المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{وَإِنۡ خِفۡتُمۡ أَلَّا تُقۡسِطُواْ فِي ٱلۡيَتَٰمَىٰ فَٱنكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ ٱلنِّسَآءِ مَثۡنَىٰ وَثُلَٰثَ وَرُبَٰعَۖ فَإِنۡ خِفۡتُمۡ أَلَّا تَعۡدِلُواْ فَوَٰحِدَةً أَوۡ مَا مَلَكَتۡ أَيۡمَٰنُكُمۡۚ ذَٰلِكَ أَدۡنَىٰٓ أَلَّا تَعُولُواْ} (3)

3- وإن شعرتم بالخوف من ظلم اليتامى لأنه ذنب كبير ، فخافوا كذلك أَلَمَ نسائكم بعدم العدل بينهن ، والزيادة على أربع ، فتزوجوا منهن اثنتين أو ثلاثاً أو أربعاً إذا وثقتم بالقدرة على العدل ، فإن خفتم عدم العدل فتزوجوا واحدة ، أو استمتعوا بما تملك أيديكم من الإماء ، ذلك أقرب إلى عدم الوقوع في الظلم والجور{[38]} ، وأقرب ألا تكثر عيالكم فتعجزوا عن الإنفاق عليهم .


[38]:لم تنفرد الشريعة الإسلامية من بين الشرائع السماوية بمبدأ تعدد الزوجات، فشريعة التوراة تثبت أنه يباح للرجل أن يتزوج بمن يشاء، وهي تذكر أن الأنبياء كانوا يتزوجون من النساء بالعشرات لا بالآحاد. والتوراة هي كتب العهد القديم الذي يؤخذ به عند النصارى ما لم يوجد نص قد جاء في الإنجيل أو رسائل الرسل يخالفها، ولم يوجد نص صريح في المخالفة، والكنيسة كانت تأذن بالتعدد ولا تعارض فيه في القرون الوسطى وما بعدها، وملوك أوروبا الذين عددوا الزوجات معروفون في تاريخها. وإذا كان الإسلام قد انفرد بشيء في هذا المقام، فالذي انفرد به أنه قيد التعدد، فهو أول شريعة سماوية قيدت التعدد صراحة، فقد قيدته بثلاثة أمور: أولها: ألا يزيد عن أربع، وثانيها: ألا يكون فيه ظلم لإحداهن، وثالثها: أن يكون قادرا على الإنفاق. والشرطان الأخيران لازمان في كل زواج ولو كان الأول، فقد قرر فقهاء المسلمين على اختلاف فرقهم بالإجماع أنه يحرم الزواج على من يتأكد أنه لا يعدل مع زوجته إذا تزوج. غير أن ذلك التحريم ديني لا يقع تحت سلطان القضاء، لأن العدل أمر نفسي لا يعلم إلا من جهته، والقدرة على الإنفاق أمر نسبي لا تحدد بميزان واحد، ولذلك ترك الأمر فيها إلى تقدير الشخص وهو إثم عليه العقاب يوم القيامة إن خالفه، ولأن الظلم أو العجز عن الإنفاق أمور تتعلق بالمستقبل، والعقود لا تبني صحتها على أمور متوقعة، بل تبني على أمور واقعة، والظالم قد يكون عادلا، والعاجز في المال قد يكون قادرا. فالمال غاد ورائح، ومع ذلك قرر الإسلام أن الرجل إذا ظلم امرأته أو عجز عن الإنفاق عليها كان لها طلب التفريق ولكن لا يمنعها من العقد إذا دخلت راضية مختارة في إنشائه. والإسلام إذ فتح باب التعدد مع التضييق فيه على ذلك النحو قد دفع أدواء ومشكلات اجتماعية كثيرة: فأولا – قد ينقص عدد الرجال الصالحين للزواج عن عدد النساء الصالحات للزواج، وخصوصا عقب الحروب المفنية، فقد لوحظ في بعض الدول الأوروبية أن عدد الرجال الصالحين بعد الحرب يعادل واحدا إلى سبع من النساء فيكون من كرامة المرأة أن تكون زوجة ولو مع أخرى بدلا من أن تكون حائرة بين أحضان الرجال. وثانيا – قد يكون بين رجل وامرأة ما لا يستطيعان معه ألا تكون بينهما علاقة شرعية أو آثمة، فيكون من المصلحة الاجتماعية أن تكون شرعية، وخير للمرأة أن تكون زوجة من أن تكون خليلة تنتقل بين أحضان الرجال، وإذا كانت هذه صورة شوهاء للتعدد، فإن فيها من عدم التعدد. فإن التعدد على أقبح صوره يدفع شرا اجتماعيا أعظم منه.وثالثا – لا يمكن أن تقبل امرأة الزواج من متزوج إلا إذا كانت مضطرة إلى ذلك اضطرارا، فإذا كانت الزوجة الأولى ينالها ضرر بالزواج بالثانية، فإن الثانية ينالها ضرر أشد بالحرمان، إذ تموت أنوثتها أو تكون ضياعا بين الرجال، والضرر الكبير يدفع بالضرر القليل. ورابعا – قد تصاب الزوجة بمرض لا تكون معه صالحة للعلاقة الجنسية، أو تكون عقيمة، فيكون من المصلحة الاجتماعية والشخصية التزوج من أخرى. لهذه المعاني ولغيرها فتح الإسلام الباب مضيقا، ولم يغلقه تماما. إن الإسلام شريعة الله الذي يعلم كل شيء، فهو العليم الحكيم.
 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَإِنۡ خِفۡتُمۡ أَلَّا تُقۡسِطُواْ فِي ٱلۡيَتَٰمَىٰ فَٱنكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ ٱلنِّسَآءِ مَثۡنَىٰ وَثُلَٰثَ وَرُبَٰعَۖ فَإِنۡ خِفۡتُمۡ أَلَّا تَعۡدِلُواْ فَوَٰحِدَةً أَوۡ مَا مَلَكَتۡ أَيۡمَٰنُكُمۡۚ ذَٰلِكَ أَدۡنَىٰٓ أَلَّا تَعُولُواْ} (3)

{ وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلَّا تَعُولُوا * وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا }

أي : وإن خفتم ألا تعدلوا في يتامى النساء اللاتي تحت حجوركم وولايتكم وخفتم أن لا تقوموا بحقهن لعدم محبتكم إياهن ، فاعدلوا إلى غيرهن ، وانكحوا { مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاء } أي : ما وقع عليهن اختياركم من ذوات الدين ، والمال ، والجمال ، والحسب ، والنسب ، وغير ذلك من الصفات الداعية لنكاحهن ، فاختاروا على نظركم ، ومن أحسن ما يختار من ذلك صفة الدين كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : " تنكح المرأة لأربع لمالها ولجمالها ولحسبها ولدينها فاظفر بذات الدين تَرِبَتْ يمينك "

وفي هذه الآية - أنه ينبغي للإنسان أن يختار قبل النكاح ، بل وقد أباح له الشارع النظر إلى مَنْ يريد تزوجها ليكون على بصيرة من أمره . ثم ذكر العدد الذي أباحه من النساء فقال : { مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ } أي : من أحب أن يأخذ اثنتين فليفعل ، أو ثلاثا فليفعل ، أو أربعا فليفعل ، ولا يزيد عليها ، لأن الآية سيقت لبيان الامتنان ، فلا يجوز الزيادة على غير ما سمى الله تعالى إجماعا .

وذلك لأن الرجل قد لا تندفع شهوته بالواحدة ، فأبيح له واحدة بعد واحدة ، حتى يبلغ أربعا ، لأن في الأربع غنية لكل أحد ، إلا ما ندر ، ومع هذا فإنما يباح له ذلك إذا أمن على نفسه الجور والظلم ، ووثق بالقيام بحقوقهن .

فإن خاف شيئا من هذا فليقتصر على واحدة ، أو على ملك يمينه . فإنه لا يجب عليه القسم في ملك اليمين { ذَلِك } أي : الاقتصار على واحدة أو ما ملكت اليمين { أَدْنَى أَلَّا تَعُولُوا } أي : تظلموا .

وفي هذا أن تعرض العبد للأمر الذي يخاف منه الجور والظلم ، وعدم القيام بالواجب -ولو كان مباحًا- أنه لا ينبغي له أن يتعرض ، له بل يلزم السعة والعافية ، فإن العافية خير ما أعطي العبد .