلُواْ عَنْهَا حِينَ يُنَزَّلُ القرآن تُبْدَ لَكُمْ } .
والفائدة في ذكر هذا القسم ، أنه لما منع في الجملة الأولى من السؤال ، أو هم أن جميع أنواع السؤال ممنوع فيه ، فذكر ذلك تمييزا لهذا القسم عن ذلك القسم .
فإن قيل : إن قوله { وَإِن تَسْأَلُواْ عَنْهَا } هذا الضمير عائد على الأشياء المذكورة في قوله { لاَ تَسْأَلُواْ عَنْ أَشْيَآءَ } فكيف يعقل في { أشياء } بأعيانهها أن يكون السؤال عنها ممنوعا وجائزاً معاً ؟
الأول : جائز أن يكون السؤال عنها ممنوعاً قبل نزول القرآن بها ومأمورا به بعد نزول القرآن بها . والثاني : " أنهما وإن كانا نوعين مختلفين ، إلا أنهما في حكم شيء واحد ، فلهذا حسن اتحاد الضمير ، وإن كانا في الحقيقة نوعين مختلفين " .
وقال القرطبي : قوله - تعالى - : { وَإِن تَسْأَلُواْ عَنْهَا حِينَ يُنَزَّلُ القرآن تُبْدَ لَكُمْ } فيه غموض ، وذلك أن في ذلك الآية النهي عن السؤال ، ثم قال : { وَإِن تَسْأَلُواْ } . . إلخ . فأباحه لهم .
فقيل : المعنى وإن تسألوا عن غيرها فيما مست الحاجة إليه ، فحذف المضاف ولا يصح حمله على غير الحذف .
قال الجرجاني : الكناية في " عنها " ترجع إلى أشياء أخر ، كقوله تعالى : { وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإنسان مِن سُلاَلَةٍ مِّن طِينٍ } يعني آدم ، ثم قال { ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً } أي : ابن آدم ، لأن آدم لم يجعل نطفة في قرار مكين ، لكن لما ذكر الإنسان وهو آدم دل على إنسان مثله ، وعرف ذلك بقرينة الحال .
فالمعنى : وإن تسألوا عن أشياء - أخر - حين ينزل القرآن من تحليل أو تحريم أو حكم ، أو مست حاجتكم إلى التفسير ، فإذا سألتم فحينئذ تبدلكم فقد أباح - سبحانه - هذا النوع من السؤال .
والضمير في قوله { عَفَا الله عَنْهَا } يعود إلى أشياء ، والجملة في محل جر صفة أخرى لأشياء .
أي : أن هذه الأشياء التي نهيتم عن السؤال عنها هي مما عفا الله عنه - رحمة منه وفضلا- حيث لم يكلفكم بها . ولم يفضحكم بيانها .
ويجوز أن يعود الضمير إلى الأسئلة المدلول عليها بقوله { لاَ تَسْأَلُواْ } فتكون الجملة مستأنفة ، ويكون المعنى : عفا الله عن أسئلتكم السالفة التي سألتموها قبل النهي ، وتجاوز - سبحانه - عن معاقبتكم عليها رحمة منه وكرما ؛ فمن الواجب عليكم بعد ذلك ألا تعودوا إلى مثلها أبداً .
قال صاحب المنار : ولا مانع عندنا يمنعنا من إرادة المعنيين معا . فإن كل ما تدل عليه عبارات القرآن من المعاني الحقيقية والمجازية والكناية يجوز عندنا أن يكون مرادا منها مجتمعة تلك المعاني أو منفردة ما لم يمنع مانع من ذلك كأن تكون تلك المعاني مما لا يمكن اجتماعها شرعاً أو عقلا ، فحينئذ لا يصح أن تكون كلها مرادة بل يرجح بعهضا على بعض بطرق الترجيح المعروفة من لفظية ومعنوية .
وقوله { والله غَفُورٌ حَلِيمٌ } اعتراض تذييلي مقرر لعفوه - سبحانه - أي : عفا الله عن كل ذلك ، وهو - سبحانه - واسع المغفرة والحلم والصفح ولذا لم يكلفكم بما يشق عليهم ، ولم يؤاخذكم بها فرط منكم من أقوال وأعمال قبل النهي عنها .
