المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{قُلۡ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ} (1)

مقدمة السورة:

سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن ربه ، فأمر في هذه السورة بالإجابة بأنه الجامع لصفات الكمال ، الواحد الأحد ، المقصود على الدوام في الحوائج ، الغني عن كل ما سواه ، المتنزه عن المجانسة والمماثلة ، لم يلد ولم يولد ، ولم يكن له من خلقه نظير ولا مشاكل .

1- قل - يا محمد - لمن قالوا مستهزئين : صف لنا ربك : هو الله أحد لا سواه ، ولا شريك له .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{قُلۡ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ} (1)

مقدمة السورة:

سورة الإخلاص مكية وآياتها أربع

هذه السورة الصغيرة تعدل ثلث القرآن كما جاء في الروايات الصحيحة . قال البخاري : حدثنا إسماعيل : حدثني مالك عن عبد الرحمن بن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي صعصعة ، عن أبيه ، عن أبي سعد ، أن رجلا سمع رجلا يقرأ : ( قل هو الله أحد )يرددها . فلما أصبح جاء إلى النبي [ صلى الله عليه وسلم ] فذكر ذلك له - وكأن الرجل يتقالها - فقال النبي [ صلى الله عليه وسلم ] : " والذي نفسي بيده ، إنها لتعدل ثلث القرآن " . .

وليس في هذا من غرابة . فإن الأحدية التي أمر رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] أن يعلنها : ( قل هو الله أحد ) . . هذه الأحدية عقيدة للضمير ، وتفسير للوجود ، ومنهج للحياة . . وقد تضمنت السورة - من ثم - أعرض الخطوط الرئيسية في حقيقة الإسلام الكبيرة . .

( قل هو الله أحد ) . . وهو لفظ أدق من لفظ " واحد " . . لأنه يضيف إلى معنى " واحد " أن لا شيء غيره معه . وأن ليس كمثله شيء .

إنها أحدية الوجود . . فليس هناك حقيقة إلا حقيقته . وليس هناك وجود حقيقي إلا وجوده . وكل موجود آخر فإنما يستمد وجوده من ذلك الوجود الحقيقي ، ويستمد حقيقته من تلك الحقيقة الذاتية .

وهي - من ثم - أحدية الفاعلية . فليس سواه فاعلا لشيء ، أو فاعلا في شيء ، في هذا الوجود أصلا . وهذه عقيدة في الضمير وتفسير للوجود أيضا . .

فإذا استقر هذا التفسير ، ووضح هذا التصور ، خلص القلب من كل غاشية ومن كل شائبة ، ومن كل تعلق بغير هذه الذات الواحدة المتفردة بحقيقة الوجود وحقيقة الفاعلية .

خلص من التعلق بشيء من أشياء هذا الوجود - إن لم يخلص من الشعور بوجود شيء من الأشياء أصلا ! - فلا حقيقة لوجود إلا ذلك الوجود الإلهي . ولا حقيقة لفاعلية إلا فاعلية الإرادة الإلهية . فعلام يتعلق القلب بما لا حقيقة لوجوده ولا لفاعليته !

وحين يخلص القلب من الشعور بغير الحقيقة الواحدة ، ومن التعلق بغير هذه الحقيقة . . فعندئذ يتحرر من جميع القيود ، وينطلق من كل الأوهاق . يتحرر من الرغبة وهي أصل قيود كثيرة ، ويتحرر من الرهبة وهي أصل قيود كثيرة . وفيم يرغب وهو لا يفقد شيئا متى وجد الله ? ومن ذا يرهب ولا وجود لفاعلية إلا لله ?

ومتى استقر هذا التصور الذي لا يرى في الوجود إلا حقيقة الله ، فستصحبه رؤية هذه الحقيقة في كل وجود آخر انبثق عنها - وهذه درجة يرى فيها القلب يد الله في كل شيء يراه . وورائها الدرجة التي لا يرى فيها شيئا في الكون إلا الله . لأنه لا حقيقة هناك يراها إلا حقيقة الله .

