المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تَسۡـَٔلُواْ عَنۡ أَشۡيَآءَ إِن تُبۡدَ لَكُمۡ تَسُؤۡكُمۡ وَإِن تَسۡـَٔلُواْ عَنۡهَا حِينَ يُنَزَّلُ ٱلۡقُرۡءَانُ تُبۡدَ لَكُمۡ عَفَا ٱللَّهُ عَنۡهَاۗ وَٱللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٞ} (101)

101- يا أيها الذين آمنوا : لا تسألوا النبي عن أمور أخفاها الله عنكم لأنها إن تظهر لكم تسؤكم ، وإن تسألوا النبي عنها - في حياته إذ ينزل عليه القرآن - يبينها الله لكم ، عفا الله عنكم في هذه الأشياء فلا يعاقبكم عليها ، والله كثير المغفرة واسع الحلم فلا يعجل بالعقوبة .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تَسۡـَٔلُواْ عَنۡ أَشۡيَآءَ إِن تُبۡدَ لَكُمۡ تَسُؤۡكُمۡ وَإِن تَسۡـَٔلُواْ عَنۡهَا حِينَ يُنَزَّلُ ٱلۡقُرۡءَانُ تُبۡدَ لَكُمۡ عَفَا ٱللَّهُ عَنۡهَاۗ وَٱللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٞ} (101)

وبعد هذا الحديث المستفيض عن الحلال والحرام في شريعة الإِسلام اتجهت آيات السورة الكريمة إلى تربية المسلمين وإرشادهم إلى الآداب التي يجب أن يتمسكوا بها ونهيهم عن الأسئلة التي لا خير يرجى من وراء إثارتها . . فقال تعالى :

{ ياأيها الذين آمَنُواْ لاَ تَسْأَلُواْ عَنْ أَشْيَآءَ . . . }

قد ذكر المفسرون في سبب نزول هاتين الآيتين روايات متعددة ، منها ما حكاه القرطبي في قوله : روى البخاري ومسلم وغيرهما - واللفظ للبخاري - عن أنس قال : " قال رجل للنبي صلى الله عليه وسلم يا رسول الله من أبى ؟ قال : " أبوك فلان " " .

وخرج البخاري أيضاً عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم وفيه : " فوالله لا تسألوني عن شيء إلا أخبرتكم به ما دمت في مقامي هذا " فقام إليه رجل فقال : أين مدخلي يا رسول الله ؟ قال " النار " فقام عبد الله بن حذافة - وكان إذا لا حي يدعى إلى غيره أبيه - فقال من أبي يا رسول الله ؟ فقال : أبوك حذافة " .

وروى الدارقطني والترمذي عن علي رضي الله عنه قال : لما نزلت هذه الآية { وَللَّهِ عَلَى الناس حِجُّ البيت مَنِ استطاع إِلَيْهِ سَبِيلاً } قالوا : " يا رسول الله ، أفي كل عام ؟ فسكت . فقالوا : أفي كل عام ؟ قال : " لا ولو قلت نعم لوجبت " فأنزل الله تعالى { ياأيها الذين آمَنُواْ لاَ تَسْأَلُواْ عَنْ أَشْيَآءَ } . . الآية .

وروى مجاهد عن ابن عباس أنها نزلت في قوم سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن البحيرة والسائبة والوصيلة والحام .

ثم قال القرطبي : ويحتمل أن تكون الآية نزلت جوابا للجميع ، فيكون السؤال قريبا بعضه من بعض .

والمعنى : يا أيها الذين آمنوا بالله حق الإِيمان ، لا تسألوا نبيكم صلى الله عليه وسلم أو غيره ، عن أشياء تتعلق بالعقيدة أو بالأحكام الشرعية أو بغيرها . هذه الأشياء { إِن تُبْدَ لَكُمْ } وتظهر { تَسُؤْكُمْ } أي : تتغمكم وتحزنكم وتندموا على السؤال عنها لما يترتب عليها من إحراجكم . ومن المشقة عليكم ، ومن الفضيحة لبعضكم .

فالآية الكريمة - كما يقول ابن كثير - تأديب من الله لعباده المؤمنين ، ونهى لهم عن أن يسألوا عن أشياء مما لا فائدة لهم في السؤال والتنقيب عنها ، لأنها إن ظهرت لهم تلك الأمور ربما ساءتهم ، وشق عليهم سماعها ، كما جاء في الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " لا يبلغني أحد عن أحد شيئا ، فإني أحب أن أخرج إليكم وأنا سليم الصدر " .

وقد وجه - سبحانه - النداء إليهم بصفة الإِيمان ، لتحريك حرارة العقيدة في نفوسهم ، حتى يستجيبوا بسرعة ورغبة إلى ما كلفوا به .