ثم قال تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ } هذا تأديب من الله [ تعالى ]{[10428]} لعباده المؤمنين ، ونهي لهم عن أن يسألوا { عَنْ أَشْيَاءَ } مما لا فائدة لهم في السؤال والتنقيب عنها ؛ لأنها إن أظهرت لهم تلك الأمور ربما ساءتهم وشق عليهم سماعها ، كما جاء في الحديث : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " لا يُبْلغني أحد عن أحد شيئًا ، إني أحب أن أخرج إليكم وأنا سليم الصدر " . {[10429]}
وقال البخاري : حدثنا مُنْذِر بن الوليد بن عبد الرحمن الجارودي ، حدثنا أبي ، حدثنا شعبة ، عن موسى بن أنس ، عن أنس بن مالك قال : خطب النبي صلى الله عليه وسلم خُطبة ما سمعت مثلها قط ، قال " لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرًا " قال : فغطّى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وجوههم لهم حنين . فقال رجل : من أبي ؟ قال : " فلان " ، فنزلت هذه الآية : { لا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ }
رواه النَّضْر وروح بن عبادة ، عن شعبة{[10430]} وقد رواه البخاري في غير هذا الموضع ، ومسلم ، وأحمد ، والترمذي ، والنسائي من طرق عن شعبة بن الحجاج ، به . {[10431]}
وقال ابن جرير : حدثنا بِشْر ، حدثنا يزيد ، حدثنا سعيد ، عن قتادة في قوله : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ } الآية ، قال : فحدثنا أن أنس بن مالك حدثه : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سألوه حتى أحفوه بالمسألة ، فخرج عليهم ذات يوم فصعد المنبر ، فقال : " لا تسألوا اليوم عن شيء إلا بينته لكم " . فأشفق أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يكون بين يدي أمر قد حَضَر ، فجعلت لا ألتفت يمينًا ولا شمالا إلا وجدت كلا لافا رأسه في ثوبه يبكي ، فأنشأ رجل كان يُلاحي فيدعى إلى غير أبيه ، فقال : يا نبي الله ، من أبي ؟ قال : " أبوك حذافة " . قال : ثم قام عمر - أو قال : فأنشأ عمر - فقال : رضينا بالله ربًا ، وبالإسلام دينًا ، وبمحمد رسولا عائذًا بالله - أو قال : أعوذ بالله - من شر الفتن قال : وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لم أر في الخير والشر كاليوم قط ، صورت لي الجنة والنار حتى رأيتهما دون الحائط " . أخرجاه من طريق سعيد . {[10432]}
ورواه مَعْمَر ، عن الزهري ، عن أنس بنحو ذلك - أو قريبًا منه - قال الزهري : فقالت أم عبد الله بن حذافة : ما رأيت ولدًا أعق منك قط ، أكنت تأمن أن تكون أمك قد قارفَتْ ما قارفَ أهلُ الجاهلية فتفضحها على رؤوس الناس ، فقال : والله لو ألحقني بعبد أسود للحقتُه . {[10433]}
وقال ابن جرير أيضًا : حدثنا الحارث ، حدثنا عبد العزيز ، حدثنا قَيْس ، عن أبي حَصِين ، عن أبي صالح ، عن أبي هريرة قال : خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو غضبان محمارّ وجهه حتى جلس على المنبر ، فقام إليه رجل فقال : أين أبي{[10434]} ؟ فقال : " في النار " فقام آخر فقال : من أبي ؟ فقال : " أبوك حذافة " ، فقام عمر بن الخطاب فقال : رضينا بالله ربًّا ، وبالإسلام دينًا ، وبمحمد نبيا ، وبالقرآن إمامًا ، إنا يا رسول الله حَدِيثو عهد بجاهلية وشرْك ، والله أعلم من آباؤنا . قال : فسكن غضبه ، ونزلت هذه الآية : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ }{[10435]} إسناده جيد . {[10436]}
وقد ذكر هذه القصة{[10437]} مرسلة غير واحد من السلف ، منهم أسباط عن السُّدِّي أنه قال في قوله : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ } قال : غضب رسول الله صلى الله عليه وسلم يومًا من الأيام ، فقام خطيبًا فقال : " سلوني ، فإنكم لا تسألوني عن شيء إلا أنبأتكم به " . فقام إليه رجل من قريش ، من بني سهم ، يقال له : عبد الله بن حُذَافة ، وكان يُطْعَن فيه ، فقال : يا رسول الله ، من أبي ؟ فقال : " أبوك فلان " ، فدعاه لأبيه ، فقام إليه عمر بن الخطاب فقبل رجله ، وقال : يا رسول الله ، رضينا بالله ربًّا ، وبك نبيًا ، وبالإسلام دينًا ، وبالقرآن إمامًا ، فاعف عنا عفا الله عنك ، فلم يزل به حتى رضي ، فيومئذ قال : " الولد للفِرَاش وللعاهرِ الحَجَر " .