كذلك سيصحبه نفي فاعلية الأسباب . ورد كل شيء وكل حدث وكل حركة إلى السبب الأول الذي منه صدرت ، وبه تأثرت . . وهذه هي الحقيقة التي عني القرآن عناية كبيرة بتقريرها في التصور الإيماني . ومن ثم كان ينحي الأسباب الظاهرة دائما ويصل الأمور مباشرة بمشيئة الله : ( وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى ) . . ( وما النصر إلا من عند الله ) . . ( وما تشاءون إلا أن يشاء الله ) . . وغيرها كثير . .

وبتنحية الأسباب الظاهرة كلها ، ورد الأمر إلى مشيئة الله وحدها ، تنسكب في القلب الطمأنينة ، ويعرف المتجه الوحيد الذي يطلب عنده ما يرغب ، ويتقي عنده ما يرهب ، ويسكن تجاه الفواعل والمؤثرات والأسباب الظاهرة التي لا حقيقة لها ولا وجود !

وهذه هي مدارج الطريق التي حاولها المتصوفة ، فجذبتهم إلى بعيد ! ذلك أن الإسلام يريد من الناس أن يسلكوا الطريق إلى هذه الحقيقة وهم يكابدون الحياة الواقعية بكل خصائصها ، ويزاولون الحياة البشرية ، والخلافة الأرضية بكل مقوماتها ، شاعرين مع هذا أن لا حقيقة إلا الله . وأن لا وجود إلا وجوده . وأن لا فاعلية إلا فاعليته . . ولا يريد طريقا غير هذا الطريق !

من هنا ينبثق منهج كامل للحياة ، قائم على ذلك التفسير وما يشيعه في النفس من تصورات ومشاعر واتجاهات : منهج لعبادة الله وحده . الذي لا حقيقة لوجود إلا وجوده ، ولا حقيقة لفاعلية إلا فاعليته ، ولا أثر لإرادة إلا إرادته .

ومنهج للاتجاه إلى الله وحده في الرغبة والرهبة . في السراء والضراء . في النعماء والبأساء . وإلا فما جدوى التوجه إلى غير موجود وجودا حقيقيا ، وإلى غير فاعل في الوجود أصلا ? !

ومنهج للتلقي عن الله وحده . تلقي العقيدة والتصور والقيم والموازين ، والشرائع والقوانين والأوضاع والنظم ، والآداب والتقاليد . فالتلقي لا يكون إلا عن الوجود الواحد والحقيقة المفردة في الواقع وفي الضمير .

ومنهج للتحرك والعمل لله وحده . . ابتغاء القرب من الحقيقة ، وتطلعا إلى الخلاص من الحواجز المعوقة والشوائب المضللة . سواء في قرارة النفس أو فيما حولها من الأشياء والنفوس . ومن بينها حاجز الذات ، وقيد الرغبة والرهبة لشيء من أشياء هذا الوجود !

ومنهج يربط - مع هذا - بين القلب البشري وبين كل موجود برباط الحب والأنس والتعاطف والتجاوب . فليس معنى الخلاص من قيودها هو كراهيتها والنفور منها والهروب من مزاولتها . . فكلها خارجة من يد الله ؛ وكلها تستمد وجودها من وجوده ، وكلها تفيض عليها أنوار هذه الحقيقة . فكلها إذن حبيب ، إذ كلها هدية من الحبيب !

وهو منهج رفيق طليق . . الأرض فيه صغيرة ، والحياة الدنيا قصيرة ، ومتاع الحياة الدنيا زهيد ، والانطلاق من هذه الحواجز والشوائب غاية وأمنية . . ولكن الانطلاق عند الإسلام ليس معناه الاعتزال ولا الإهمال ، ولا الكراهية ولا الهروب . . إنما معناه المحاولة المستمرة ، والكفاح الدائم لترقية البشرية كلها ، وإطلاق الحياة البشرية جميعها . . ومن ثم فهي الخلافة والقيادة بكل أعبائهما ، مع التحرر والانطلاق بكل مقوماتهما . كما أسلفنا .

إن الخلاص عن طريق الصومعة سهل يسير . ولكن الإسلام لا يريده . لأن الخلافة في الأرض والقيادة للبشر طرف من المنهج الإلهي للخلاص . إنه طريق أشق ، ولكنه هو الذي يحقق إنسانية الإنسان . أي يحقق انتصار النفخة العلوية في كيانه . . وهذا هو الانطلاق . انطلاق الروح إلى مصدرها الإلهي ، وتحقيق حقيقتها العلوية . وهي تعمل في الميدان الذي اختاره لها خالقها الحكيم . .