وقوله { أشياء } اسم جمع من لفظ شيء ، فهو مفرد لفظا جمع معنى كطرفاء وقصباء - وهذا رأي الخليل وسيبويه وجمهور البصريين - .

ويرى الفراء أن أشياء جمع لشيء . وهو ممنوع من الصرف لألف التأنيث الممدودة ، ومتعلق بقوله : { تسألوا } .

ومفعول { تسألوا } محذوف للتعميم .

أي : لا تسألوا الرسول صلى الله عليه وسلم ولا تسألوا غيره عن أشياء لا فائدة من السؤال عنها ، بل إن السؤال عنها قد يؤدي إلى إخراجكم وإلى المشقة عليكم .

وقوله : { إِن تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ } صفة لأشياء داعية إلى الانتهاء عن السؤال عنها .

وعبر " بإن " المفيدة للشك وعدم القطع بوقوع الشرط والجزاء للإِشارة إلى أن هذا الشك كاف في تركهم للسؤال عن هذه الأشياء ، فإن المؤمن الحق يبتعد عن كل ما لا فائدة من ورائه من أسئلة أو غيرها .

وقوله : { وَإِن تَسْأَلُواْ عَنْهَا حِينَ يُنَزَّلُ القرآن تُبْدَ لَكُمْ } معطوف على ما قبله وهو قوله : { إِن تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ } .

والضمير في قوله : { عنها } يعود على { أشياء } و { حين } ظرف زمان منصوب بالفعل { تسألوا } .

والمعنى : لا تكثروا - أيها المؤمنون - من الأسئلة التي لا خير لكم في السؤال عنها ، إن تسألوا عن أشياء نزل بها القرآن مجملة ، فتطلبوا بيانها تبين لكم حينئذ لاحتياجكم إليها .

قال الفخر الرازي : السؤال على قسمين :

أحدهما : السؤال عن شيء لم يجر ذكره في الكتاب والسنة بوجه من الوجوه . فهذا السؤال منهى عنه بقوله : { لاَ تَسْأَلُواْ عَنْ أَشْيَآءَ إِن تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ } .

والنوع الثاني من السؤال : السؤال عن شيء نزل به القرآن لكن السامع لم يفهمه كما ينبغي فها هنا السؤال واجب ، وهو المراد بقوله : { وَإِن تَسْأَلُواْ عَنْهَا حِينَ يُنَزَّلُ القرآن تُبْدَ لَكُمْ } .

والفائدة في ذكر هذا القسم ، أنه لما منع في الجملة الأولى من السؤال ، أو هم أن جميع أنواع السؤال ممنوع فيه ، فذكر ذلك تمييزا لهذا القسم عن ذلك القسم .

فإن قيل : إن قوله { وَإِن تَسْأَلُواْ عَنْهَا } هذا الضمير عائد على الأشياء المذكورة في قوله { لاَ تَسْأَلُواْ عَنْ أَشْيَآءَ } فكيف يعقل في { أشياء } بأعيانهها أن يكون السؤال عنها ممنوعا وجائزاً معاً ؟

قلنا : الجواب عنه من وجهين :

الأول : جائز أن يكون السؤال عنها ممنوعاً قبل نزول القرآن بها ومأمورا به بعد نزول القرآن بها . والثاني : " أنهما وإن كانا نوعين مختلفين ، إلا أنهما في حكم شيء واحد ، فلهذا حسن اتحاد الضمير ، وإن كانا في الحقيقة نوعين مختلفين " .

وقال القرطبي : قوله - تعالى - : { وَإِن تَسْأَلُواْ عَنْهَا حِينَ يُنَزَّلُ القرآن تُبْدَ لَكُمْ } فيه غموض ، وذلك أن في ذلك الآية النهي عن السؤال ، ثم قال : { وَإِن تَسْأَلُواْ } . . إلخ . فأباحه لهم .

فقيل : المعنى وإن تسألوا عن غيرها فيما مست الحاجة إليه ، فحذف المضاف ولا يصح حمله على غير الحذف .

قال الجرجاني : الكناية في " عنها " ترجع إلى أشياء أخر ، كقوله تعالى : { وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإنسان مِن سُلاَلَةٍ مِّن طِينٍ } يعني آدم ، ثم قال { ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً } أي : ابن آدم ، لأن آدم لم يجعل نطفة في قرار مكين ، لكن لما ذكر الإنسان وهو آدم دل على إنسان مثله ، وعرف ذلك بقرينة الحال .

فالمعنى : وإن تسألوا عن أشياء - أخر - حين ينزل القرآن من تحليل أو تحريم أو حكم ، أو مست حاجتكم إلى التفسير ، فإذا سألتم فحينئذ تبدلكم فقد أباح - سبحانه - هذا النوع من السؤال .

والضمير في قوله { عَفَا الله عَنْهَا } يعود إلى أشياء ، والجملة في محل جر صفة أخرى لأشياء .