ثم قال البخاري : حدثنا الفَضْل بن سَهْل ، حدثنا أبو النَّضْر ، حدثنا أبو خَيْثَمَة ، حدثنا أبو الجُويرية ، عن ابن عباس قال : كان قوم يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم استهزاء ، فيقول الرجل : من أبي ؟ ويقول الرجل تَضل ناقتُه : أين ناقتي ؟ فأنزل الله فيهم هذه الآية : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ } حتى فرغ من الآية كلها . تفرد{[10438]} به البخاري . {[10439]}
وقال الإمام أحمد : حدثنا منصور بن وَرْدَان الأسدي ، حدثنا عليّ بن عبد الأعلى ، عن أبيه ، عن أبي البَخْتَريّ - وهو سعيد بن فيروز - عن{[10440]} علي قال : لما نزلت هذه الآية : { وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلا } [ آل عمران : 97 ] قالوا : يا رسول الله ، {[10441]} كل عام ؟ فسكت . فقالوا : أفي كل عام ؟ فسكت ، قال : ثم قالوا : أفي كل عام ؟ فقال : " لا ولو قلت : نعم لوجبت " ، فأنزل الله : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ } إلى آخر الآية .
وكذا رواه الترمذي وابن ماجه ، من طريق منصور بن وردان ، به{[10442]} وقال الترمذي : غريب من هذا الوجه ، وسمعت البخاري يقول : أبو البختري لم يدرك عليًّا .
وقال ابن جرير : حدثنا أبو كُرَيْب ، حدثنا عبد الرحيم بن سليمان ، عن إبراهيم بن مسلم الهَجَرِيّ ، عن أبي عياض ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن الله كتب عليكم الحج " فقال رجل : أفي كل عام يا رسول الله ؟ فأعرض عنه ، حتى عاد مرتين أو ثلاثًا ، فقال : " من السائل ؟ " فقال : فلان . فقال : " والذي نفسي بيده ، لو قلت : نعم لوَجَبَتْ ، ولو وجبت عليكم ما أطقتموه ، ولو تركتموه لكفرتم " ، فأنزل الله ، عز وجل : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ } حتى ختم الآية .
ثم رواه ابن جرير من طريق الحسين بن واقد ، عن محمد بن زياد ، عن أبي هريرة - وقال : فقام مِحْصَن الأسدي - وفي رواية من هذه الطريق : عُكَاشة بن محْصن - وهو أشبه . {[10443]}
وإبراهيم بن مسلم الهجري ضعيف .
