غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{ٱلۡحَمۡدُ لِلَّهِ ٱلَّذِيٓ أَنزَلَ عَلَىٰ عَبۡدِهِ ٱلۡكِتَٰبَ وَلَمۡ يَجۡعَل لَّهُۥ عِوَجَاۜ} (1)

مقدمة السورة:

سورة الكهف مكية إلا قوله واصبر نفسك الآية حروفها ستة آلاف وثلاثمائة وستون حرفا كلماتها ألف وخمسمائة وسبعة وسبعون آياتها مائة وإحدى عشرة .

بسم الله الرحمن الرحيم .

1

التفسير : ألصق الحمد والتكبير المذكورين في آخر السورة المتقدمة بالحمد على أجزل نعمائه على العباد وهي نعمة إنزال الكتاب على محمد صلى الله عليه وسلم . قال بعض العلماء : نزه نفسه في أوّل سورة " سبحان " عمَّا لا ينبغي وهو إشارة إلى كونه كاملاً في ذاته ، وحمد نفسه في أول هذه السورة وهو إشارة إلى كونه مكملاً لغيره ، وفيه تنبيه على أن مقام التسبيح مبدأ ومقام التحميد نهاية موافقاً لما ورد في الذكر " سبحان الله والحمد لله " . وفيه أن الإسراء أول درجات كماله من حيث إنه يقتضي حصول الكمال له وإنزال الكتاب غاية درجات كماله لأن فيه تكميل الأرواح البشرية ونقلها من حضيض البهيمية إلى أوج الملكية ولا شك أن المنافع المتعدية أفصل من القاصرة كما ورد في الخبر : " من تعلم وعلم وعمل فذاك يدعى عظيماً في السموات " وإنزال الكتاب على النبي صلى الله عليه وسلم نعمة عليه وعلينا . أما أنه نعمة عليه فلأنه اطلع بواسطته على أسرار التوحيد ونعوت الجلال والإكرام وأحوال الملائكة والأنبياء وسائر النفوس المقدسة ، وعلى كيفية القضاء والقدر وتعلق أحوال العالم السفلي بالعالم العلوي والشهادة بالغيب وارتباط أحدهما بالآخر . وأما أنه نعمة علينا فلأنا نستفيد منه أيضاً مثل ذلك ونعرف منه الأحكام الشرعية المفضية إلى إصلاح المعاش والمعاد . وفي انتصاب { قيماً } وجوه فاختار صاحب الكشاف أن يكون منصوباً بمضمر أي جعله وأنزله قيماً . وأبى أن يكون حالاً لأن العطف يدل على تمام الكلام وجعله حالاً يدل على نقصانه . قال جامع الأصفهاني : هما حالان متواليان إلا أن الأولى جملة والثانية مفرد . وقيل : حال من الضمير في قوله : { ولم يجعل له } وفائدة الجمع بين نفي العوج وإثبات الاستقامة هي التأكيد ، فرب مستقيم في الظاهر لا يخرج عن أدنى عوج في الحقيقة هذا تفسير ابن عباس . ويحتمل أن يراد أنه قيم على سائر الكتب مصدّق لها شاهد بصحتها ، وأنه قيم بمصالح العباد وما لا بد لهم منه من الشرائع والأحكام ، وعلى هذا يكون قوله : { ولم يجعل له عوجاً } إشارة إلى أنه كامل في ذاته ، مبرأ عن الاختلاف والتنافض ، مشتمل على كل ما هو في نفس الأمر حق وصدق .

/خ26