أي : أن هذه الأشياء التي نهيتم عن السؤال عنها هي مما عفا الله عنه - رحمة منه وفضلا- حيث لم يكلفكم بها . ولم يفضحكم بيانها .

ويجوز أن يعود الضمير إلى الأسئلة المدلول عليها بقوله { لاَ تَسْأَلُواْ } فتكون الجملة مستأنفة ، ويكون المعنى : عفا الله عن أسئلتكم السالفة التي سألتموها قبل النهي ، وتجاوز - سبحانه - عن معاقبتكم عليها رحمة منه وكرما ؛ فمن الواجب عليكم بعد ذلك ألا تعودوا إلى مثلها أبداً .

قال صاحب المنار : ولا مانع عندنا يمنعنا من إرادة المعنيين معا . فإن كل ما تدل عليه عبارات القرآن من المعاني الحقيقية والمجازية والكناية يجوز عندنا أن يكون مرادا منها مجتمعة تلك المعاني أو منفردة ما لم يمنع مانع من ذلك كأن تكون تلك المعاني مما لا يمكن اجتماعها شرعاً أو عقلا ، فحينئذ لا يصح أن تكون كلها مرادة بل يرجح بعهضا على بعض بطرق الترجيح المعروفة من لفظية ومعنوية .

وقوله { والله غَفُورٌ حَلِيمٌ } اعتراض تذييلي مقرر لعفوه - سبحانه - أي : عفا الله عن كل ذلك ، وهو - سبحانه - واسع المغفرة والحلم والصفح ولذا لم يكلفكم بما يشق عليهم ، ولم يؤاخذكم بها فرط منكم من أقوال وأعمال قبل النهي عنها .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تَسۡـَٔلُواْ عَنۡ أَشۡيَآءَ إِن تُبۡدَ لَكُمۡ تَسُؤۡكُمۡ وَإِن تَسۡـَٔلُواْ عَنۡهَا حِينَ يُنَزَّلُ ٱلۡقُرۡءَانُ تُبۡدَ لَكُمۡ عَفَا ٱللَّهُ عَنۡهَاۗ وَٱللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٞ} (101)

القول في تأويل قوله تعالى : { يَأَيّهَا الّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَسْأَلُواْ عَنْ أَشْيَآءَ إِن تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ وَإِن تَسْأَلُواْ عَنْهَا حِينَ يُنَزّلُ الْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ عَفَا اللّهُ عَنْهَا وَاللّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ } . .

ذكر أن هذه الاية أنزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم بسبب مسائل كان يسألها إياه أقوام ، امتحانا له أحيانا ، واستهزاء أحيانا ، فيقول له بعضهم : من أبي ؟ ويقول له بعضهم إذا ضلت ناقته : أين ناقتي ؟ فقال لهم تعالى ذكره : لا تسألوا عن أشياء من ذلك ، كمسألة عبد الله بن حذافة إياه من أبوه ، " إنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ " يقول : إن أبدينا لكم حقيقة ما تسألون عنه ساءكم إبداؤها وإظهارها .

وبنحو الذي قلنا في ذلك تظاهرت الأخبار عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم . ذكر الرواية بذلك :

حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا بعض بني نفيل ، قال : حدثنا زهير بن معاوية ، قال : حدثنا أبو الجويرية ، قال : قال ابن عباس لأعرابي من بني سليم : هل تدري فيما أنزلت هذه الاية " يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا لا تَسْأَلُوا عَنْ أشْياءَ إنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ " ؟ حتى فرغ من الاية ، فقال : كان قوم يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم استهزاء ، فيقول الرجل : من أبي ؟ والرجل تضلّ ناقته فيقول : أين ناقتي ؟ فأنزل الله فيهم هذه الاية .

حدثني محمد بن المثنى ، قال : حدثنا أبو عامر وأبو داود ، قالا : حدثنا هشام ، عن قتادة ، عن أنس ، قال : سأل الناس رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أحفوه بالمسألة ، فصعد المنبر ذات يوم ، فقال : «لا تَسْأَلُونِي عَنْ شَيْءٍ إلاّ بَيّنْتُهُ لَكُمْ » . قال أنس : فجعلت أنظر يمينا وشمالاً ، فأرى كلْ إنسان لافّا ثوبه يبكي فأنشأ رجل كان ذا لاحى يدعى إلى غير أبيه ، فقال : يا رسول الله ، من أبي ؟ فقال : «أبُوكَ حُذَافَةُ » . قال : فأنشأ عمر فقال : رضينا بالله ربّا وبالإسلام دينا وبمحمد صلى الله عليه وسلم رسولاً ، وأعوذ بالله من سوء الفتن فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «لَمْ أرَ فِي الشّرّ والخَيْرِ كاليَوْم قَطّ ، إنّهُ صُوّرَتْ لِيَ الجَنّةُ وَالنّارُ حتى رأيْتُهُما وَرَاءَ الحائِطِ » . وكان قتادة يذكر هذا الحديث عند هذه الاية : " لا تَسأَلُوا عَنْ أشْياءَ إنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ " .

حدثني محمد بن معمر البحراني ، قال : حدثنا روح بن عبادة ، قال : حدثنا شعبة ، قال : أخبرني موسى بن أنس ، قال : سمعت أنسا يقول : قال رجل : يا رسول الله من أبي ؟ قال : «أبُوكَ فُلانٌ » . قال : فنزلت : " يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا لا تَسْألُوا عَنْ أشْياءَ إنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ " .

حدثنا بشر بن معاذ ، قال : حدثنا يزيد بن زريع ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، في قوله : " يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا لا تَسْأَلُوا عَنْ أشْياءَ إنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ " قال : فحُدّثنا أن أنس بن مالك حدثهم : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سألوه حتى أحفوه بالمسألة ، فخرج عليهم ذات يوم فصعد المنبر ، فقال : «لا تَسْأَلُونِي اليَوْمَ عَنْ شَيْءٍ إلاّ بَيّنْتُهُ لَكُمْ » فأشفق أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يكون بين يديه أمر قد حضر ، فجعلت لا ألتفت يمينا ولا شمالاً إلاّ وجدت كلاًّ لافّاً رأسه في ثوبه يبكي . فأنشأ رجل كان يُلاحَى فيدعى إلى غير أبيه ، فقال : يا نبيّ الله من أبي ؟ قال : «أبُوكَ حُذَافة » . قال : ثم قام عمر أو قال : فأنشأ عمر فقال : رضينا بالله ربّا وبالإسلام دينا وبمحمد صلى الله عليه وسلم رسولاً عائذا بالله أو قال : أعوذ بالله من سوء الفتن . قال : وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «لَمْ أرَ فِي الخَيْرِ والشّرّ كاليَوْمِ قَطّ ، صُوّرَتْ ليَ الجَنّةُ والنّارُ حتى رأيْتُهُما دُونَ الحائِطِ » .

حدثنا أحمد بن هشام وسفيان بن وكيع ، قالا : حدثنا معاذ ، قال : حدثنا ابن عون ، قال : سألت عكرمة مولى ابن عباس عن قوله : " يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا لا تَسْأَلُوا عَنْ أشْيَاءَ إنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ " قال : ذاك يوم قام فيهم النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال : «لا تَسْأَلُونِي عَنْ شَيْءٍ إلاّ أخْبَرْتُكُمْ بِهِ » قال : فقام رجل ، فكره المسلمون مقَامه يومئذ ، فقال : يا رسول الله من أبي ؟ قال : «أبُوكَ حُذَافَة » قال : فنزلت هذه الاية .

حدثنا الحسين بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن ابن طاوس ، عن أبيه قال : نزلت : " لا تَسْأَلُوا عَنْ أشْياءَ إنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ " في رجل قال : يا رسول الله من أبي ؟ قال : «أبُوك فلان » .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني سفيان ، عن معمر ، عن قتادة ، قال : سألوا النبي صلى الله عليه وسلم حتى أكثروا عليه ، فقام مغضبا خطيبا ، فقال : " سَلُوني فَوَاللّهِ لا تَسْأَلُونِي عَنْ شَيْءٍ ما دُمْتُ في مَقامي إلاّ حَدّثْتُكُمْ " فقام رجل فقال : من أبي ؟ قال : «أبُوكَ حُذَافَة » واشتدّ غضبه وقال : «سَلُونِي » فلما رأى الناس ذلك كثر بكاؤهم ، فجثا عمر على ركبتيه فقال : رضينا بالله ربّا ، قال معمر : قال الزهري : قال أنس مثل ذلك : فجثا عمر على ركبتيه ، فقال : رضينا بالله ربا ، وبالإسلام دينا ، وبمحمد صلى الله عليه وسلم رسولاً ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «أمَا وَالّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ ، لَقَدْ صُوّرَتْ ليَ الجَنّةُ وَالنّارُ آنِفا فِي عَرْضِ هَذَا الحائِطِ ، فَلَمْ أرَ كاليَوْمِ فِي الخَيْرِ والشّرّ » . قال الزهريّ : فقالت أمّ عبد الله بن حُذافة : ما رأيت ولدا أعقّ منك قطّ ، أتأمن أن تكون أمك قارفت ما قارف أهل الجاهلية ، فتفضحها على رؤوس الناس فقال : والله لو ألحقني بعبد أسود للحقته .