وقال ابن جرير أيضًا : حدثني زكريا بن يحيى بن أبان المصري قال : حدثنا أبو زيد عبد الرحمن ابن أبي الغمر ، حدثنا ابو مطيع معاوية بن يحيى ، عن صفوان بن عمرو ، حدثني سليم بن عامر قال : سمعت أبا أمامة الباهلي يقول : قام رسول الله صلى الله عليه وسلم في الناس فقال : " كتب عليكم الحج " . فقام رجل من الأعراب فقال : أفي كل عام ؟ قال : فَغَلقَ كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأسكت واستغضب ، ومكث طويلا ثم تكلم فقال : " من السائل ؟ " فقال الأعرابي : أنا ذا ، فقال : " ويحك ، ماذا يؤمنك أن أقول : نعم ، والله لو قلت : نعم لوجبت ، ولو وجبت لكفرتم ، ألا إنه إنما أهلك الذين من قبلكم أئمة الحَرَج ، والله لو أني أحللت لكم جميع ما في الأرض ، وحرمت عليكم منها موضع خُفٍّ ، لوقعتم فيه " قال : فأنزل الله عند ذلك : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ } إلى آخر الآية . {[10444]} في إسناده ضعف .
وظاهر{[10445]} الآية النهي عن السؤال عن الأشياء التي إذا علم بها الشخص ساءته ، فالأولى الإعراض عنها وتركها . وما أحسن الحديث الذي رواه الإمام أحمد حيث قال :
حدثنا حَجَّاج قال : سمعت إسرائيل بن يونس ، عن الوليد بن أبي هشام مولى الهمداني ، عن زيد بن زائد ، عن عبد الله بن مسعود قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه : " لا يبلغني أحد عن أحد شيئًا ؛ فإني أحب أن أخرج إليكم وأنا سليم الصدر " الحديث .
وقد رواه أبو داود والترمذي ، من حديث إسرائيل{[10446]} - قال أبو داود : عن الوليد - وقال الترمذي : عن إسرائيل - عن السدي ، عن الوليد بن أبي هاشم ، به . ثم قال الترمذي : غريب من هذا الوجه .
وقوله : { وَإِنْ تَسْأَلُوا عَنْهَا حِينَ يُنزلُ الْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ } أي : وإن تسألوا عن هذه الأشياء التي نهيتم عن السؤال عنها حين ينزل الوحي على الرسول تُبَيَّن لكم ، وذلك [ على الله ]{[10447]} يسير .
ثم قال{[10448]} { عَفَا اللَّهُ عَنْهَا } أي : عما كان منكم قبل ذلك ، { وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ }
وقيل : المراد بقوله : { وَإِنْ تَسْأَلُوا عَنْهَا حِينَ يُنزلُ الْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ } أي : لا تسألوا عن أشياء تستأنفون السؤال عنها ، فلعلَّه قد ينزل بسبب سؤالكم تشديد أو تضييق{[10449]} وقد ورد في الحديث : " أعظم المسلمين جُرْمًا من سأل عن شيء لم يُحَرّم فحرم من أجل مسألته " {[10450]} ولكن إذا نزل القرآن بها مجملة فسألتم عن بيانها حينئذ ، تبينت لكم لاحتياجكم إليها . {[10451]}
{ عَفَا اللَّهُ عَنْهَا } أي : ما لم يذكره{[10452]} في كتابه فهو مما عفا عنه ، فاسكتوا أنتم عنها كما سكت عنها . وفي الصحيح ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : " ذروني ما تُرِكْتُم ؛ فإنما أهلك من كان قبلكم كثرة سؤالهم واختلافهم على أنبيائهم " . {[10453]}
وفي الحديث الصحيح أيضًا : " إن الله فرض فرائض فلا تُضيِّعُوها ، وحَدَّ حدودًا فلا تعتدوها ، وحَرَّم أشياء فلا تنتهكوها ، وسكت عن أشياء رحمة بكم غَيْرَ نِسْيان فلا تسألوا عنها " . {[10454]}
{ يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم وإن تسألوا عنها حين ينزل القرآن تبدلكم } الشرطية وما عطف عليها صفتان لأشياء والمعنى : لا تسألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أشياء إن تظهر لكم تغمكم وإن تسألوا عنها في زمان الوحي تظهر لكم وهما كمقدمتين تنتجان ما يمنع السؤال وهو أنه مما يغمهم والعاقل لا يفعل ما يغمه ، وأشياء اسم جمع كطرفاء غير أنه قلبت لامه فجعلت لفعاء . وقيل أفعلاء حذفت لامه جمع لشيء على أن أصله شيء كهين ، أو شيء كصديق فخفف . وقيل أفعال جمع له من غير تغيير كبيت وأبيات ويرده منع صرفه . { عفا الله عنها } صفة أخرى أي عن أشياء عفا الله عنها ولم يكلف بها . إذ روي أنه لما نزلت { ولله على الناس حج البيت } قال سراقة بن مالك : أكل عام فأعرض عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أعاد ثلاثا فقال : " لا ولو قلت نعم لوجبت ، ولو وجبت لما استطعتم فاتركوني ما تركتكم " فنزلت أو استئناف أي عفا الله عما سلف من مسألتكم فلا تعودوا لمثلها . { والله غفور حليم } لا يعاجلكم بعقوبة ما يفرط منكم ، ويعفو عن كثير .
