الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري - الزمخشري  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِذَا قِيلَ لَكُمۡ تَفَسَّحُواْ فِي ٱلۡمَجَٰلِسِ فَٱفۡسَحُواْ يَفۡسَحِ ٱللَّهُ لَكُمۡۖ وَإِذَا قِيلَ ٱنشُزُواْ فَٱنشُزُواْ يَرۡفَعِ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ مِنكُمۡ وَٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلۡعِلۡمَ دَرَجَٰتٖۚ وَٱللَّهُ بِمَا تَعۡمَلُونَ خَبِيرٞ} (11)

{ تَفَسَّحُواْ فِى المجالس }توسعوا فيه وليفسح بعضكم عن بعض ، من قولهم : أفسح عني ، أي : تنحّ ؛ ولا تتضامّوا . وقريء : «تفاسحوا » والمراد : مجلس رسول الله ، وكانوا يتضامّون فيه تنافساً على القرب منه ، وحرصاً على استماع كلامه ، وقيل : هو المجلس من مجالس القتال ، وهي مراكز الغزاة ، كقوله تعالى : { مَقَاعِدَ لِلْقِتَالِ } [ آل عمران : 121 ] وقريء : «في المجالس » قيل : كان الرجل يأتي الصف فيقول : تفسحوا ، فيأبون لحرصهم على الشهادة . وقريء : «في المجلس » بفتح اللام : وهو الجلوس ، أي : توسعوا في جلوسكم ولا تتضايقوا فيه { يَفْسَحِ الله لَكُمْ } ، مطلق في كل ما يبتغي الناس الفسحة فيه من المكان والرزق والصدر والقبر وغير ذلك { انشزوا } انهضوا للتوسعة على المقبلين ، أو انهضوا عن مجلس رسول الله إذا أمرتم بالنهوض عنه ، ولا تملوا رسول الله بالارتكاز فيه : أو انهضوا إلى الصلاة والجهاد وأعمال الخير إذا استنهضتم ، ولا تثبطوا ولا تفرطوا { يَرْفَعِ الله } المؤمنين بامتثال أوامره وأوامر رسوله ، والعالمين منهم خاصة { درجات والله بِمَا تَعْمَلُونَ } قريء : بالتاء والياء ، عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه : أنه كان إذا قرأها قال يا أيها الناس افهموا هذه الآية ولترغبكم في العلم . وعن النبي صلى الله عليه وسلم : " بين العالم والعابد مائة درجة بين كل درجتين حضر الجواد المضمر سبعين سنة " وعنه عليه السلام : " فضل العالم على العابد كفضل القمر ليلة البدر على سائر الكواكب " وعنه عليه السلام : " يشفع يوم القيامة ثلاثة : الأنبياء ثم العلماء ، ثم الشهداء " فأعظم بمرتبة هي واسطة بين النبوّة والشهادة بشهادة رسول الله . وعن ابن عباس : خيّر سليمان بين العلم والمال والملك ، فاختار العلم فأعطي المال والملك معه . وقال عليه السلام : " أوحى الله إلى إبراهيم ، يا إبراهيم ، إني عليم أحب كل عليم " ، وعن بعض الحكماء : ليت شعري أي شيء أدرك من فاته العلم ، وأي شيء فات من أدرك العلم ، وعن الأحنف : كاد العلماء يكونون أرباباً ، وكل عز لم يوطد بعلم فإلى ذل ما يصير . وعن الزبيري العلم ذكر فلا يحبه إلا ذكورة الرجال .