البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِذَا قِيلَ لَكُمۡ تَفَسَّحُواْ فِي ٱلۡمَجَٰلِسِ فَٱفۡسَحُواْ يَفۡسَحِ ٱللَّهُ لَكُمۡۖ وَإِذَا قِيلَ ٱنشُزُواْ فَٱنشُزُواْ يَرۡفَعِ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ مِنكُمۡ وَٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلۡعِلۡمَ دَرَجَٰتٖۚ وَٱللَّهُ بِمَا تَعۡمَلُونَ خَبِيرٞ} (11)

فسح في المجلس : وسع لغيره .

ولما نهى تعالى المؤمنين عن ما هو سبب للتباغض والتنافر ، أمرهم بما هو سبب للتواد والتقارب ، فقال : { يا أيها الذين آمنوا } الآية .

قال مجاهد وقتادة والضحاك : كانوا يتنافسون في مجلس الرسول صلى الله عليه وسلم ، فأمروا أن يفسح بعضهم لبعض .

وقال ابن عباس : المراد مجالس القتال إذا اصطفوا للحرب .

وقال الحسن ويزيد بن أبي حبيب : كان الصحابة يتشاحون على الصف الأول ، فلا يوسع بعضهم لبعض رغبة في الشهادة ، فنزلت .

وقرأ الجمهور : { تفسحوا } ؛ وداود بن أبي هند وقتادة وعيسى : تفاسحوا .

والجمهور : في المجلس ؛ وعاصم وقتادة وعيسى : { في المجالس } .

وقرىء : في المجلس بفتح اللام ، وهو الجلوس ، أي توسعوا في جلوسكم ولا تتضايقوا فيه .

والظاهر أن الحكم مطرد في المجالس التي للطاعات ، وإن كان السبب مجلس الرسول .

وقيل : الآية مخصوصة بمجلس الرسول عليه الصلاة والسلام ، وكذا مجالس العلم ؛ ويؤيده قراءة من قرأ { في المجالس } ، ويتأول الجمع على أن لكل أحد مجلساً في بيت الرسول صلى الله عليه وسلم .

وانجزم { يفسح الله } على جواب الأمر في رحمته ، أو في منازلكم في الجنة ، أو في قبوركم ، أو في قلوبكم ، أو في الدنيا والآخرة ، أقوال .

{ وإذا قيل انشزوا } : أي انهضوا في المجلس للتفسح ، لأن مريد التوسعة على الوارد يرتفع إلى فوق فيتسع الموضع .

أمروا أولاً بالتفسح ، ثم ثانياً بامتثال الأمر فيه إذا ائتمروا .

وقال الحسن وقتادة والضحاك : معناه : إذا دعوا إلى قتال وصلاة أو طاعة نهضوا .

وقيل : إذا دعوا إلى القيام عن مجلس الرسول صلى الله عليه وسلم نهضوا ، إذ كان عليه الصلاة والسلام أحياناً يؤثر الانفراد في أمر الإسلام .

وقرأ أبو جعفر وشيبة والأعرج وابن عامر ونافع وحفص : بضم السين في اللفظين ؛ والحسن والأعمش وطلحة وباقي السبعة : بكسرها .

والظاهر أن قوله : { والذين أوتوا العلم } معطوف على { الذين آمنوا } ، والعطف مشعر بالتغاير ، وهو من عطف الصفات ، والمعنى : يرفع الله المؤمنين العلماء درجات ، فالوصفان لذات واحدة .

وقال ابن مسعود وغيره : تم الكلام عند قوله : { منكم } ، وانتصب { والذين أوتوا العلم } بفعل مضمر تقديره : ويخص الذين أوتوا العلم درجات ، فللمؤمنين رفع ، وللعلماء درجات .

وقرأ عياش عن أبي عمرو خبير : بما يعملون بالياء من تحت ، والجمهور بالتاء .