حدثني محمد بن الحسين ، قال : حدثنا أحمد بن مفضل ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ : " يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا لا تَسْأَلُوا عَنْ أشْيَاءَ إنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ " قال : غضب رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما من الأيام فقام خطيبا ، فقال : «سَلُونِي فإنّكُمْ لا تَسْأَلُونِي عَنْ شَيْء إلاّ أنْبَأْتُكُمْ بِهِ » فقام إليه رجل من قريش من بني سَهْم يقال له عبد الله بن حُذَافة ، وكان يُطعنَ فيه ، قال : فقال يا رسول الله من أبي ؟ قال : «أبُوكَ فُلانٌ » فدعاه لأبيه فقام إليه عمر ، فقبّل رجله وقال : يا رسول الله ، رضينا بالله ربا ، وبك نبيا ، وبالإسلام دينا ، وبالقرآن إماما ، فاعف عنا عفا الله عنك فلم يزل به حتى رضي ، فيومئذ قال : «الوَلَدُ للفِرَاش وللعاهِرِ الحَجَرُ » .

حدثني الحرث ، قال : حدثنا عبد العزيز ، قال : حدثنا قيس ، عن أبي حصين ، عن أبي صالح ، عن أبي هريرة ، قال : خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو غضبان محمارّ وجههُ ، حتى جلس على المنبر ، فقام إليه رجل ، فقال أين أبي ؟ قال : «في النّارِ » فقام آخر فقال : من أبي ؟ قال : «أبُوكَ حُذَافَةُ » . فقام عمر بن الخطاب فقال : رضينا بالله ربا ، وبالإسلام دينا ، وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبيا ، وبالقرآن إماما ، إنا يا رسول الله حديثو عهد بجاهلية وشرك ، والله يعلم من آباؤنا . قال : فسكن غضبه ، ونزلت : " يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا لا تَسْأَلُوا عَنْ أشْيَاءَ إنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ " .

وقال آخرون : نزلت هذه الاية على رسول الله صلى الله عليه وسلم من أجل مسألة سائل سأله عن شيء في أمر الحجّ . ذكر من قال ذلك :

حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا منصور بن وردان الأسديّ ، قال : حدثنا عليّ بن عبد الأعلى ، قال : لما نزلت هذه الاية : " وَللّهِ على النّاسِ حِجّ البَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إلَيْهِ سَبِيلاً " قالوا : يا رسول الله أفي كلّ عام ؟ فسكت ، ثم قالوا : أفي كلّ عام ؟ فسكت ، ثم قال : «لا ، ولَوْ قُلْتُ نَعَمْ لَوَجَبَتْ » فأنزل الله هذه الاية : " يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا لا تَسْأَلُوا عَنْ أشْياءَ إنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ " .

حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا عبد الرحمن بن سليمان ، عن إبراهيم بن مسلم الهَجَريّ ، عن ابن عياض ، عن أبي هريرة ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «إنّ اللّهَ كَتَبَ عَلَيْكُمُ الحَجّ » فقال رجل : أفي كلّ عام يا رسول الله ؟ فأعرض عنه ، حتى عاد مرّتين أو ثلاثا ، فقال : «مَنِ السّائِلُ ؟ » فقال فلان ، فقال : «والذي نَفْسِي بِيَدِهِ ، لَوْ قُلْتُ نَعَمْ لَوَجَبَتْ ، وَلَوْ وَجَبَتْ عَلَيْكُمْ ما أطَقْتُموه ، وَلَوْ تَرَكْتُمُوهُ لَكَفَرْتمْ » . فأنزل الله هذه الاية : " يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا لا تَسْأَلُوا عَنْ أشْياءَ إن تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ " حتى ختم الاية .

حدثني محمد بن عليّ بن الحسين بن شقيق ، قال سمعت أبي ، قال : أخبرنا الحسين بن واقد ، عن محمد بن زياد ، قال : سمعت أبا هريرة يقول : خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : «يا أيّهَا النّاسُ ، كَتَبَ اللّهُ عَلَيْكُمْ الحَجّ » . فقام محصن الأسديّ ، فقال : أفي كلّ عام يا رسول الله ؟ فقال : «أمَا إنّي لَوْ قُلْتُ نَعَمْ لَوَجَبَتْ ، ولَوْ وَجَبَتْ ثُمّ تَرَكْتُمْ لَضَلَلْتُمْ . اسْكُتُوا عَنّى ما سَكَتّ عَنْكُمْ ، فإنّمَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ بِسُؤَالِهِمْ واخْتِلافِهِمْ على أنْبِيائِهمْ » فأنزل الله تعالى : " يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا لا تَسْأَلُوا عَنْ أشْيَاءَ إنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ " إلى آخر الاية .

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا يحيى بن واضح ، قال : حدثنا الحسين وقد ، عن محمد بن زيادة ، قال : سمعت أبا هريرة يقول : خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فذكر مثله ، إلا أنه قال : فقام عُكاشة ابنِ محْصَن الأسديّ .