من أجل هذا كله كانت الدعوة الأولى قاصرة على تقرير حقيقة التوحيد بصورتها هذه في القلوب . لأن التوحيد في هذه الصورة عقيدة للضمير ، وتفسير للوجود ، ومنهج للحياة . وليس كلمة تقال باللسان أو حتى صورة تستقر في الضمير . إنما هو الأمر كله ، والدين كله ؛ وما بعده من تفصيلات وتفريعات لا يعدو أن يكون الثمرة الطبيعية لاستقرار هذه الحقيقة بهذه الصورة في القلوب .

والانحرافات التي أصابت أهل الكتاب من قبل ، والتي أفسدت عقائدهم وتصوراتهم وحياتهم ، نشأت أول ما نشأت عن انطماس صورة التوحيد الخالص . ثم تبع هذا الانطماس ما تبعه من سائر الانحرافات .

على أن الذي تمتاز به صورة التوحيد في العقيدة الإسلامية هو تعمقها للحياة كلها ، وقيام الحياة على أساسها ، واتخاذها قاعدة للمنهج العملي الواقعي في الحياة ، تبدو آثاره في التشريع كما تبدو في الاعتقاد سواء . وأول هذه الآثار أن تكون شريعة الله وحدها هي التي تحكم الحياة . فإذا تخلفت هذه الآثار فإن عقيدة التوحيد لا تكون قائمة ، فإنها لا تقوم إلا ومعها آثارها محققة في كل ركن من أركان الحياة . .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{قُلۡ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ} (1)

بسم الله الرحمَن الرحيم

القول في تأويل قوله تعالى : { قُلْ هُوَ اللّهُ أَحَدٌ * اللّهُ الصّمَدُ * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لّهُ كُفُواً أَحَدٌ } .

ذُكر أن المشركين سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نسب ربّ العزة ، فأنزل الله هذا السورة جوابا لهم . وقال بعضهم : بل نزلت من أجل أن اليهود سألوه ، فقالوا له : هذا الله خلق الخلق ، فمن خلق الله ؟ فأُنزلت جوابا لهم .

ذكر من قال : أُنزلت جوابا للمشركين الذين سألوه أن ينسُب لهم الربّ تبارك وتعالى :

حدثنا أحمد بن منيع المَرْوزيّ ومحمود بن خِداش الطالَقَاني ، قالا : حدثنا أبو سعيد الصنعاني ، قال : حدثنا أبو جعفر الرازيّ ، عن الربيع بن أنس ، عن أبي العالية ، عن أُبيّ بن كعب ، قال : قال المشركون للنبيّ صلى الله عليه وسلم : انسُبْ لنا ربك ، فأنزل الله : { قُلْ هُوَ اللّهُ أحَدٌ اللّهُ الصّمَدُ } .

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا يحيى بن واضح ، قال : حدثنا الحسين ، عن يزيد ، عن عكرِمة ، قال : إن المشركين قالوا : يا رسول الله أخبرنا عن ربك ، صف لنا ربك ما هو ؟ ومن أيّ شيء هو ؟ فأنزل الله : { قُلْ هُوَ اللّهُ أحَدٌ } إلى آخر السورة .

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا مهران ، عن أبي جعفر ، عن الربيع ، عن أبي العالية { قُلْ هُوَ اللّهُ أحَدٌ اللّهُ الصّمَدُ } قال : قال ذلك قادة الأحزاب : انسُب لنا ربك ، فأتاه جبريل بهذه .

حدثني محمد بن عوف ، قال : حدثنا شريح ، قال : حدثنا إسماعيل بن مجالد ، عن مجالد ، عن الشعبيّ ، عن جابر قال : قال المشركون : انسُب لنا ربك ، فأنزل الله { قُلْ هُوَ اللّهُ أحَدٌ } .