وقوله تعالى : { يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء } الآية ، اختلف الرواة في سببها فقالت فرقة منهم أنس بن مالك وغيره : نزلت بسبب سؤال عبد الله بن حذافة السهمي{[4740]} ، ( وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صعد المنبر مغضباً ، فقال : لا تسألوني اليوم عن شيء إلا أخبرتكم به ، فقام رجل فقال أين أنا ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : في النار فقام عبد الله بن حذافة السهمي وكان يطعن في نسبه ، فقال من أبي ؟ فقال : أبوك حذافة ) .
قال القاضي أبو محمد رضي الله عنه : وفي الحديث مما لم يذكر الطبري ( فقام آخر فقال من أبي ؟ فقال أبوك سالم مولى أبي شيبة ، فقام عمر بن الخطاب فجثا على ركبتيه وقال رضينا بالله رباً وبالإسلام ديناً ومحمد نبياً نعوذ بالله من الفتن ، وبكى الناس من غضب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ونزلت هذه الآية بسبب هذه الاسئلة ){[4741]} .
قال القاضي أبو محمد : وصعود رسول الله صلى الله عليه وسلم المنبر مغضباً إنما كان بسبب سؤالات الأعراب والجهال والمنافقين ، فكان منهم من يقول أين ناقتي ؟ وآخر يقول ما الذي ألقى في سفري هذا ؟ ونحو هذا مما هو جهالة أو استخفاف وتعنيت ، وقال علي بن أبي طالب وأبو هريرة وأبو أمامة الباهلي وابن عباس ، في لفظهم اختلاف ، والمعنى واحد ، خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس فقال : أيها الناس كتب عليكم الحج وقرأ عليهم { ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلاً }{[4742]} قال علي : فقالوا يا رسول الله : أفي كل عام ؟ فسكت ، فأعادوا ، قال : لا ولو قلت نعم ، لوجبت ، وقال أبو هريرة : فقال عكاشة بن محصن وقال مرة فقال محصن الأسدي ، وقال غيره فقام رجل من بني أسد ، وقال بعضهم فقام أعرابي فقال يا رسول الله ، أفي كل عام ؟ فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم قال : من السائل ؟ فقيل فلان ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «لو قلت نعم لوجبت ولو وجبت لم تطيقوه ، ولو تركتموه ، لهلكتم »{[4743]} فنزلت هذه الآية بسبب ذلك ، ويقوي هذا حديث سعد بن أبي وقاص أن النبي عليه السلام قال : «إن أعظم المسلمين على المسلمين جرماً من سأل عن شيء لم يحرم فحرم من أجل مسألته »{[4744]} وروي عن ابن عباس أنه قال : نزلت الآية بسبب قوم سألوا عن البحيرة والسائبة والوصيلة ونحو هذا من أحكام الجاهلية ، وقاله سعيد بن جبير{[4745]} .
قال القاضي أبو محمد : وروي أنه لما بين الله تعالى في هذه الآيات أمر الكعبة والهدي والقلائد ، وأعلم أن حرمتها هو الذي جعلها إذ هي أمور نافعة قديمة من لدن عهد إبراهيم عليه السلام ، ذهب ناس من العرب إلى السؤال عن سائر أحكام الجاهلية ليروا هل تلحق بتلك أم لا ، إذ كانوا قد اعتقدوا الجميع سنة لا يفرقون بين ما هو من عند الله وما هو من تلقاء الشيطان والمغيرين لدين إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام كعمرو بن لحي وغيره ، وفي عمرو بن لحي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : رأيته يجر قصبه في النار وكان أول من سيب السوائب{[4746]} .