حدثنا زكريا بن يحيى بن أبان المصري ، قال : حدثنا أبو زيد عبد الرحمن بن أبي العمر ، قال : حدثنا أبو مطيع معاوية بن يحيى ، عن صفوان بن عمرو ، قال : ثني سليم بن عامر ، قال : سمعت أبا أمامة الباهلي يقول : قام رسول الله صلى الله عليه وسلم في الناس فقال : «كُتِبَ عَلَيْكُمُ الحَجّ » فقام رجل من الأعراب ، فقال : أفي كل عام ؟ قال : فعلا كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم وأسكت وأغضب واستغضب . فمكث طويلاً ثم تكلم فقال : مَنِ السّائِلُ ؟ » فقال الأعرابيّ : أنا ذا ، فقال : «وَيْحَكَ ماذَا يُؤْمِنُكَ أنْ أقُولَ نَعَمْ ، وَلَوْ قُلْتُ نَعَمُ لَوَجَبَتْ ، وَلَوْ وَجَبَتْ لَكَفَرْتُمْ ؟ ألا إنّهُ إنّمَا أهْلَكَ الّذِينَ قبْلَكُمْ أئِمّةُ الحَرَجِ ، وَاللّهُ لَوْ أنّي أحْلَلْتُ لَكُمْ جَمِيعَ ما فِي الأرْضِ وَحَرّمْتُ عَلَيْكُمْ مِنْها مَوْضِعَ خُفّ لَوَقَعْتُمْ فِيهِ » قال : فأنزل الله تعالى عند ذلك " يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا لا تَسْأَلُوا عَنْ أشْياءَ . . . " إلى آخر الاية .

حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : " يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا لا تَسْأَلُوا عَنْ أشْيَاء إنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ " وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أذّن في الناس ، فقال : «يا قَوْمِ ، كُتِبَ عَلَيْكُمُ الحَجّ » فقام رجل من بني أسد فقال : يا رسول الله ، أفي كلّ عام ؟ فأُغْضِبَ رسول الله صلى الله عليه وسلم غضبا شديدا ، فقال : «وَالّذِي نَفْسُ مُحَمّدِ بَيَدِهِ لَوْ قُلْتُ نَعَمْ لَوَجَبَتْ ، وَلَوْ وَجَبَتْ ما اسْتَطَعْتُمْ ، وِإذَنْ لَكَفَرْتُمْ فاتْرُكُونِي ما تَرَكْتُكُمْ ، فإذَا أمَرْتُكُمْ بِشَيْءٍ فافْعَلُوا ، وإذَا نَهَيْتُكُمْ عَنْ شَيْء فانُتَهُوا عَنْهُ » . فأنزل الله تعالى : " يا أيّها الّذِين آمَنُوا لا تَسْأَلُوا عَنْ أشْياءَ إنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ " . نهاهم أن يسألوا عن مثل الذي سألت النصارى من المائدة ، فأصبحوا بها كافرين فنهى الله تعالى عن ذلك ، وقال : لا تسألوا عن أشياء إن نزل القرآن فيها بتغليظ ساءكم ذلك ، ولكن انتظروا فإذا نزل القرآن فإنّكُمْ لا تسألون عن شيء إلا وجدتم تبيانه .

حدثني المثنى ، قال : حدثنا عبد الله بن صالح ، قال : ثني معاوية بن صالح ، قال : حدثنا عليّ بن أبي طلحة ، عن ابن عباس ، قوله : " يا أيّها الّذِين آمَنُوا لا تَسْأَلُوا عَنْ أشْياءَ إنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ وإنْ تَسْأَلُوا عَنْها حِينَ يُنزّل القُرْآنِ تُبْدَ لَكُمْ " قال : لما أنزلت آية الحجّ ، نادى النبي صلى الله عليه وسلم في الناس ، فقال «يا أيّها النّاسُ ، إنّ اللّهَ قَدْ كَتَبَ عَلَيْكُمْ الحَجّ فَحُجّوا » فقالوا : يا رسول الله ، أعاما واحدا أم كل عام ؟ فقال «لا بَلْ عاما وَاحِدا ، وَلَوْ قُلْتُ كُلّ عامٍ لَوَجَبَتْ ، وَلَوْ وَجَبَتْ لَكَفَرْتُمْ » ثم قال الله تعالى : " يا أيّها الّذِين آمَنُوا لا تَسْأَلُوا عَنْ أشْياءَ إنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ " قال : سألوا النبي صلى الله عليه وسلم عن أشياء فوعظهم ، فانتهوا .

