مدارك التنزيل وحقائق التأويل للنسفي - النسفي  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِذَا قِيلَ لَكُمۡ تَفَسَّحُواْ فِي ٱلۡمَجَٰلِسِ فَٱفۡسَحُواْ يَفۡسَحِ ٱللَّهُ لَكُمۡۖ وَإِذَا قِيلَ ٱنشُزُواْ فَٱنشُزُواْ يَرۡفَعِ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ مِنكُمۡ وَٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلۡعِلۡمَ دَرَجَٰتٖۚ وَٱللَّهُ بِمَا تَعۡمَلُونَ خَبِيرٞ} (11)

{ ياأيها الذين ءامَنُواْ إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُواْ فِى المجالس } ( في المجلس ) توسعوا فيه ، { فِى المجالس } عاصم ونافع والمراد مجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكانوا يتضامون فيه تنافساً على القرب منه وحرصاً على استماع كلامه . وقيل : هو المجلس من مجالس القتال وهي مراكز الغزاة كقوله { مَقَاعِدَ لِلْقِتَالِ }[ آل عمران : 121 ] . مقاتل في صلاة الجمعة { فافسحوا } فوسعوا { يَفْسَحِ الله لَكُمْ } مطلق في كل ما يبتغي الناس الفسحة فيه ، من المكان والرزق والصدر والقبر غير ذلك ، { وَإِذَا قِيلَ انشزوا } انهضوا للتوسعة على المقبلين ، أو انهضوا عن مجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أمرتم بالنهوض عنه ، أو انهضوا إلى الصلاة والجهاد وأعمال الخير ، { فَانشُزُواْ } بالضم فيهما : مدني وشامي وعاصم غير حماد ، { يَرْفَعِ الله الذين ءامَنُواْ مِنكُمْ } بامتثال أوامره وأوامر رسوله ، { والذين أُوتُواْ العلم } والعالمين منهم خاصة ، { درجات والله بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ } وفي الدرجات قولان : أحدهما في الدنيا في المرتبة والشرف ، والآخر في الآخرة .

وعن ابن مسعود رضي الله عنه أنه كان إذا قرأها قال : يا أيها الناس افهموا هذه الآية ولترغبكم في العلم ، وعن النبي صلى الله عليه وسلم : « فضل العالم على العابد كفضل القمر ليلة البدر على سائر الكواكب » ، وعنه صلى الله عليه وسلم : « عبادة العالم يوماً واحداً تعدل عبادة العابد أربعين سنة » ، وعنه صلى الله عليه وسلم « يشفع يوم القيامة ثلاثة : الأنبياء ثم العلماء ثم الشهداء » فأعظم بمرتبة هي واسطة بين النبوة والشهادة بشهادة رسول الله صلى الله عليه وسلم ! ، وعن ابن عباس رضي الله عنهما : خير سليمان عليه السلام بين العلم والمال والملك فاختار العلم فأعطي المال والملك معه . وقال صلى الله عليه وسلم : « أوحى الله إلى إبراهيم عليه السلام يا إبراهيم إني عليم أحب كل عليم » ، وعن بعض الحكماء : ليت شعري أي شيء أدرك من فاته العلم ، وأي شيء فات من أدرك العلم . وعن الزبيري : العلم ذكر فلا يحبه إلا ذكورة الرجال ، والعلوم أنواع فأشرها أشرفها معلوماً .