ذكر من قال : نزل ذلك من أجل مسألة اليهود :

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، قال : ثني ابن إسحاق ، عن محمد ، عن سعيد ، قال : أتى رهط من اليهود النبيّ صلى الله عليه وسلم ، فقالوا : يا محمد ، هذا الله خلق الخلق ، فمن خلقه ؟ فغضب النبيّ صلى الله عليه وسلم حتى انتُقِعَ لونه ثم ساوَرَهم غضبا لربه ، فجاءه جبريل عليه السلام فسكنّه ، وقال : اخفض عليك جناحك يا محمد ، وجاءه من الله جواب ما سألوه عنه . قال : يقول الله : { قُلْ هُوَ اللّهُ أحَدٌ اللّهُ الصّمَدُ لَمْ يَلِدْ ولَمْ يُولَدْ ولَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوا أحَدٌ } فلما تلا عليهم النبيّ صلى الله عليه وسلم ، قالوا : صف لنا ربك كيف خَلْقُه ، وكيف عضُدُه ، وكيف ذراعُه ، فغضب النبيّ صلى الله عليه وسلم أشدّ من غضبه الأوّل ، وساوَرَهم غضبا ، فأتاه جبريل فقال له مثل مقالته ، وأتاه بجواب ما سألوه عنه : { وَما قَدَرُوا اللّهَ حَقّ قَدْرِهِ والأرْضُ جَمِيعا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ والسّمَوَاتُ مَطْوِيّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمّا يُشْرِكُونَ } .

حدثنا ابن حُمَيد ، قال : حدثنا مِهران ، عن سعيد بن أبي عَرُوبة ، عن قتادة ، قال : جاء ناس من اليهود إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم ، فقالوا : انسب لنا ربك ، فنزلت : { قُلْ هُوَ اللّهُ أحَدٌ } حتى ختم السورة .

فتأويل الكلام إذا كان الأمر على ما وصفنا : قل يا محمد لهؤلاء السائليك عن نسب ربك وصفته ، ومن خلقه : الربّ الذي سألتموني عنه ، هو الله الذي له عبادة كل شيء ، لا تنبغي العبادة إلاّ له ، ولا تصلح لشيء سواه .

واختلف أهل العربية في الرافع { أحَدٌ } فقال بعضهم : الرافع له «الله » ، و «هو » عمادا ، بمنزلة الهاء في قوله : { إنّهُ أنا اللّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ } . وقال آخر منهم : بل «هو » مرفوع ، وإن كان نكرة بالاستئناف ، كقوله : { هذا بعلي شيخ } ، وقال : هو الله جواب لكلام قوم قالوا له : ما الذي تعبد ؟ فقال : هو الله ، ثم قيل له : فما هو ؟ قال : هو أحد .

وقال آخرون { أحَدٌ } بمعنى : واحد ، وأنكر أن يكون العماد مستأنفا به ، حتى يكون قبله حرف من حروف الشكّ ، كظنّ وأخواتها ، وكان وذواتها ، أو إنّ وما أشبهها ، وهذا القول الثاني هو أشبه بمذاهب العربية .

واختلفت القرّاء في قراءة ذلك ، فقرأته عامة قرّاء الأمصار { أحَدٌ اللّهُ الصّمَدُ } بتنوين «أحدٌ » ، سوى نصر بن عاصم ، وعبد الله بن أبي إسحاق ، فإنه رُوي عنهما ترك التنوين : «أحَدُ اللّهُ » ، وكأن من قرأ ذلك كذلك ، قال : نون الإعراب إذا استقبلتها الألف واللام أو ساكن من الحروف حُذفت أحيانا ، كما قال الشاعر :

كَيْفَ نَوْمي على الفرَاشِ ولمَا *** تَشْمَلِ الشّامَ غارَةٌ شَعْوَاءُ

تُذْهِلُ الشّيْخَ عَن بَنِيهِ وتُبْدِي *** عَنْ خِدَامِ العَقِيلَةُ العَذْراءُ

يريد : عن خِدامٍ العقيلةُ .

والصواب في ذلك عندنا : التنوين ، لمعنيين : أحدهما أفصح اللغتين ، وأشهر الكلامين ، وأجودهما عند العرب . والثاني : إجماع الحجة من قرّاء الأمصار على اختيار التنوين فيه ، ففي ذلك مُكْتفًى عن الاستشهاد على صحته بغيره . وقد بيّنا معنى قوله «أحد » فيما مضى ، بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{قُلۡ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ} (1)

مقدمة السورة:

سورة الإخلاص مختلف فيها ، وآيها أربع آيات .