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، عن عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قوله : " يا أيّها الّذِين آمَنُوا لا تَسْأَلُوا عَنْ أشْياءَ إنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ " قال : ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم الحجّ ، فقيل : أواجب هو يا رسول الله كلّ عام ؟ قال : «لا ، لَوْ قُلْتُها لَوَجَبَتْ ، وَلَوْ وَجَبَتْ ما أطَقْتُمْ ، وَلَوْ لَمْ تُطِيقُوا لَكَفَرْتُمْ » ثم قال : «سَلُونِي فَلا يَسْأَلُنِي رَجُلٌ في مَجْلِسِي هَذَا عَنْ شَيْءٍ إلاّ أخْبَرْتُهُ ، وإنْ سَأَلَنِي عَنْ أبِيهِ » فقام إليه رجل ، فقال : من أبي ؟ قال : «أبُوكَ حُذَافَةُ بْنُ قَيْسٍ » فقام عمر ، فقال : يا رسول اصلى الله عليه وسلم رضينا بالله ربا ، وبالإسلام دينا ، وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبيا ، ونعوذ بالله من غضبه وغضب رسوله .

وقال آخرون : بل نزلت هذه الاية من أجل أنهم سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن البحيرة والسائبة والوصيلة والحامي . ذكر من قال ذلك :

حدثني إسحاق بن إبراهيم بن حبيب بن الشهيد ، قال : حدثنا عتاب بن بشير ، عن خصيف ، عن مجاهد ، عن ابن عباس لا تَسْأَلُوا عَنْ أشْياءَ قال : هي البحيرة والسائبة والوصيلة والحام . ألا ترى أنه يقول بعد ذلك : ما جعل الله من كذا ولا كذا ؟ قال : وأما عكرمة فإنه قال : إنهم كانوا يسألونه عن الايات فنهوا عن ذلك . ثم قال : " قَدْ سَأَلها قَوْمٌ مِنْ قَبْلِكُمْ ثُمّ أصْبَحُوا بها كَافِرينَ " قال : فقلت : قد حدثني مجاهد بخلاف هذا ابن عباس ، فما لك تقول هذا ؟ فقال هيه .

حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا يزيد بن هارون ، عن ابن عون ، عن عكرمة عن الأعمش ، قال : هو الذي سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم : من أبي ؟ . وقال سعيد بن جبير : هم الذين سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن البحيرة والسائبة .

وأولى الأقوال بالصواب في ذلك قول من قال : نزلت هذه الاية من أجل إكثار السائلين رسول الله صلى الله عليه وسلم المسائل ، كمسألة ابن حذافة إياه من أبوه ، ومسألة سائله إذ قال : «إنّ اللّهَ فَرَضَ عَلَيْكُمْ الحَجّ » : أفي كلّ عام ؟ وما أشبه ذلك من المسائل ، لتظاهر الأخبار بذلك عن الصحابة والتابعين وعامة أهل التأويل ، وأما القول الذي رواه مجاهد عن ابن عباس ، فقول غير بعيد من الصواب ، ولكن الأخبار المتظاهرة عن الصحابة والتابعين بخلافه ، وكرهنا القول به من أجل ذلك . على أنه غير مستنكر أن تكون المسألة عن البحيرة والسائبة والوصيلة والحام كانت فيما سألوا النبي صلى الله عليه وسلم عنه من المسائل التي كره الله لهم السؤال عنها ، كما كره الله لهم المسألة عن الحجّ ، أكلّ عام هو أم عاما واحدا ؟ وكما كره لعبد الله بن حذافة مسألته عن أبيه ، فنزلت الاية بالنهي عن المسائل لها ، فأخبر كلّ مخبر منهم ببعض ما نزلت الاية من أجله وأجل غيره . وهذا القول أولى الأقوال في ذلك عندي بالصحة ، لأن مخارج الأخبار بجميع المعاني التي ذُكرت إصحاح ، فتوجيهها إلى الصواب من وجودها أوْلى .

القول في تأويل قوله تعالى : " وَإنْ تَسْأَلُوا عَنْها حِينَ يُنَزّلُ القُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ عَفا اللّهُ عَنْهَا وَاللّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ " :

يقول تعالى ذكره للذين نهاهم من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، عن مسألة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، عما نهاهم عن مسألتهم إياه عنه ، من فرائض لم يفرضها الله عليهم ، وتحليل أمور لهم يحللها لهم ، وتحريم أشياء لم يحرّمها عليهم قبل نزول القرآن بذلك : أيها المؤمنون السائلون عما سألوا عنه رسولي مما لم أنزل به كتابا ولا وحيا ، لا تسألوا عنه ، فإنكم إن أظهر ذلك لكم تبيان بوحي وتنزيل ساءكم لأن التنزيل بذلك إذا جاءكم يجيئكم بما فيه امتحانكم واختباركم ، إما بإيجاب عمل عليكم ، ولزوم فرض لكم ، وفي ذلك عليكم مشقة ولزوم مؤنة وكلفة ، وإما بتحريم ما لو لم يأتكم بتحريمه وحي كنتم من التقدّم عليه في فسحة وسعة ، وإما بتحليل ما تعتقدون تحريمه ، وفي ذلك لكم مساءة لنقلكم عما كنتم ترونه حقا إلى ما كنتم ترونه باطلاً ، ولكنكم إن سألتم عنها بعد نزول القرآن بها وبعد ابتدائكم شأن أمرها في كتابي إلى رسولي إليكم ، بين لكم ما أنزلته إليه من إتيان كتابي وتأويل تنزيلي ووحيي ، وذلك نظير الخبر الذي رُويَ عن بعض أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، الذي :