قال القاضي أبو محمد : والظاهر من الروايات أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ألحت عليه الأعراب والجهال بأنواع من السؤالات حسبما ذكرناه ، فزجر الله تعالى عن ذلك بهذه الآية و { أشياء } اسم جمع لشيء أصله عند الخليل وسيبويه شيئاً مثل فعال قلبت إلى الفعل لثقل اجتماع الهمزتين ، وقال أبو حاتم { أشياء } وزنها أفعال وهو جمع شيء وترك الصرف فيه سماع ، وقال الكسائي : لم ينصرف { أشياء } لشبه آخرها بآخر حمراء ، ولكثرة استعمالها ، والعرب تقول أشياوات كما تقول حمراوات ، ويلزم على هذا أن لا ينصرف أسماء لأنهم يقولون أسماوات{[4747]} ، وقال الأخفش : { أشياء } أصلها أشياء على وزن أفعلاء ، اسثقلت اجتماع الهمزتين فأبدلت الأولى ياء لانكسار ما قبلها ثم حذفت الياء استخفافاً ، ويلزم على هذا أن يكون واحد الأشياء شيئاً مثل هين وأهوناء{[4748]} .
وقرأ جمهور الناس «إن تُبدَ » بضم التاء وفتح الدال وبناء الفعل للمفعول ، وقرأ مجاهد «إن تَبدُ » بفتح التاء وضم الدال على بناء الفعل للفاعل ، وقرأ الشعبي «إن يبد لكم » بالياء من أسفل مفتوحة والدال مضمومة «يسؤكم » بالياء من أسفل ، أي يبده الله لكم .
وقوله تعالى { وإن تسألوا عنها حين ينزل القرآن تبد لكم } قال ابن عباس : معناه لا تسألوا عن أشياء في ضمن الإخبار عنها مساءة لكم إما لتكليف شرعي يلزمكم وإما لخبر يسوء ، كما قيل للذي قال أين أنا ؟ ولكن إذا نزل القرآن بشيء وابتدأكم ربكم بأمر فحينئذٍ إن سألتم عن تفصيله وبيانه ُبِّين لكم وُأبدى .
قال القاضي أبو محمد رحمه الله : فالضمير في قوله { عنها } عائد على نوعها لا على الأولى التي نهى عن السؤال عنها ، وقال أبو ثعلبة الخشني رضي الله عنه : إن الله فرض فرائض فلا تضيعوها ونهى عن أشياء فلا تنتهكوها وحد حدوداً فلا تعتدوها وعفا من غير نسيان عن أشياء فلا تبحثوا عنها ، وكان عبيد بن عمير يقول : إن الله أحل وحرم فما أحل فاستحلوا وما حرم فاجتنبوا وترك بين ذلك أشياء لم يحلها ولم يحرمها ، فذلك عفو من الله عفاه ، ثم يتلو هذه الآية .
قال القاضي أبو محمد : ويحتمل قوله تعالى : { وإن تسألوا عنها حين ينزل القرآن تبد لكم } أن يكون في معنى الوعيد كأنه قال لا تسألوا وإن سألتم لقيتم عبء ذلك وصعوبته لأنكم تكلفون وتستعجلون علم ما يسوءكم كالذي قيل له إنه في النار ، وقوله تعالى : { عفا الله عنها } تركها ولم يعرف بها ، وهذه اللفظة التي هي { عفا } ، تؤيد أن الأشياء التي هي في تكليفات الشرع ، وينظر إلى ذلك قول النبي عليه السلام ( إن الله قد عفا لكم عن صدقة الخيل ){[4749]} ، و { غفور حليم } صفتان تناسب{[4750]} العفو وترك المباحثة والسماحة في الأمور .