{ يا أيها الذين آمنوا إذا قيل لكم تفسحوا في المجالس فافسحوا يفسح الله لكم وإذا قيل انشزوا فانشزوا يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات والله بما تعملون خبير ( 11 ) } .
وهذه تزكية أخرى يزكي الله بها أهل الإيمان ، نهاهم قبل ذلك عن النجوى ، أو أن يضيقوا بتناجي الأعداء ويغتموا له ، فإن الله ولي المؤمنين ، وفي هذه الآية الكريمة أرشدهم إلى ما به يتحابون ، وأن يحسن بعضهم إلى بعض في المجالس –وكأنهم كانوا يضنون بمجالسهم عند رسول الله صلى الله عليه وسلم- فأمروا أن يوسع بعضهم لبعض إذا قيل لهم توسعوا ، وأن يقدم الواحد منهم أخاه على نفسه إذا أمر أن يترك مكانه لغيره ، فإن لأهل السبق في الإيمان ، ولأهل العلم الذي يرسخ اليقين بالحق فضل وتقدم ، ورفعة مقام عند الله ، فلنقدم ولنوقر من أعلى المولى أقدارهم ؛ وربنا خبير بعمل كل عامل ، ومجاز كل ساع بسعيه .
مما روى صاحب [ الجامع لأحكام القرآن . . . ] : وقال ابن عباس : المراد بذلك مجالس القتال إذا اصطفوا للحرب ؛ قال الحسن . . : كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا قاتل المشركين تشاح أصحابه على الصف الأول فالأول فلا يوسع بعضهم لبعض رغبة في القتال والشهادة ، فنزلت . . . وقال مقاتل : كان النبي صلى الله عليه وسلم في الصفة وكان في المكان ضيق يوم الجمعة ، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يكرم أهل بدر من المهاجرين والأنصار ، فجاء أناس من أهل بدر فيهم ثابت بن قيس بن شماس وقد سبقوا في المجلس ، فقاموا حيال النبي صلى الله عليه وسلم على أرجلهم ينتظرون أن يوسع لهم فلم يفسحوا لهم ، فشق ذلك على النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال لمن حوله من غير أهل بدر : ( قم يا فلان وأنت يا فلان ) بعدد القائمين من أهل بدر ، فشق ذلك على من أقيم ، وعرف النبي صلى الله عليه وسلم الكراهية في وجوههم ، فغمز المنافقون وتكلموا بأن قالوا : ما أنصف هؤلاء وقد أحبوا القرب من نبيهم فسبقوا إلى المكان ، فأنزل الله عز وجل هذه الآية . .
قلت : الصحيح في الآية أنها عامة في كل مجلس اجتمع المسلمون فيه للخير والأجر ، سواء كان مجلس حرب أو ذكر أو مجلس يوم الجمعة ، فإن كل واحد أحق بمكانه الذي سبق إليه . . لكن يوسع لأخيه ما لم يتأذ بذلك فيخرجه الضيق عن موضعه .
روى البخاري ومسلم عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( لا يقيم الرجل الرجلَ من مجلسه ثم يجلس فيه ) . . . روى مسلم عن أبي الزبير عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( لا يقيمن أحدكم أخاه يوم الجمعة ثم يخالف إلى مقعده فقعد فيه ولكن يقول افسحوا ) . . . يرفع الله الذين أوتوا العلم من المؤمنين على الذين آمنوا ولم يؤتوا العلم درجات في دينهم إذا فعلوا ما أمروا به . . . ورأى عليه الصلاة والسلام رجلا من الأغنياء يقبض ثوبه نفورا من بعض الفقراء أراد أن يجلس إليه فقال : ( يا فلان خشيت أن يتعدى غناك إليه أو فقره إليك ) وبين في هذه الآية أن الرفعة عند الله تعالى بالعلم والإيمان لا بالسبق إلى صدور المجالس .
قلت : والعموم أوقع في المسألة وأولى بمعنى الآية ؛ فيرفع المؤمن بإيمانه أولا ثم بعلمه ثانيا ؛ وفي الصحيح أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان يقدم عبد الله بن عباس على الصحابة ، فكلموه في ذلك فدعاهم ودعاه ، وسألهم عن تفسير : { إذا جاء نصر الله والفتح } فسكتوا ، فقال ابن عباس : هو أجل رسول الله صلى الله عليه وسلم أعلمه الله إياه ؛ فقال عمر : ما أعلم منها إلا ما تعلم ؛ وفي البخاري عن عبد الله بن عباس قال : قدم عيينة بن حصن بن حذيفة بن بدر فنزل على ابن أخيه الحر بين قيس ابن حصن ، وكان من النفر الذين يدنيهم عمر ، وكان أكثر أصحاب مجالس عمر ومشاورته ، كهولا كانوا أو شبانا . . . وفي صحيح مسلم أن نافع بن عبد الحارث لقي عمر بعسفان وكان عمر يستعمله على مكة فقال : من استعملته على أهل الوادي ؟ فقال : ابن أبزى ؛ فقال : ومن ابن أبزى ؟ قال : مولى من موالينا ؛ قال : فاستعملت عليهم مولى ؟ قال : إنه قارئ لكتاب الله وإنه عالم بالفرائض ؛ قال عمر : أما إن نبيكم صلى الله عليه وسلم قد قال : ( إن الله يرفع بهذا الكتاب أقواما ويضع به آخرين ) . . اه .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.