حدثنا به هناد بن السريّ ، قال : حدثنا أبو معاوية ، عن داود بن أبي هند ، عن مكحول ، عن أبي ثعلبة الخشني ، قال : «إن الله تعالى فرض فرائض فلا تضيعوها ، ونهى عن أشياء فلا تنتهكوها ، وحدّ حدودا فلا تعتدوها ، وعفا عن أشياء من غير نسيان فلا تبحثوا عنها » .

حدثنا هناد ، قال : حدثنا ابن أبي زائدة ، قال : أخبرنا ابن جريج ، عن عطاء ، قال : كان عبيد بن عمير يقول : إن الله تعالى أحلّ وحرّم ، فما أحلّ فاستحلوه وما حرّم فاجتنبوه ، وترك من ذلك أشياء لم يحلها ولم يحرّمها فذلك عفو من الله عفاه ثم يتلو : " يا أيّها الّذِين آمَنُوا لا تَسْأَلُوا عَنْ أشْياءَ إنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ " .

حدثنا ابن المثنى ، قال : حدثنا الضحاك ، قال : أخبرنا ابن جريج ، قال : أخبرني عطاء ، عن عبيد ابن عمير ، أنه كان يقول : إن الله حرّم وأحلّ ، ثم ذكر نحوه .

وأما قوله : عَفا اللّهُ عَنْها فإنه يعني به : عفا الله لكم عن مسألتكم عن الأشياء التي سألتم عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي كره الله لكم مسألتكم إياه عنها ، أن يؤاخذكم بها ، أو يعاقبكم عليها ، إن عرف منها توبتكم وإنابتكم . وَاللّهُ غَفُورٌ يقول : والله ساتر ذنوب من تاب منها ، فتارك أن يصفحه في الاخرة ، حَلِيمٌ أن يعاقبه بها ، لتغمده التائب منها برحمته وعفوه ، عن عقوبته عليها .

وبنحو الذي قلنا في ذلك رُوي الخبر عن ابن عباس الذي ذكرناه آنفا . وذلك ما :

حدثني به محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس : " لا تسْأَلُوا عَنْ أشْيَاءَ " إن نزل القرآن فيها بتغليظ ساءكم ذلك ، ولكن انتظروا فإذا نزل القرآن ، فإنكم لا تسألون عن شيء إلا وجدتم تبيانه .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تَسۡـَٔلُواْ عَنۡ أَشۡيَآءَ إِن تُبۡدَ لَكُمۡ تَسُؤۡكُمۡ وَإِن تَسۡـَٔلُواْ عَنۡهَا حِينَ يُنَزَّلُ ٱلۡقُرۡءَانُ تُبۡدَ لَكُمۡ عَفَا ٱللَّهُ عَنۡهَاۗ وَٱللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٞ} (101)

{ يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم وإن تسألوا عنها حين ينزل القرآن تبدلكم } الشرطية وما عطف عليها صفتان لأشياء والمعنى : لا تسألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أشياء إن تظهر لكم تغمكم وإن تسألوا عنها في زمان الوحي تظهر لكم وهما كمقدمتين تنتجان ما يمنع السؤال وهو أنه مما يغمهم والعاقل لا يفعل ما يغمه ، وأشياء اسم جمع كطرفاء غير أنه قلبت لامه فجعلت لفعاء . وقيل أفعلاء حذفت لامه جمع لشيء على أن أصله شيء كهين ، أو شيء كصديق فخفف . وقيل أفعال جمع له من غير تغيير كبيت وأبيات ويرده منع صرفه . { عفا الله عنها } صفة أخرى أي عن أشياء عفا الله عنها ولم يكلف بها . إذ روي أنه لما نزلت { ولله على الناس حج البيت } قال سراقة بن مالك : أكل عام فأعرض عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أعاد ثلاثا فقال : " لا ولو قلت نعم لوجبت ، ولو وجبت لما استطعتم فاتركوني ما تركتكم " فنزلت أو استئناف أي عفا الله عما سلف من مسألتكم فلا تعودوا لمثلها . { والله غفور حليم } لا يعاجلكم بعقوبة ما يفرط منكم ، ويعفو عن كثير .