بسم الله الرحمن الرحيم { قل هو الله أحد } الضمير للشأن ، كقولك : هو زيد منطلق ، وارتفاعه بالابتداء ، وخبره الجملة ، ولا حاجة إلى العائد ؛ لأنها هي هو ، أو لما سئل عنه صلى الله عليه وسلم ، أي الذي سألتموني عنه هو الله ؛ إذ روي أن قريشا قالوا : يا محمد ، صف لنا ربك الذي تدعونا إليه . فنزلت .

وأحد بدل ، أو خبر ثان ، يدل على مجامع صفات الجلال ، كما دل الله على جميع صفات الكمال ؛ إذ الواحد الحقيقي ما يكون منزه الذات عن أنحاء التركيب والتعدد ، وما يستلزم أحدهما كالجسمية والتحيز والمشاركة في الحقيقة وخواصها كوجوب الوجود والقدرة الذاتية والحكمة التامة المقتضية للألوهية .

وقرئ ( هو الله ) بلا قل ، مع الاتفاق على أنه لا بد منه في { قل يا أيها الكافرون } ، ولا يجوز في { تبت } ، ولعل ذاك لأن سورة الكافرون مشاقة الرسول ، أو موادعته لهم ، وتبت معاتبة عمه ، فلا يناسب أن تكون منه ، وأما هذا فتوحيد يقول به تارة ، ويؤمر بأن يدعو إليه أخرى .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{قُلۡ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ} (1)

مقدمة السورة:

بسم الله الرحمن الرحيم

سورة الإخلاص مكية ، وآياتها أربع .

هذه السورة مكية قاله مجاهد -بخلاف عنه- وعطاء وقتادة ، وقال ابن عباس ، والقرطبي ، وأبو العالية : هي مدنية .

قرأ عمر بن الخطاب وابن مسعود والربيع بن خيثم : «قل هو الله أحد الواحد الصمد » ، وروى أبي بن كعب أن المشركين سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نسب ربه- تعالى عما يقول الجاهلون- فنزلت هذه السورة{[12024]} .

وروى ابن عباس أن اليهود دخلوا على النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا : يا محمد ، صف لنا ربك ، وانسبه فإنه وصف نفسه في التوراة ونسبها ، فارتعد رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى خر مغشياً عليه ، ونزل عليه جبريل بهذه السورة{[12025]} .

وقال أبو العالية قال قادة الأحزاب لرسول الله صلى الله عليه وسلم : انسب لنا ربك ، فأتاه الوحي بهذه السورة{[12026]} .

و { أحد } معناه : فرد من جميع جهات الوحدانية ، ليست كمثله شيء ، وهو ابتداء ، و { الله } ابتداء ثان ، و { أحد } خبره ، والجملة خبر الأول ، وقيل : { هو } ابتداء ، و { الله } خبره ، و { أحد } بدل منه ، وحذف أبو عمرو التنوين من { أحد } لالتقاء الساكنين «أحدُ الله » وأثبتها الباقون مكسورة للالتقاء ، وأما وفقهم كلهم فبسكون الدال ، وقد روي عن أبي عمرو : الوصل بسكون الدال ، وروي عنه أيضاً تنوينها .


[12024]:أخرجه أحمد، والبخاري في تاريخه، والترمذي، وابن جرير، وابن خزيمة، وابن أبي حاتم في السنة، والبغوي في معجمه، وابن المنذر في العظمة، والحاكم وصححه، والبيهقي في الأسماء والصفات، عن أبي بن كعب رضي الله عنه. (الدر المنثور).
[12025]:أخرجه ابن أبي حاتم، وابن عدي، والبيهقي في الأسماء والصفات عن ابن عباس رضي الله عنهما. (الدر المنثور).
[12026]:أما عن أبي العالية فقد أخرجه ابن الضريس وابن جرير، وأما عن قتادة فقد أخرجه عبد الرزاق وابن جرير، وابن المنذر . (الدر المنثور).